المحافظة على الغابات في جزيرة مدغشقر اتخذ منحى اجرائيا هذه الفترة من قبل الحكومة الملغاشية، حيث توجّهت الأخيرة نحو هيكلة التشريعات بغية حماية وتعزيز الغابات باعتبارها إحدى جواهر الجزيرة الكبيرة والتي تمثل 10 بالمائة من إجمالي مساحتها الكلية. وزير البيئة والغابات في مدغشقر "أنثالم رامباراني" قال في تصريح للاناضول "نحن بحاجة إلى تحسين سبل إدارة الغابات في مدغشقر، لتؤتي أكلها فيما يتعلّق بالنمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد"، مضيفا: "علينا تبني استراتيجية جديدة وإقرار قانون جديد لتحقيق ذلك". ولرسم ملامح سياستها البيئية، طلبت الحكومة الملغاشية دعم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). "رامباراني" أشار في ذات السياق إلى أنّه "ينبغي اعتماد سياسة غابية حقيقية، وهذا ما نحن بصدد القيام به مع المنظمة الأممية، وذلك عبر تكفّلها بتمويل هذا المشروع الهام.. ينبغي أيضا ترشيد استغلال الغابات، من أجل ان تتحوّل هذه الأخيرة إلى محرّك حقيقي للتنمية". وعلى امتداد السنتين المقبلتين، ستعمل المنظمة الأممية مع الحكومة الملغاشية على المشروع الذي تقوم بتمويله إلى حدود 366 مليون دولار. ويشمل المشروع –من بين بنود أخرى- استحداث قوانين غابية ،و تنقيح المبادئ التوجيهية الاستراتيجية للسياسة الوطنية للغابات في مدغشقر. أهداف حدّدها الطرفان، وأعلنت عنها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في بيان صدر في 15 مايو/ أيار المنقضي، جاء فيه أنّه و"في نهاية هذا المشروع، سنقدم لوزارة البيئة والغابات في مدغاشقر اقتراحات لإجراء إصلاح شامل ومتماسك للوائح القانونية، ومشروعا لتنقيح السياسة الوطنية للغابات". دوافع إقرار مشروع مماثل في الجزيرة الكبيرة متعدّدة، بيد أنّ أهمّها يتعلّق بما تضمّه من تنوّع بيولوجي يجعل منها أكثر المناطق ثراء من الناحية الطبيعية، حيث "يعيش في أرجائها حوالي 250 ألف نوع نباتي وحيواني، 80 % منها تستوطن الجزيرة بصفة دائمة"، وفقا لبيانات "الصندوق العالمي لحماية الطبيعة". المصدر ذاته خلص إلى أنّ "الجزيرة بكلّ ما تحويه من غابات استوائية مطيرة (شرقي البلاد)، وجافة في جنوبها الغربي، هي –بلا شك- واحدة من أغنى المناطق في العالم من حيث التنوع البيولوجي"، مستعرضا، على سبيل المثال، 50 نوعا من قرد الليمور، والأنواع السبعة من "الباووباب" من الغابات الجافة ("الباووباب" هو جنس من الأشجار التي تنبت في القارة الافريقية) ، إضافة إلى 294 نوعا من الطيور، 107 منها تستوطن الجزيرة على مدار السنة". توجّه مدغشقر نحو تثمين والمحافظة على ثرواتها عبر هيكلة سياساتها الغابية، يرمي إلى إعطاء دفعة قوية للسياحة فيها ومحاربة محاولات إزالة الغابات هذه للانتفاع بأخشابها.. " هذا القطاع الواعد يستحقّ اهتمامنا" على حدّ تعبير الرئيس الملغاشي "هري راجاوناريمامبيانينا" في كلمته خلال حفل تنصيبه في 19 يناير/ كانون الثاني في العاصمة "أنتاناناريفو". وقالت "مؤسّسة المناطق المحمية والتنوع البيولوجي في مدغشقر" (مستقلة) على موقعها الرسمي على الأنترنيت "إنّه لأمر حيوي أن نحافظ اليوم على هذه الجوهرة الطبيعية (التنوّع البيولوجي)، من خلال توفير حماية التنوع البيولوجي والمناطق المحمية على أساس التنمية البشرية والتعليم وتعزيز قطاع للسياحة يتّسم بأكثر مسؤولية". وتغطي الغابات 10 % من المساحة الجملية للجزيرة الكبيرة الرئيسية لمدغشقر المقدّرة ب 592 ألف كم2. المنسّق الوطني لمنظمة "فاوهاري غازي" (تجمع جمعيات ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال البيئة في مدغشقر) "أندريه أندريامانغا" قال في تصريح للأناضول: "نمتلك 12 مليون هكتارا، منها 9 مليون هكتار من الغابات الطبيعية، و6 مليون هكتار من جملة ال 9 المذكورة هي عبارة عن مناطق محمية". "أندريامانغا" حذّر أيضا من الخطر الذي تمثّله بداية ظاهرة إزالة الأشجار "انطلاقا من السنوات الخمسين"، بغضّ النظر عن التراجع النسبي الذي بدأت هذه الظاهرة تشهده خلال السنوات الأخيرة. فبين عامي 1995 و2000، بلغ معدّل إزالة الغابات في مدغشقر 0.8 %، ليشهد خلال السنوات الخمس الموالية انخفاضا دفعه نحو 0.5 %، في حين بلغ نسبة 0.4 % بين سنتي 2005 و2010، وفقا للمنسّق الوطني لمنظمة "فاوهاري غازي" بمدغشقر. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة خلصت من خلال بيانها إلى أنّ الغابات في مدغشقر مثّلت على الدوام موضوع ضغط اجتماعي واقتصادي، فاجتثاث الأشجار يشكّل إحدى الأسباب الرئيسية لتراجع الموارد الغابية. و"عمليات قطع الغابات المرخّص فيها من قبل الحكومة الملغاشية بلغت في المتوسّط معدّل 350 ألف هكتار في السنة"، والرقم مرشّح للارتفاع في صورة عدم انجاز تقييم شامل. كما أنّ "الحرائق المندلعة في الغابات تساهم في تسريع ظاهرة تآكل الأشجار والحدّ من مبادرات التشجير (...)، وقد بلغت مساحة الغابات التي تلتهمها النيران سنويا معدّل 650 ألف هكتار، بحسب المصدر ذاته. سبب آخر يضاف إلى لائحة العوامل التي تهدّد الغابات في مدغشقر، وهو ازدهار تجارة خشب الورد (يطلق على الخشب الصميمي لعدد من الأشجار القرنية الاستوائية) التابع لنوع "دالبرجيا"، حيث تتسبّب هذه التجارة (غير المشروعة في أحيان كثيرة) في تقويض الغابات في محمية المحيط الحيوي وفي المناطق المحمية في الشمال الشرقي من الجزيرة، والمدرجة ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). وتتضمّن مبادرة الحكومة الملغاشية برنامجا لإصلاحات شاملة لوضعية ينتابها الكثير من اللبس، وتهمّ مجالا فائق الحساسية.. ويعتبر المطّلعون أنّ هذه الضبابية التي تسود هذا الموضوع هي نتاج للسياسة الغابية المعتمدة في البلاد منذ سنة 1997. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أوضحت في بيانها هذا الجانب قائلة "يجب ضبط المحاور الاستراتيجية للتشريعات الغابية في مدغشقر وتغيير الأحكام القانونية الحالية المتعلّقة بها، للتكيّف مع السياقي الراهن الذي تشهده البلاد". وفي سياق حديثه للأناضول، تطرّق "أندريه أندريامانغا" إلى جملة العيوب التي تشوب التشريعات الغابية، قائلا "إنها قديمة وتفتقد إلى التناغم، بل تشتمل على العديد من التناقضات، وهذا ما يجعل من إمكانية تطبيقا أمرا صعبا، ويفسح المجال واسعا لحدوث إخلالات من طرف الأشخاص الذين لا يتحلّون بالأمانة". ومن جانبه رأى المدير العام ل "المنتزهات الوطنية في مدغشقر" (حكومية)، وهي منظمة مكلّفة من طرف الحكومة الملغاشية بإدارة الشبكة الوطنية للمنتزهات الوطنية والاحتياطات في مدغشقر، "غي سوزون رامانغاسون" في تصريح للأناضول أن السياسة الغابية في مدغشقر واضحة، وترتكز على "دعم السياحة"، لافتا إلى حقيقة وجود بعض الضبابية التي تغشى التشريعات المتعلّقة بإدارة الغابات، وهذا ما "يحتّم توضيح التشريعات المعمول بها في الوقت الراهن". وتماشيا مع سياق الاصلاحات الواجب إقرارها، تعرّض "أندريامانغا" إلى القضايا المحلية والتوجّه الدولي فيما يخص إدارة الغابات، والذي ينطلق من ضرورة " تحديد الأحكام لبيع الكربون، أو تلك المتعلّقة بتمويل خدمات النظام الإيكولوجي"، مضيفا "من ناحيتنا، نحن نقترح إجراء دراسة لبعض الخصوصيات المحلية، من قبيل هل يمكننا تصنيف أشجار القرم (بالضم) (نوع من النباتات) كجزء من الغابة؟ الاجابة ستكون لا بصفة بديهية، رغم امتلاكها لخصائص تلعب دورا رئيسيا في تغيّر المناخ، والأمر سيان بالنسبة للغابات الشائكة بالجنوب الغربي من الجزيرة، والتي تشارك في تعديل المناخ".