ندوة بمعرض الكتاب : عبدالوهاب المسيري دعا للحوار المسلح مع الغرب محيط – شيماء عيسى جانب من الندوة شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة لمناقشة أحدث سلسلة بتوقيع المفكر الكبير و" محارب الصهيونية العنيد " د. عبدالوهاب المسيري ، الذي رحل مؤخرا عن عالمنا ، و يتتبع قاريء السلسلة التي تحمل اسم " حوارات عبدالوهاب المسيري .. حصاد فكر وتجربة حياة " أحاديث دارت بين المؤلف ومفكرين وباحثين حول العالم ، وكتبها بنفسه كما تعرض خلالها لتجارب عامة وأخرى شخصية. تظهر في كل تحليلات المؤلف مرجعيته الإسلامية العربية المستنيرة ؛ فهو إذ يحلل الغرب يشعر أنه على الطرف النقيض الأقوى ويؤكد قيم الغرب الإيجابية ولكنه يحتج علنا على قيمه السلبية الأشد ضراوة ومنها سيادة النظرة المادية والنفعية والاستهلاكية للحياة وللإنسان . الكتاب صادر عن دار الفكر السورية ، ومقسم إلى أربعة أجزاء هي : " الثقافة والمنهج " ، " العلمانية والحداثة والعولمة " ، " الهوية والحركية الإسلامية " وأخيرا " الصهيونية واليهودية " ، وقامت مديرة الندوة الإعلامية سوزان حرفي بتحرير هذا الكتاب وإعداده ، وشاركها بمناقشته في الندوة كل من د. محمد هشام أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة حلوان ، د. سيف الدين عبدالفتاح منسق برنامج حوار الحضارات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، ود. أحمد عبدالحليم عطية أستاذ الفلسفة . وقال د. محمد هشام وهو باحث في الصهيونية وبدأ مع الدكتور المسيري الموسوعة من بدايتها ، أن د. المسيري قبل أن يبدأ مشروعه حول الصهيونية في عام 1992 بكتابه " نهاية التاريخ " ، كانت هناك مئات الكتب التي صدرت حول دولة إسرائيل واليهودية والصهيونية وتحديدا منذ هزيمة 1967 حيث شهدت الساحة الثقافية العربية نشاطا كبيرا في هذا المجال ، ولم يكن المسيري أول من كتب عن الصهيونية ، ولا تمكن من كشف حقائق جديدة لا يعلمها أحد ، وإنما تمكن من نفض الغبار عن حقائق ومعلومات هامة الجميع يتجاهلها وخاصة المصادر الصهيونية ، مثل التعاون بين الحركة الصهيونية وبين النازية . يواصل : وسائل الإعلام الغربية تروج لفكرة أن الحركة الصهيونية واليهود ضحايا البطش النازي ، وبالتالي فإن تأسيس دولة إسرائيل جاء لإنقاذ هؤلاء اليهود ، وإذا كانت النازية بالفعل طالت اليهود وغير اليهود ، ولكن ما كشفه د. المسيري أن الحركة الصهيونية ممثلة في المنظمة الصهيونية حينها تعاونت مع النازي في كثير من المجالات ، بل وعقدت " اتفاقية النقل " أثناء الحرب العالمية الثانية ، والتي تتيح نقل اعداد من اليهود من ألمانيا والبلدان الأخرى الخاضعة للحكم النازي للخارج . وهناك شخصيات تلزم المصادر الصهيونية الصمت تجاهها منهم ألفريد نوسينج والذي تتبع حياته المسيري وعلم أنه أحد المتعاونين الأساسيين مع الحكم النازي وأحد الذين قدموا المشورة لهتلر فيما أنزله من قمع للجماعات اليهودية . كما أن د. عبدالوهاب المسيري تمكن من وضع المعلومة في نسق متكامل ؛ فالمعلومة تكتسب قيمتها بوضعها في نموذج تفسيري ، وفي هذه الحالة نرى المعلومة بشكل أفضل ، لو قلنا ان إسرائيل في حملتها على غزة قتلت 1000 فلسطيني ، فهذه المعلومة بذاتها قد نستخدمها لإرهاب الشعوب الأخرى من قوة إسرائيل المسيطرة الغاشمة ، أو للتأكيد على أن الشعب الفلسطيني رغم كل ما تعرض له مازال مقاوما ويقدم كل يوم المزيد من الشهداء . مقاوم حاول المسيري أيضا ، حسبما يؤكد د. محمد هشام ، أن يحيط بالظاهرة الصهيونية في كافة جوانبها ، وكان التركيز قبلها على الأحزاب الإسرائيلية وتوزع الطبقات والناحية الاقتصادية داخل إسرائيل ، ولكن المسيري حاول ربط هذه الجوانب وتقديم نظرة أقرب للشمول . وكذلك أكد المسيري أن الصهيونية جزء أصيل من المشروع الاستعماري الغربي ، وهو ما يؤدي بنا لمعرفة أن مصير هذا المشروع هو مصير الاستعمار في كل العالم الذي تمت تصفية جيوبه في معظم أنحاء العالم ، ومن هنا يمكن أن يكون مصير إسرائيل للزوال كما زال استعمار جنوب أفريقيا أو الجزائر . ويؤكد المسيري أيضا في حواراته المنشورة أن المقاومة أمر أساسي ؛ فالصهيونية كحركة استعمارية لن تهزم من تلقاء نفسها أو بفعل عوامل التفكك أو الأزمات الاقتصادية أو العسكرية الداخلية ، ولكن لابد من المقاومة لدحضها، وكان المسيري يؤكد كثيرا أن أي مجتمع يمكن أن يعيش لفترة طويلة جدا وهو مأزوم ، ولكن المقاومة والفعل العربي الجماعي كفيل بوضع نهاية للمشروع الاستعماري. يضيف د. محمد : منهج تفسير الظاهرة الصهيونية هو أهم ما قدمه المسيري ، وليس إضافة معلومات حولها ، كما أنه كان دائم التشجيع لتلامذته على الاختلاف ومنهم مفكرين كبار حاليا عملوا معه بموسوعته مثل الدكتور جلال أمين . العودة للإنسان مديرة الندوة ومحررة السلسلة سوزان حرفي أكدت من جانبها أن القضاء على الجيب الاستيطاني حدث في العالم كله باستثناء الولاياتالمتحدةالامريكية لأنها قامت على إبادة الهنود الحمر ، وبالتالي لم تجد شعبا يقاومها لأنها أبادت هذا الشعب ، وهنا ننظر للقيم الوجدانية المشتركة بين الشعبين الأمريكي والإسرائيلي ؛ فكلاهما يريد إلغاء الذاكرة التاريخية والتأكيد على أنهم أبناء اليوم ، ويزداد الإسرائيليون في تطبيق " الحلولية " حينما يدعون انهم شعب الله المختار وأن أرض فلسطين بلا شعب ، واليهود شعب بلا أرض ، ويجري كل ذلك في عالم سادته قيم الحداثة الغربية ومن بين هذه القيم النظر بنسبية شديدة للأمور ، لدرجة تجعل كل الأشياء متساوية ، أي لا ننحاز للحق كعرب ونتجه دائما للمفاوضات الكلامية التي لا تعيد شيئا من حقوقنا بل تساعد إسرائيل في التوسع يوما بعد يوم . امريكا واسرائيل وكان الدكتور عبدالوهاب المسيري – تتابع حرفي – يؤكد على أهمية التفاوض ولكن بشكل يجعله حوارا مسلحا ، فإذا امتلكت القوة تستطيع أن تتحاور ، والعرب يملكون بالفعل وسائل ضغط منها سلاح البترول ومنها موقعهم الذي يحكم حركة التجارة العالمية ، كما ان الولاياتالمتحدة تجد اليوم مصالحها مع إسرائيل في المنطقة ولهذا تعينها ماديا وعسكريا ، ولكن بإمكاننا أن نثبت لها أن مصالحها معنا يمكن أن تتأثر لمواقفها المضادة للحق العربي وخاصة بفلسطين ، وكان المسيري يعظم من شأن الإنسان وإرادته ، فالطفل الفلسطيني الذي يضرب الدبابة الإسرائيلية بحجر هو أهم رموز وأدوات المقاومة الفعالة . تواصل حرفي : المسيري رفض كذلك النظرة المادية للإنسان ، والتي يتعامل الغرب بها معنا ، فمثلا يفكرون في منح الفلسطينيين 24 كيلو متر على ساحل العريش لإقامة ميناء اقتصادي يسهل حصولهم على احتياجاتهم الأساسية ، ولكنهم ينكرون عليهم إعادة أرضهم الأصلية . نفس الشيء تفعله بعض الحكومات الخليجية حينما تسعى لتوفير حياة كريمة للمواطن ليكف عن التفكير في حقوقه كإنسان ومنها حرية التعبير والمشاركة السياسية وقضايا الديمقراطية وغيرها ، وفي مصر يحدث العكس يتم التعامل مع المواطن بطريقة تزيده حاجة يوما بعد يوم ، فيعكف عن التفكير في أي شيء وخاصة السياسة ، هذا تحديدا هو ما رفضه المسيري ، التعامل مع الإنسان كشيء يمكن توجيهه عبر معادلة ما . وأكد المسيري أن الإسلام في منظومته يحترم الإنسان ، وكان ينتقد عالم اليوم الذي تسوده الآلة وتغيب عنه السعادة بالفعل ، فالكل يلهث لتحصيل الرزق والمنازل والشوارع مكتظة بالآلات ، ولكن الحياة أصعب لأن البيئة مثلا ملوثة والأطعمة ملوثة ، وهذا هدر لكرامتنا كبشر ، وإذا كان الغرب يفكرون حاليا في استخدام الماء والهواء لاستخراج الطاقة الكهربائية لابد علينا كعرب أن نفعل الشيء نفسه ، لا أن نعتمد مثلا على البترول كمصدر طاقة للأبد ، لأن كل ما نفعله بذلك أننا نفرغ باطن الأرض لكي نعيش وهذا منتهى التراجع في التعامل مع البيئة حولنا . وأخيرا أكد المسيري في حواراته أن الحضارة الإسلامية تكمن روعتها في أنها تحافظ على مصلحة الفرد والمجتمع معا ، وأن المصلحة في نظرها ليست أهم من القيمة الأخلاقية ، أي أن الغاية لا تبرر الوسيلة أبدا . خطاب اسلامي جديد من جهته رأى د. أحمد عبدالحليم أن كتاب المسيري يمثل نقدا للحياة الغربية وتصورها للعالم ، فهو يسعى لخلق خطاب إسلامي جديد ، كما أنه موسوعي يشكل السياسة والتاريخ والديانات ، وفي نفس الوقت يستطيع أي إنسان أن يفهمه بدون تعقيد أو غموض . عبدالوهاب المسيري وأضاف : المسيري كان يقبل الخلاف بدرجة كبيرة ، وقد أعاد ما دمره مفكرون يهود ومنهم السكندر كوجيه ، مارتن كوبر ، ايمانويل ليفيناس وليفي شتراوس الذي تتلمذ عليه المحافظين الجدد ، والذين هدموا العلم والفلسفة ، ورأى أن ما فعله المسيري هو ضبط حركة الميزان وأنه أكد أن الإسلام ينظر له كعلم وليس أيدولوجيا مغلقة . أما د. سيف الدين فاعتبر أن هناك نسبا حضاريا يجمع المسيري وعالم الاجتماع الشهير ابن خلدون ؛ فكلاهما ركز على عظم قدر الإنسان في الفكر الإسلامي ، وكان ابن خلدون يرى أن الظلم إذا ساد بمجتمع فهو مؤذن بخراب العمران ، أما المسيري فيرى أن الظلم مؤذن بخراب الإنسانية . وكان المسيري يرى أن الإسلام يتسامى بالفرد فوق الاختلافات العرقية والمذهبية والدينية أيضا ، مستلهما في ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه " الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" . يواصل د. سيف عبدالفتاح : المسيري وصل لله عبر الإنسان والإنسانية ، ولذا وجب على الذين يتعاملون مع الإسلام بشكل جامد أن يتعلموا منه كيف يكون الإسلام حيا بالسلوك والقدرة على الفعل . وكان يعاني في البداية من ميله الشديد للمعلومات وجمعها ، وهو ما أسماه بخطر " الذئب الهيجلي " الذي يضيع معه العمر بكامله ولا يشبع لأن المعلومات لا تنتهي ، وقرر أن يكرس الوقت الأكبر من حياته لتحليل المعلومات وتفسيرها وهذا هو الأهم للباحثين العرب أن يتعلموه . تميز المسيري عن غيره من المفكرين بأن رحلته من الشك لليقين استندت على منظومة معرفية كاملة ، وأنه حينما ناقش الحداثة الغربية أكد على افتقادها لمعاني الإنسانية ، وبالأخص العولمة التي حولت الإنسان لآلة ، وأسمى ذلك ب " حوسلة الإنسان " ، وكان يصر أن علينا كبشر الخروج من ضيق المادية الغربية لرحابة الإنسانية ، كما أكد أن الإسلام هو أكبر العقائد تسامحا مع الآخر . وفي نهاية الندوة علق الأكاديمي الفلسطيني الكبير د. مازن النجار في مداخلته بالندوة على إسهامات المسيري في الحياة الثقافية ، وأولها أنه اول مثقف عربي فتح حوار بيننا وبين العالمية الأوروبية ، وبالمناسبة فنظيرها هو العالمية الاسلامية والتي لم تنته بسقوط الخلافة العثمانية ولكن حينما انسحب المسلمون بمنطقهم وحججهم من الساحة الفكرية العالمية ، وحينما صعد الفكر الحداثي الغربي والأوروبي تحديدا بدلا منه ، وكان يرى المسيري أن الحداثة الغربية أنتجت بنية صلبة ، ولكن برأي د. مازن أنها كانت شرسة وليست صلبة فقط ، ونتذكر مثلا ما كان يجري في 1849 بين أمريكا والمكسيك من حروب ، حينها قال الرئيس المكسيكي : " ويل لبلادي ما أقربها من أمريكا وما أبعدها عن الله " ، والميزة أن د. المسيري استخدم أدوات الجدال والحوار الأوروبي ولهذا كان مقنعا لهم ، وفتح جسرا هاما لعودة الفكر العربي وكان ينازع فكرة فردانية الحضارة الأوروبية.