أرخى اللجوء السوري بحمله الأكبر على بلدة عرسال- شرقي لبنان، التي تستقبل وحدها 106 آلاف لاجئ من أصل حوالي 980 ألفا منتشرين في البلاد، فتدهورت الأوضاع الأمنية والإنسانية والاقتصادية فيها. كما توترت العلاقة بين البلدة، حيث الأكثرية السنية والمناطق الشيعية المحاذية لها والمحسوبة على حزب الله، ما كاد يشعل فتنة يؤكد المعنيون أنّهم يبذلون جهودا كبيرا لوأدها. محاولات وأد الفتنة ودخل خلال هذا الأسبوع إلى عرسال ومحيطها أكثر من 1000 عنصر من الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، كما أكّد رئيس بلديتها علي الحجيري، بعد أزمة مع البلدة الجارة، اللبوة، التي أقدم سكانها الأسبوع الماضي على قطع الطريق احتجاجا على ما قالوا إنّه إطلاق صواريخ يتم من جرود عرسال على بلدتهم وسيارات مفخخة تصدرها البلدة السنية: "نحن في الأساس في عرسال نخاف من الفتنة ونعمل جاهدين على وأدها، حتى إننا نعتقد أن لا مصلحة لأحد فيها"، هذا ما أكّده الحجيري، مؤكدا على "العيش المشترك" بين اللبوة وعرسال. ولفت الحجيري في حديث مع وكالة "الأناضول" الإخبارية إلى أنّه وبعد انتشار الجيش في المنطقتين بات "الأمر بيده"، وبالتالي وحده القادر على منع قطع الطرق وتأمين حماية السكان والنازحين. ولا تفصل بين البلدتين الجارتين إلا بضعة كيلومترات، ففي داخل اللبوة أقام الجيش حواجز ثابتة له بخلاف عرسال، حيث يتمركز بشكل أساسي على مدخلها وأطرافها، مسيرا دوريات له من وقت الى آخر داخلها. وتنفس أهل اللبوة الصعداء أخيرا مع استقدام الجيش وحدات إضافية إلى المنطقة ودخولها بشكل أساسي إلى عرسال. واعتبر رئيس بلدية اللبوة رامز أمهز، أنّه ومع سماح أهل عرسال للجيش بدخول بلدتهم يكونون قد "ألقوا عنهم مسئولية أي صواريخ أو سيارات مفخخة تعبر عرسال، وباتت الدولة وحدها مسؤولة عن أمن المواطنين". مأوى للاجئين السوريين وأشار أمهز في حديث مع "الأناضول" إلى أن المشكلة الأساسية مع بعض أهالي عرسال كانت ب"ايوائهم ومساعدتهم لبعض الفارين من سوريا ما خلق توترا مع أهالي اللبوة"، متوقعا ومع انتشار الجيش في المنطقة أن تنحسر عمليات إطلاق الصواريخ على معاقل حزب الله كما أن يتضاءل عدد السيارات المفخخة المرسلة من سوريا. وكشف أمهز عن مساع جدية تتم لتشكيل لجنة مشتركة بين اللبوة وعرسال ل "قطع الطريق على أي فتنة (سنية – شيعية) تتحضر للانطلاق من بوابتهما". وتتعرض عدة بلدات وقرى لبنانية شرقي البلاد لقصف بالصواريخ بصورة متكررة، بعد أن أعلن حزب الله عن مشاركته رسميا بالحرب السورية الى جانب القوات الحكومية. وتبنت "جبهة النصرة في لبنان" كما "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) العدد الأكبر من عمليات اطلاق الصواريخ بالاضافة الى عمليات انتحارية أخرى هزّت معاقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي منطقة البقاع شرق البلاد. ترحيب بالجيش وكان أهالي عرسال رحبوا بدخول الجيش يوم الأربعاء الماضي الى منطقتهم واستقبلوه برش الأرز ونحر الخراف، وطالبوه باستلام زمام الامور وحمايتهم كما حماية ضيوفهم السوريين، تحديدا من غارات ينفذها وبشكل شبه يومي الطيران الحربي السوري على المنطقة الجردية بحجة أنّه يستهدف ممرات للمسلحين من المعارضة السورية. وأكّد عادل الأطرش "46 عاما"، وهو صاحب أحد محلات الحلويات في وسط عرسال، التي ضاقت بقاطنيها وضيوفها، أن أهل البلدة ناشدوا الجيش اللبناني بضبط الأمور منذ اندلاع الأزمة في سوريا قبل 3 أعوام وبدء توافد اللاجئين إليهم. وطالب الأطرش الجيش بمواجهة الطائرات السورية التي تستهدف محيط بلدته ب"مضادات الطائرات بدل الاكتفاء بمراقبة الوضع". وليس الوضع الأمني المتوتر وحده ما يشغل بال أهالي عرسال الذين بدأوا يشعرون بضيق كبير مع تضخم أعداد النازحين السوريين الذين فاق عدد المسجلين منهم فقط ال106 آلاف مقابل 40 ألف لبناني يعيشون في البلدة. ولا يتردد الأطرش بالحديث عن "ارهاق كبير يعانيه أهل عرسال نتيجة كثافة الوجود السوري"، منبها من مشكلة اقتصادية كبيرة ترزح تحتها البلدة اللبنانية الحدودية. نقل المخيمات وتكاد الأعداد الكبيرة من الدراجات النارية والسيارات التي تحمل لوحات سورية تخنق البلدة واهلها؛ فيسرا (22 عاما) تطالب بنقل مخيمات اللاجئين من عرسال الى المنطقة الحدودية مع سوريا باعتبار أن "الزحمة باتت تضيّق علينا وقد توقفت أشغالنا وبكل الأحوال أهل عرسال هم المتضررين الوحيدين". ومطلب يسرا بنقل المخيمات الى الحدود تؤيده قريبتها التي فضلت عدم ذكر اسمها، وقالت: "لم نعد نحتمل والمطلوب تخفيف الضغط عنا وعن البلدة". الجو في الشارع العرسالي هو نفسه في المجلس البلدي، حيث يطالب رئيس البلدية علي الحجيري الدولة اللبنانية والحكومة الجديدة باستلام زمام الامور وضبط الاوضاع بدلا من العشوائية المسيطرة على ادارة ملف اللاجئين السوريين في المنطقة. ويشدّد الحجيري على وجوب أن تتولى عناصر أمنية لبنانية ضبط أمن المخيمات والتي يفضل ايضا أن يتم نقلها من داخل البلدة الى المنطقة الحدودية مع سوريا. عرسال والمخيم الجديد وتضم عرسال حاليا ما بين 35 و 40 مخيما بعضها عشوائي وبعضها الآخر منظّم من قبل جمعيات محلية. وأحدث هذه المخيمات الموجود عند مدخل البلدة يحوي 90 خيمة ومن المفترض أن يتوسع ليضم 120 خيمة، بحسب، حسن رايد، مسئول "اتحاد الجمعيات الاغاثية" في عرسال. وأشار رايد في تصريحات ل "الأناضول" الى ان معظم قاطني المخيم الجديد هم من النازحين الجدد الذين هربوا من المعارك الدائرة في بلدات القلمون وبالتحديد في فليطا والمعرة ويبرود. وأوضح أن حوالي 500 عائلة سورية دخلت خلال الاسبوع الماضي الى عرسال. وفي إحدى الشاحنات الصغيرة، استقرت حليمة عرابي "76 عاما" و6 من أفراد عائلتها عند مدخل المخيم المستحدث مؤخرا بعدما وصلوا من منطقة المعرة في القلمون هربا من القصف. "عرابي"، التي نزحت مع 20 فردا آخر من عائلتها، تحدثت ل"الأناضول" بمرارة عن الليلة الاولى التي قضوها في عرسال، بحيث اضطر قسم منهم للمبيت في الشاحنة وقسم آخر في احدى الخيم التي استضافتهم. وقالت السيدة السبعينية بحسرة وهي وعائلتها لا يزالون ينتظرون تأمين خيمة خاصة لهم تقيهم من البرد "كل ما نريده هو العودة بخير الى بلدتنا حيث كنا نعيش بنعمة، لكن هذا ما أراده الله لنا".