عادة ما يقترن اسم جبل الشعانبي الواقع غربي تونس بعبارة "أعلى قمة في البلاد"، إلا أن الجبل تجاوز سطور الكتب، وتوصيفات محركات البحث، ليدخل في صميم المتابعات الإخبارية والإعلامية، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2012 بعد قتل الوكيل الأول بالحرس الوطني (قوات نظامية تونسية)، أنيس الجلاصي، في اشتباك مع مسلحين بالقرب من منطقة بوشبكة المتاخمة للجبل. وتبع ذلك، بدء قوات الجيش التونسي عمليات عسكرية ضد مجموعات مسلحة، تصفها ب"الإرهابية"، متحصنة في الجبل التابع إداريا لمحافظة القصرين، قرب الحدود الجزائرية، في يوليو/ تموز الماضي، قبل أن يعلن الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، في منتصف أبريل/نيسان الماضي، جبل الشعانبي وبعض المناطق المتاخمة له، منطقة عمليات عسكرية مغلقة. الشعانبي جبل يبلغ من الارتفاع 1544 مترا، وهو جزء من سلسلة الظهرية التونسية التي تعتبر امتداد لسلسلة جبال الأطلس (تمتد من المغرب الأقصى إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط الشرقيةبتونس). ويمتد الجبل على أكثر من 100 كلم مربع؛ من غرب مدينة القصرين إلى منطقة بوحيّة غربا لتبدأ سلسلة من الجبال ملاصقة له تربطه بالحدود الجزائرية أهمها جبل عبد العظيم، وجبل درناية وجبل طم صميدة وتربط بين هذه الجبال مجموعة من التلال المرتفعة. وفي الجهة الشمالية، يمتد على سفوح الجبل، قرية بولعابة التي تبدأ من المنطقة الصناعية، بينما تمتد مرتفعات الجبل لتفصل بينها وبين السفوح الشمالية التي تشرف على سهل فوسانة (غرب القصرين). جنوبا تمتد سفوحه من البوابة الرئيسية للحديقة الوطنية للشعانبي مرورا بفج بوحسين ويقف جبل "خشم الكلب" حاجزا بين سفوح الجبل الغربية وسفوح الجبل الجنوبية حيث يمتد في اتجاه الجنوب . أعلى الجبل مجموعة من القمم أعلاها في الجهة الشرقية؛ وقد مثل الجبل خلال الاستعمار الفرنسي لتونس (1881 – 1956) ولفترة طويلة منجما لاستخراج مادة الرصاص مما خلف كهوفا عديدة عميقة في الجهة الشمالية وفي أعالي الجبل. سفوح الجبل شديدة الانحدار ووعرة تشقها أودية عميقة تغذي الأودية الرئيسية في الشرق (وادي الدرب) وفي الشمال (وادي الحطب الذي يشق سهل فوسانة)، وأثرت التعرية والانجراف في السفوح الشرقية على مستوى منطقة المنقار (ينتهي الجبل في الشرق وقبل مدينة القصرين بشكل تضاريسي يشبه منقار الطير أو هكذا خيل لمن أطلق التسمية منذ القدم). السفوح الشمالية والجنوبية مكسوة بغطاء نباتي متنوع أهم أنواعه البلوط الأخضر (أشجار ضخمة معمرة)، الصنوبر الحلبي (نبات شجري، الإكليل الجبلي (عشبة معمرة)، العرعار(شجيرة أو شجرة معمرة دائمة الخضرة تنمو في المناطق الباردة)، ويقول المهتمون بالبيئة ان الجبل يحتوي أكثر من 100 جنس نباتي حيث صنف الجبل منذ 1977 من طرف منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو)، كمحمية للمحيط الحيوي (تحوى كائنات ونباتات متنوعة). وأتبعت الدولة التونسية قرار المنظمة، بإحداث الحديقة الوطنية للشعانبي كمحمية طبيعية سنة 1980 على أغلب مساحة الجبل وأحيط الجبل بسياج وأحدثت البوابة الرئيسة في الجنوب الشرقي للجبل التي تعد المدخل الوحيد للجبل، يأتي خلفها طريق يشق الجبل ليصل القمة. في السفوح العليا للجبل مجموعة من التلال أشهرها تلة الحاج عمار وتعرف أيضا بمنطقة السبع أبيار (الآبار السبع وهي عيون ماء عميقة)، وغير بعيد عنها غربا تلة الحاج احمد وهي تلة شاسعة محاطة بالمرتفعات مما يحجبها عن العين وتوجد بها آثارا تعود إلى الحقبة الرومانية ( من القرن الثاني قبل الميلادي الى القرن الخامس ميلادي) والكثير من الشعاب والوهاد العميقة ومن الصعب دخولها . يتقلص الجبل عند السفوح السفلى ويمتد في مناطق محدثا منخفضات مثلت لفترة طويلة مجال استقرار لمجموعة من السكان الذين ارتبطت حياتهم ونشاطهم بالجبل، وأبرزها منطقتي "الدغرة" و"المنقار" من الجهة الشرقية وقرية بولعابة (تعرف بولعابة تاريخيا بالمعركة التي دارت بالقرب منها بين الجيوش الألمانية وجيوش الحلفاء عام 1943)، وتمتد مرتفعات الجبل لتفصل بين منطقة بولعابة والسفوح الشمالية المشرفة على سهل فوسانة موطن عرشي (قبيلتي) أولاد مسعود وأولاد عبيد. في الجهة الجنوبية ومن البوابة تمتد منطقة فج بوحسين نحو الغرب إلى حدود مرتفعات جبل "خشم الكلب" الذي يفصل بين المنطقة ومنطقة بوحية الحدود الغربية للجبل، لتبدأ سلسلة من الجبال أهمها جبل عبد العظيم الذي يحمل اسم منطقة بأكملها ويحوي بين مرتفعاته عمادة (قرية) بأكملها تسمى باسمه (تضم 690 ساكن) وتربط جبل الشعانبي بالحدود الجزائرية عند منطقة بودرياس (2419 ساكن) . ويفصل واد بوحية في شكل مضيق بين جبل الشعانبي ومجموعة من الجبال أهمها جبل "درناية"، وجبل "طم صميدة" الذي ينتهي غربا عند الحدود الجزائرية وجنوبا يشرف على منطقة أم علي (1600 ساكن) فيما تضم هذه الجبال بين مرتفعاتها قرية درناية القرية الجبلية (على بعد 06 كم على الحدود الجزائرية) فقرية بوشبكة الحدودية أبرز معبر حدودي نحو الجزائر. يستوطن سفوح جبل الشعانبي حوالي 9000 نسمة بحسب تقديرات المعهد الوطني للإحصاء، وهي أرقام يصفها مراقبون بأنها "غير دقيقة"، وسواء نقص العدد أو ارتفع فإن حياة السكان ارتبطت بجبل الشعانبي فهو يمثل مرعى طبيعيا للماشية؛ اذ يرتكز النشاط الرئيسي لهؤلاء السكان على تربية الاغنام كما يمثل الجبل موردا للرزق حيث تقام أفران لتحضير الزقوقو (الصنوبر الحلبي) من منتوج أشجار الصنوبر إضافة إلى استغلال سفوح الجبل وشعابه كمكان لتربية النحل حيث يتطلب مناطق تتوفر فيها النباتات مثل الإكليل، ويعد عسل الإكليل من أجود أنواع العسل. وفي مناطق أخرى، يتم قطع الأشجار بالطرق القانونية أو بالطرق غير القانونية لإقامة أفران لتحضير الفحم المعد للتدفئة أو في أغراض أخرى فيما يستغل سكان منطقة عبد العظيم المنطقة التي تحمل اسم الجبل الأراضي والتلال والهضاب في الزراعة. وفي الجهة الغربية، وبالأخص قرى مثل بوشبكة وبودرياس، يمثل التهريب النشاط الرئيسي لمتساكني المنطقة وساهم نشاط التهريب القديم في شق عدة طرق داخل الجبل تساعدهما على التخفي من أعين الرقابة الأمنية.