"فرحة يعقبها صراخ وعويل، أو بكاء يتبعه زغاريد".. تلك كانت حالة بعض أهالي المتهمين في قضية "أحداث العدوة" الذين تكدسوا أمام الحاجز الذي وضعته قوات الأمن في محيط مقر محكمة جنايات المنيا، وسط مصر، بعدما تداول محامو المتهمين، أحكاما متباينة دون رواية واحدة تجمعهم. بداية، تداول محامون رواية تفيد بأن المحكمة برأت جميع المتهمين ال683 ما عدا 8 أشخاص، بينهم مرشد جماعة الإخوان، محمد بديع، قضت بإعدامهم، وبعدها بوقت قصير خرج آخرين برواية أخرى تفيد بأن حكم الإعدام طال 197 شخص فيما حُكم على 150 آخرين بالسجن المؤبد (25 عاما)، وبراءة الباقيين، قبل أن تخرج الرواية ثالثة بأن المحكمة قضت بإعدام 183 شخصا بينهم بديع، وبراءة 496 آخرين، والمؤبد ل4 أشخاص، وفقا لما ذكرته وكالة الأناضول. ولم يستثن بديع من الروايات المتباينة، ففي الوقت الذي قال فيه أحد المحامين إنه حصل على الإعدام، قال أخر إنه حصل على الأشغال المؤبدة. وسمح تباين الروايات والمساحة الزمنية التي تفصل بينها، بتباين المشاعر واختلاطها أحيانا، حيث بادرت أمهات متهمين بإطلاق الزغاريد مع خروج أخبار البراءة الأولى وسط هتافات "يحيا العدل"، وما لبثت الأخبار أن تغيرت فتبدل على أثرها الحال، وكان من الطبيعي أن تشاهد أم اختلطت أخر زغاريدها بالدموع بعد أن بدأت تتوجس على مصير أبنها اثر الزيادة الكبيرة في عدد الأشخاص الذين صدر بحقهم أحكام إعدام. كل ذلك، دون أن يصل أحد من الأهالي إلى حالة يقين عن مصير أبنهم أو قريبهم، فأضحى المشهد أمام المحكمة خليط بين الغموض والفرحة القاصرة والحزن "المتعلق بقشاية" كما يقول المثل المصري الشهير. أم الطفل سلطان يمني جمعة، صاحب ال15 ربيعا وأحد المتهمين في القضية، انطلقت في صراخ وعويل حينما سمعت بالحكم بالإعدام، غير أنها بعد خمس دقائق أخذت تطلق الزغاريد، بعدما أخبرها المحامي بأنه ولدها حصل على البراءة. تقول منى السيد والدة سلطان في حديثها لوكالة الأناضول، "لم أكن أتخيل يوماً أن يكون ولدي خلف القضبان ينتظر حكماً، وعندما سمعت الحكم بالإعدام أخذت أتساءل: هل هو ضمنهم؟، فلم يجب أحد، وجدت نفسي أصرخ دون توقف". غير أنها تابعت بضحكات متتالية، عرفت بعدها أنه حصل على البراءة، وهذا عندي أهم من أي شيء. بعض الأهالي ظلوا على صراخهم، لأنهم لم يعرفوا ما إذا كان حكم الإعدام مصير ذويهم أم المؤبد أم أنها البراءة، وإن بقت في أعينهم نظرة أمل وإن كانت ضئيلة انتظارا لنص الحكم. فيما قالت والدة أحد المتهمين: "كل ما أرغب فيه أن يخرج ابني ويحصل على البراءة، وحتى الآن لا اعرف بماذا حكموا عليه، وأخاف أن يأخذوه في أحكام الإعدام، أو حتى المؤبد، فكل سنة سيقضيها في السجن ستكون بمثابة حسرة لي ولولده الصغير الذي لم يكمل أشهر". وعلى بعد أمتار من تلك السيدة، حمل رجل طاعن في السن يدعى أحمد عبد الفتاح، صورا لابن أخيه أحمد عبد الباسط، أحد المتهمين في القضية، وقال إنه "لا يعرف ماذا حكم عليه حتى الآن لكنه يشعر بالحزن بسبب الإعدامات التي يسمع عنها والتي قد تطول صغيره". وفي نفس المكان، وقفت سيدة تحمل صورا لأبنها أحمد عبد الفتاح، يشع من عينها التفاؤل رغم تضارب الأخبار والروايات، وفضلت أن تطلق الزغاريد لأنها "متأكدة من براءة نجلها"، على حد قولها في حديث للأناضول. وبعد مرور أكثر من نصف ساعة على خروج المحامين ساد صمت بين الأهالي، الذين أرهقتهم الدموع والزغاريد رغم أن الحكم بات واضحا وهو إعدام 183، والمؤبد ل 4، والبراءة ل 496 الباقين. واستقر الأهالي الذين اصطفوا على الأرصفة علي الانتظار حتى يبلغهم المحامون حقيقة الأحكام الصادرة بحق أبنائهم، وإن علم البعض بالأحكام النهائية بحق ذويهم. والدة أحد المتهمين في القضية، سلطان اليمني (15 عاما)، التي تأكدت من الحكم الصادر ببراءة نجلها بعد حالة الغموض والترقب التي استمرت نصف ساعة على الأقل، أطلقت الزغاريد، وطافت الشارع وهي تهتف: "الجيش والشعب والشرطة إيد واحدة "، "عاش السيسي عاش"، "احنا انتخبناه وهو حكم بالعدل وبرأ سلطان"، وبدأت تصافح الضباط والعساكر وهي تبكي وتقول: "شكرًا للسيسي، وشكرا لوزير العدل، واحنا ملناش غير الحكومة". وفي وقت سابق، قال مصدر قضائي إن محكمة جنايات المنيا قضت، اليوم السبت، ب"إعدام 183 شخصا بينهم مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع"، وذلك على خلفية ادانتهم ب"اقتحام وحرق مقر شرطي بمدينة العدوة في محافظة المنيا وقتل رقيب شرطة"، في سياق الاحتجاجات على فض قوات الجيش والشرطة لاعتصام مؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية وميدان نهضة مصر في 14 أغسطس 2013. وقضت المحكمة في القضية ذاتها، اليوم، بالمؤبد (25 عاما) علي 4 آخرين، بينهم سيدتان، فيما حكمت ببراءة الباقين وعددهم 496 بينهم طفلين، وفق نفس المصدر. وأوضح المصدر أن الحكم أولى وقابل للطعن في درجات التقاضى الأعلى. وفي 28 أبريل الماضي، قررت محكمة جنايات المنيا إحالة أوراق (683) مهما في قضية اقتحام مقر شرطي بمدينة العدوة إلى المفتي، لاستطلاع رأيه في إعدامهم، وحددت جلسة اليوم للنطق بالحكم.