تنتعش تجارة تأجير المحلات التجارية لاستخدامها كمكاتب مداومة في كل "موسم انتخابي" في الجزائر، غير أن هذه التجارة تعرف "عصرها الذهبي" أكثر بحلول انتخابات الرئاسة، لما لهذه الانتخابات من أهمية لدى الجزائريين. قبل حوالي شهرين من موعد انتخابات الرئاسة الجزائرية المقررة في 17 أبريل/ نيسان المقبل، تهافتت الحملات الانتخابية للمترشحين على استئجار مكاتب في محافظات البلاد ال48 ودوائرها ال533 وفي كثير من البلديات، وذلك للتعريف بمرشحها والترويج له بغية "اصطياد" أكبر عدد من الأصوات التي قد تُسهم في فوزه. شهر أقصى حد الناطق الرسمي باسم اتحاد التجار والحرفيين الجزائر (مستقل)، الطاهر بولنوار قال لوكالة انباء الأناضول إن "التسابق بين الأحزاب المتنافسة في الرئاسيات، وفي غيرها من الانتخابات، يبدأ حولي شهرين قبل يوم الاقتراع وتدوم فترة استئجار المكاتب 20 يوما إلى شهر كأقصى حد". وهي فترة، كما قال بولنوار، تتماشى والحملة الدعائية التي يحدد قانون الانتخابات في المادة 188 بأن تنطلق خمسة وعشرين يوما قبل يوم الاقتراع وتنتهي قبل ثلاثة أيام من تاريخ الاقتراع. وأعلنت وزارة الداخلية الجزائرية سابقا أن الحملة الدعائية لانتخابات الرئاسة تنطلق يوم 23 مارس/ آذار وتدوم ثلاثة أسابيع كاملة. وحسب المتحدث فإن المحلات التي تؤجر هي نوعان الأول محلات شاغرة، وأخرى بها نشاط لا يدر أرباحا يتم وقف النشاط لفترة مؤقتة إلى غاية نهاية السباق الانتخابي. وحول الأسعار التي تُؤجَّر بها المكاتب، قال بولنوار إنها تصل إلى 80 ألف دينار جزائري (حوالي 1300 دولار) للشهر الواحد في المدن الكبرى كالعاصمة وعنابة ووهران وقسنطينة وتقل الأسعار في المدن الداخلية بالنظر لانخفاض عدد السكان بها، كما أن الأحزاب تراهن أيضا على اكتساح ساحة الأصوات في المدن الكبرى، لما في ذلك من دلالة على تواجدها في هذه المراكز السكنية الحساسة، غير أن السقف الذي بلغته أسعار الإيجار كان في الانتخابات النيابية لعام 2012، حيث وصلت إلى 20 ألف دينار (حوالي 2900 دولار). وأوضح المتحدث أن تكلفة إيجار المحلات التجارية لفتح مكاتب المداومات الخاصة بالحملة الانتخابية المرتقبة قبيل انتخابات الرئاسة، ارتفعت هذه السنة بنسبة 20 إلى 30 بالمئة، وقال إن هناك أشخاصا "مختصين" يقومون بجمع معلومات عن عدد المحلات المتاحة ليقترحوها على ممثلي الأحزاب والمترشحين للانتخابات المقبلة في المدن والقرى على مستوى القطر الوطني. أنتعاش سوق العقار وحسب إحصائيات الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين لهذا العام فإن ما لا يقل عن 15 ألف محل حُوّل إلى مكاتب انتخابية وتم الوصول إلى الرقم باحتساب 10 مكاتب على مستوى 1541 بلدية الموجودة على مستوى الجزائر كلها، وهو ما أنعش سوق العقار في هذه الفترة. وكشف بولنوار عن مشاكل قانونية تتخلل نشاط تأجير المحلات لتحويلها إلى مكاتب مداومات انتخابية، فقال إن أصحاب المحلات المُؤجّرة لا يصّرحون لدى مصالح السجل التجاري بتأجير محلاتهم كما لا يصّرحون بتحويل نشاطهم من النشاط الذي كانوا يزاولون إلى مكاتب مداومة، وهي مخالفة يعاقب عليها القانون، يضيف المتحدث. وقال أيضا إن هناك تلاعبا بين المُؤجِّرين والمستأجرين، حيث يتفق الطرفان على تضخيم السعر وذلك لهدفين اثنين؛ أولهما استفادة المستأجر من تعويضات معتبرة من المترشح أما المستأجر فيستفيد من عدم مطالبة المؤجّر إياه بالاكتتاب عند موثق معتمد، لأن هذا يعني أن يدفع المستأجر رسوما إضافية، وهو ما سينقِص من فائدته. وسألت "الأناضول" عبد القادر زيدوك، البرلماني السابق في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والقياديّ حاليا في حملة المترشح المستقل رئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس، عن عدد المداومات التي يملكها المترشح بن فليس على المستوى الوطني، فقال إنها تتواجد في 48 مداومة مركزية على مستوى المحافظات 48 في البلد، وفي كل بلدية 5 مكاتب للمداومة على الأقل. وبعملية حسابية -بحسب زيدوك- فإن عدد المكاتب على مستوى 1541 بلدية يبلغ أكثر من 7705 مكاتب، أما في العاصمة، يقول زيدوك "فالوضع خاص، حيث نملك بين 150 إلى 200 مداومة وذلك بالنظر إلى أهمية العاصمة التي يقطنها أكثر من 5 ملايين نسمة، وهذا وعاء هام نراهن على كسب أكبر عدد ممكن من الأصوات فيه". ويبدو الفرق واضحا بين الأحزاب والمرشحين من ذوي "الوزن الثقيل" كما يوصفون محليا وغيرهم من ذوي "الوزن الخفيف" في الحياة السياسية، حيث يستأجر الصنف الأول مكاتب وسط المدن وفي أماكن استراتيجية بالنظر لما يتوفرون عليه من مال ونفوذ بينما يكتفي الآخرون بمكاتب متواضعة بسبب عُسر أحوالهم المادية، إلا أن الجميع يراهن على أن يجري حملة دعائية ناجحة ولا أهمية بعد ذلك لموقع المكتب حسبما يقول ممثلو المرشحين للرئاسة.