نفد دواء "الأكامول الوريدي" خافض الحرارة الذي يُحقن بالشريان الوريدي لمرضى السرطان من قطاع غزة، منذ 5 أيام التي كانت كفيلة بتدهور صحة الطفلة الغزية المصابة بسرطان الدم آلاء حجي 14عاماً. فارتفاع درجة حرارة حجي أعلى من معدلها الطبيعي ب"درجتين" دفع والدتها إلى معالجتها بالطرق البدائية للتخفيف من حدة آلام جسدها، في محاولة منها لإيجاد بديل عن الدواء المفقود في القطاع فاستعانت بكمامة مُبللة بالمياه الباردة لتضعها على جبين طفلتها. ويجعل غياب العقاقير الطبية من مستشفيات قطاع غزة بالتزامن مع إغلاق مصر للمعبر البري الوحيد الذي يربط القطاع بالعالم الخارجي، إلى جانب الحصار الإسرائيلي المستمر للسنة "الثامنة" على التوالي، من مرض السرطان "هاجساً" يؤرق المرضى وذويهم، كما تقول والدة حجي لمراسلة وكالة "الأناضول". وكانت وزارة الصحة في الحكومة المقالة بغزة، قد أعلنت، الأسبوع المنصرم، عن نفاذ 30% من مخزون الأدوية الأساسية التابعة للوزارة بسبب الحصار الإسرائيلي وإغلاق الجانب المصري لمعبر رفح البري، محذرة من تدهور الوضع الصحي لمرضى غزة. وتشير والدة حجي ب"يدها" إلى كمامة المياه الباردة وتتساءل:" هل تكفي هذه الكمامة لخفض درجة حرارة جسم مصاب بسرطان الدم وعلاج ارتفاعه بشكل كامل، وهل تشكّل –هذه- بديلاً عن الأدوية الكيمياوية المفقودة من قطاع غزة؟". وتعرب حجي عن مخاوفها على حياة طفلتها المصابة بسرطان الدم في ظل غياب العقاقير الطبية اللازمة لعلاجها ونقص الأجهزة التي تعمل على تشخيص الحالات المرضية، مشيرةً إلى أن تردي الوضع الاقتصادي يأخذ مكانه في التأثير السلبي على حالة الطفلة. وتابعت "انعدام الدخل المادي لأسرتي يقف عائقاً في بعض الأحيان أمام توفير الأدوية الطبية اللازمة للرعاية الأولية لصحة آلاء". وفي السياق ذاته، أوضح عوض الهلول رئيس قسم السرطان في مستشفى عبد العزيز الرنيسي التخصصي للأطفال، أن المستشفى تسجل من 60-70 إصابة بمرض السرطان "سنوياً". وخلال الفترة من 1995 وحتى 2012، رصد مركز الإحصاء الفلسطيني إصابة 12.600 حالة بمرض السرطان في كافة محافظات قطاع غزة. وذكر أن سرطان الدم والمعروف علميا باسم اللوكيميا يحتل المرتبة الأولى بنسبة 33% من إجمالي الإصابة "الأطفال" بالسرطان بغزة، ومن ثم يليه سرطان الجهاز العصبي والغدد الليمفاوية. وعن تأثير الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة للسنة الثامنة على التوالي، وإغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح بشكل شبه "كامل"، على واقع مرض السرطان بغزة، قال الهلول:" يعاني قسم السرطان من نقص في الخدمات الطبية المخبرية والإشعاعية، يضاف إلى النقص في الوسائل التشخيصية، وغياب بعض المواد المخبرية اللازمة للمتابعة الطبية". وتابع:"ويتمثل نقص وسائل التشخيص الاشعاعي في غياب جهازي TEMODAl وCCNU، بالإضافة لأجهزة العلاج الإشعاعي ونقص الأدوية المساندة للعلاج الكيماوي كالمضادات الحيوية". وتفاقمت معاناة مرضى السرطان في قطاع غزة في الشهر السبعة الأخيرة جراء نقص الأدوية الكيمياوية وغياب كامل للعلاجات الإشعاعية، بشكل يهدد من حياة المرضى، على حد قول الهلول. ويخضع كل مريض بالسرطان لبرنامج متكامل من العقاقير الكيمياوية، وفي حال شهد أي برنامج نقص في صنف واحد من الدواء المخصص للحالة المرضية، فإن البرنامج بأكلمه لا يمكن تنفيذه ويتم تحويل المصاب بالسرطان للعلاج بالخارج، كما يؤكد الهلول. وناشد الهلول منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية بالضغط في اتجاه توفير كل ما يحتاجه مرضى السرطان من "عقاقير طبية وأجهزة تشخيصية ووسائل ترفيهية". ويقول أشرف أبو مهادي، مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة التابعة للحكومة المقالة، أن نسبة النقص في أدوية السرطان بالقطاع تجاوزت ال35%، محذراً من وصول نسبة النقص ل50% خلال شهرين إذا استمر الحصار المفروض على القطاع بهذا الشكل. ولفت إلى أن قطاع غزة المحاصر يعيش أوضاع اقتصادية متردية خاصة في ظل تأكيدات الحكومة بغزة أنها تعاني من أزمة مالية، وهذا الوضع أثر على قدرة الوزارة المالية على توفير العقاقير والمسلتزمات الطبية للمرضى-على حد قوله-. وتابع أبو مهادي:" المستلزمات الطبية والعقاقير التي يخضع لها مرضى السرطان بغزة مكلفة جداً، لا يمكن للمريض أن يتحمل تكاليفها، مما يدفعنا لتحويل المريض للعلاج بالخارج على حساب سلطة رام الله". وعن مصادر الأدوية التي تصل قطاع غزة، ذكر أبو مهادي أن العقاقير الطبية تورد إلى القطاع من الضفة الغربية، كما أن جزءا منها يصل غزة عن طريق المساعدات الطبية من المؤسسات الدولية بالإضافة إلى ما تشتريه الوزارة من القطاع. ومن جانب آخر، فإن للغزيّ نضال منصور المصاب بسرطان "الرئة" للشهر الخامس على التوالي، معاناة أخرى مع مرضه سيما في توفير العقاقير الطبية اللازمة لعلاج حالته، فيقول للأناضول:" أضطر للانتظار لأكثر من عشرة أيام لتوفير العلاج الكيماوي الخاص بي من خارج قطاع غزة من قبل وزارة الصحة". وتابع: "في الشهر الماضي انتظرت لأكثر من عشرين يوم لكي تتوفر العلاجات الخاصة بي بسبب اغلاق معبر رفح البري". وفي تعقيبه على واقع مرض السرطان بغزة، قال خالد ثابت رئيس قسم الأورام بمستشفى الشفاء بالقطاع: "إن عدد حالات الأورام السرطانية تزايدت في الأعوام الثلاثة الأخيرة"، مرجعاً ذلك لمخلفات الحروب السابقة سيّما حرب الرصاص المصبوب التي شنتها إسرائيل عام 2008-2009. وتابع ثابت "حسب تقارير البعثات الدولية يوجد في غزة أكثر من 70 طن يورانيوم منضب ناهيك عن المناطق الشاسعة التي تم قصفها بمادة الفسفور الأبيض، مما أدى إلى تسمم التربة والمياه الجوفية، والتي انتقلت إلى جسم الغزيّ عن طريق تناول الخضار وشربه للمياه وشكّلت أمراضا سرطانية". وأكد ثابت أن الحصار الإسرائيلي أدى إلى غياب العلاجات الإشعاعية والهرمونية لمرضى السرطان "بشكل كامل" من قطاع غزة، وغياب العلاجات الكيماوية بشكل متقطع مستمر. ويشير مركز الإحصاء الفلسطيني إلى أن سرطان الثدي هو المرض الأكثر انتشاراً بالقطاع، حيث يشكل 16.5% من إجمالي حالات السرطان، يليه سرطان القولون والمستقيم بنسبة 9.6% ، ومن ثم سرطان الرئة الذي يشكل 8.5% من إجمالي الإصابة بالمرض. ويدفع غياب الخدمات الطبية والأدوية المقدمة لمرضى السرطان بغزة إلى تحويل المرضى للعلاج بالخارج سواء في إسرائيل أول في دول عربية أخرى، كما يوضح ثابت. وتابع: "سفر المريض بحد ذاته يشكل معاناة جديدة تضاف إلى معاناة مرضى السرطان، بحيث يتحمل المريض تكلفة السفر، ناهيك عن معاناة المسافر عبر معبر بيت حانون (إيرز) الخاضع للإدارة الإسرائيلية، وما يتخلله من تفتيش للمريض والانتظار لوقت طويل مما يؤثر بشكل سلبيّ على نفسيته وصحته". وكان لغياب الوفود التضامنية وانحسارها أعدادها بنسبة تزيد عن 95% -حسب آخر احصائيات وزارة الخارجية بغزة- تأثير سلبي على أقسام السرطان بالمستشفيات، ويقول ثابت أن غياب الوفود الطبية أثر على إجراء العمليات الجراحية لمرضى السرطان بنسبة 20-30% . ويعتبر مرض السرطان في قطاع غزة من الأمراض الأكثر فتكاً بالإنسان، سيما وأن الكشف عن المرض يأتي في مراحلة المتأخرة، بسبب نقص الأجهزة التشخيصية، مما يجعل السرطان من ثاني أسباب الوفاة بغزة بعد مرض القلب والأوعية الدموية، حيث يشكل 12% من حالات الوفاة السنوية، حسب مركز الإحصاء الفلسطيني.