عندما ألقي القبض على رئيس كوت ديفوار السابق، لوران غباغبو في 11 أبريل/ نيسان عام 2011، إثر أسابيع من الاشتباكات مع أنصار الرئيس المنتخب حديثا (آنذاك) الحسن واتارا، فر العديد من الموالين لغباغبو إلى البلدان المجاورة، خشية الانتقام. وغادر عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال مسقط رأسهم لأول مرة إلى أراض أجنبية، بحسب إحصائيات دولية، رغم أن بحوزتهم قليل من المال، وليس لديهم أقرباء يعتمدون عليهم، لكن كل ما كان يدور في خلدهم هو البقاء في مأمن من الرصاص والقنابل. وتتعافى كوت ديفوار من أزمة عنيفة عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في نوفمبر/ تشرين ثاني عام 2010، حيث أعلن متنافسان فوزهما، وهما الحسن وتارا وغباغبو. وأسفرت أعمال العنف والنزاعات المسلحة بين جماعة متمردة سابقة موالية لواتارا، وجنود ومليشيات موالية لغباغبو التي وقعت حينها عن مقتل أكثر من 3 آلاف شخص، وفقا لإحصائيات الأممالمتحدة وجماعات حقوق الإنسان. وسجن مئات المعارضين السياسيين الذين ما زالوا بانتظار المحاكمة، وانتهت باعتقال غباغبو في 11 أبريل/ نيسان 2011، ثم إرساله لاحقا للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الصراع بعد الانتخابات. وحين أدى وتارا اليمين الدستورية رئيسا للبلاد في مايو/ آيار 2011، كان هناك زهاء 300 ألف لاجئ إيفواري يعيشون في ليبيريا، غانا، وتوغو، وبنين، وفقا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ولكن بعد مضي 3 سنوات، ومع عودة الأمور إلى طبيعتها، عاد الآلاف من اللاجئين من أجل لملمة شتات حياتهم القديمة، يقول معظمهم إنهم وافقوا على العودة بعد تحسن الحالة الأمنية. وساهمت إدارة العون والمساعدة للاجئين وعديمي الجنسية "سارا"، التي أسستها وزارة الشؤون الخارجية الإيفوارية، بشكل كبير في العودة الطوعية لنحو 230 ألف لاجئ حتى الشهر الجاري، ووفرت لهم وسائل النقل، والاحتياجات الأساسية لدى وصولهم. وفي حديث لوكالة الأناضول، قالت لوبوا جاكلين (41 عاما) التي عادت إلى قريتها غرب البلاد في مارس/آذار الماضي: "كنت أعيش في خيمة في ليبيريا مع 4 أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام، و14 عاما". وأضافت: "كان الغذاء والدواء من السلع النادرة، وشعرنا أننا ليس لنا مستقبل هناك". ومضت قائلة "قررنا العودة إلى الوطن، حتى يتمكن أطفالي من العودة إلى المدرسة، وحتى يمكنني استئناف البيع في السوق". وأوضحت جاكلين أنها لم تعثر حتى الآن على زوجها الذي لم يتمكن بدوره من الفرار من القتال الدائر آنذاك. وشهد الجزء الغربي من البلاد أسوأ الجرائم الوحشية التي ارتكبت خلال أزمة عام 2011. وحتى اليوم، لا يزال الصيادون التقليديون المعروفون باسم "دوزو"، الذين قاتلوا إلى جانب القوات الموالية للرئيس واتارا، يحتلون معظم الأراضي الزراعية المملوكة في الأصل للاجئين، الذين لا يزالون ينتظرون مساعدة السلطات لاستعادة مزارعهم. ووفقا لحزب "الجبهة الشعبية الإيفوارية" الذي ينتمي إليه غباغبو، الذي أصبح في الوقت الراهن حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، اكتشف معظم اللاجئين العائدين، أن ديارهم محتلة من قبل جنود أو نهبت بالكامل، بما في ذلك الأبواب والنوافذ والأسقف. وتعالج لجنة خاصة شكلتها وزارة الدفاع الإيفوارية قضية رد المنازل المحتلة إلى اللاجئين العائدين، من أصحاب المنازل الذين يعربون عن أسفهم إزاء ديارهم المنهوبة. وفي تصريح لوكالة الأناضول، قال منسق اللجنة التابعة لوزارة الدفاع، العقيد إيهوسو أكا "تم تسليم أكثر من 100 منزل إلى أصحابها، وبعض هذه المنازل لم يتعرض للنهب كما يقولون". وأضاف: "ما زلنا نعمل لتحرير جميع المنازل المحتلة بحيث يمكن لأصحابها الشرعيين الوصول إلى ممتلكاتهم، وهذه هي رغبة الحكومة". فيما أكد مصدر في وزارة العمل الإيفوارية لوكالة الأناضول أن أغلب اللاجئين عادوا إلى عملهم في الخدمات العامة، ويتقاضون رواتبهم الشهرية مثل الآخرين. أما ميشال غباغبو، نجل الرئيس السابق، الذي قضى نحو 3 سنوات في السجن بعد اعتقاله مع والده في عام 2011 ، فيحاضر الآن في جامعة كوت ديفوار أكبر جامعات أبيدجان، حيث كان يعمل قبل أزمة عام 2011. وعلى الرغم من ذلك، فإن مسحة من الشك وعدم الثقة لا تزال سائدة بين السلطات واللاجئين العائدين، ولا سيما في الإدارات الاستراتيجية مثل الجيش والمالية. وفي هذا الصدد، قال برنارد دود، أستاذ العلوم السياسية في ثاني أكبر جامعات كوت ديفوار في بواكيه: "تعطى معظم المناصب العليا في البلاد إلى أشخاص ينظر إليهم على أنهم من أنصار الرئيس (الحالي) واتارا، أو أعضاء الحزب الديمقراطي الإيفواري (الحاكم) المتحالفين معه". وأضاف: "ربما تشعر السلطات أن اللاجئين العائدين الذين هم على مقربة من الرئيس السابق (غباغبو)، ربما يخربون تلك الوظائف إذا تم تعيينهم فيها، في حين يشعر اللاجئون أنهم يتعرضون للإهمال لأنهم ينتمون إلى المعارضة". ولا يزال نحو 70 ألف لاجئ إيفواري في مختلف أنحاء منطقة غرب أفريقيا، ومعظمهم لا يرغب في العودة، وفقا ل"سارا". في حين، قال بعض اللاجئين الذين أجرت وكالة الأناضول لقاءات عبر الهاتف من غانا، إنهم سينتظرون حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2015 لحسم قرارهم. والخميس الماضي أفرجت السلطات الإيفوارية عن 150 من سجناء المعارضة وأوقفت تجميد الحسابات المصرفية لنحو 50 معارض آخرين، بحسب بيان أصدره المدعي العام ريتشارد كريستوف أدو، في محاولة لتهدئة التوتر السياسي وتعزيز المصالحة في البلاد. ولا يزال أكثر من 1000 سجين بينهم عسكريين ومدنيين قيد الاعتقال دون محاكمة على خلفية التورط في أعمال العنف التي اندلعت في أعقاب أزمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وكانت السلطات جمدت حسابات 300 من مؤيدي غباغبو عام 2011 بحجة منع "تمويل أنشطة تخريبية" ينفي حزب "الجبهة الشعبية الإيفوارية" المعارض تورط أي من أعضائه فيها. وفي أبريل/ نيسان الماضي رفعت السلطات التجميد عن 43 حسابا مصرفيا تابعة لكبار أعضاء حزب "الجبهة الشعبية الإيفوارية" المعارض. أعده للنشرة العربية: أحمد محمود