لا أرى نفسى جريئة .. لكن العالم هو الجبان منعت من الكتابة فى أمريكا وبريطانيا لأنى هاجمت أوباما و بلير المرأة مستعبدة فى ظل مجتمع ذكورى .. وأكتب لأحررها التلفزيون المصرى يتجاهلنى .. والفضائيات تستضيفنى للإثارة أقول للمرأة: إذا منعك زوجك من العمل اتركيه..فالعمل أبقى لكِ التقت الكاتبة الكبيرة د. نوال السعداوى جمهور المقهى الثقافي بمعرض الكتاب أمس أدارته الدكتورة جمال حسان. فى البداية أعرب الشاعر شعبان يوسف مسئول المقهى الثقافي عن سعادته البالغة باستضافة الكاتبة الكبيرة د. نوال السعداوي، وأوضح أنه من المؤسف جدا أن يعرف العالم عن نوال السعداوي أكثر مما نعرفه عنها. يواصل: أدهشنى كتاب "مذكرات طبيبة" الصادر عام 1956والذى كان بمثابة ركيزة أساسية ومرجعا اعتمد عليه جميع من كتب عن مواجهة الأنوثة للعالم الاجتماعي. فيه رصدت بشجاعة نادرة حقيقة وضع المرأة في بلادنا، وتحدثت عن قهر المجتمع الذكوري للمرأة العربية. ثم تحدثت الدكتورة جمال حسان التى أدارت اللقاء عن الدكتورة نوال السعداوى، قائلة أن لها آثار عظيمة في ميدان الأدب فلها أكثر من 40 كتاب ما بين روايات ومجموعات قصصية ودراسات علمية ونقدية ترجمت لخمس وثلاثين لغة، من أهمها "سقوط الإمام" التي صودرت و "مذكراتي في سجن النساء"، ونالت عديد من الجوائز العالمية. دخلت إلى عالم الكاتبة مبكرا وهى لم تتجاوز الثالثة والعشرين من عمرها، وبدأت رحلة الصراع عندما فصلت من مستشفى القصر العيني بقرار من وزير الصحة بسبب كتابها "المرأة والجنس" الذي نشرته باللغة العربية في بداية الستينات، ومنع وقتها من قبل السلطات السياسية والدينية. وأصدرت مجلة "الصحة" التي استمرت لثلاث سنوات قبل أن يصدر قرار بإغلاقها عام 1973. اتجهت بعد ذلك إلى الكتابة العلمية والأدبية ودفعت ثمن تبنيها لأفكار وآراء اعتبرها البعض تسيء إلى الديانات السماوية وتكشف فساد السلطة، فتعرضت للسجن في عهد السادات سنة 1981 كما لاحقتها تهم الكفر والإلحاد والردة عن الدين الإسلامي، وكانت على قوائم الاغتيال للجماعات الإسلامية، لكن ذلك كله لم يثنيها عن المضي قدما في تقديم رسالتها. من جانبها وجهت نوال السعداوي الشكر لرئيس هيئة الكتاب، د.أحمد مجاهد الذي وافق على إقامة الندوة، قائلة: منذ 25 سنة وأنا ممنوعة من معرض الكتاب، كان اسمي يحذف من قوائم ندوات البرنامج الثقافي باعتبار أن ما سأقوله غير مرغوب فيه بالطبع، وكان هذا التصرف أمرا طبيعيا في ظل الأنظمة القمعية السلطوية المتخلفة التي تحاول إخراس أي صوت ينادى بالحق ويعرى فساد السلطة ويدعو العقول إلى التحرر من قيود الجهل. تتابع: أشعر بحزن شديد لأن من يقول كلمة صادقة في بلادنا يدفع ضريبة كبيرة من حياته وحريته، وهذا ما مررت به على امتداد مسيرتي مع الكتابة والعمل في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن المرأة، ففي بلادي لم أعش أبدا كإنسانة وكامرأة لها الحق فى التعبير عن ذاتها وعن رؤاها للكون وللحياة. وعن أهم محطات حياتها التى تركت أثرا عميقا فى داخلها، قالت: أهم محطات في حياتي هي محطات الألم والمعاناة التي توحي إلى بإصرار عجيب، فأقول أن الحادث الذي لا يقتلني يقويني. وتابعت: دفعت فاتورة كوني أستخدم "عقلي" الذى هو هبة الله إلينا، وأرفض المجتمع الذكوري الطبقي الديني الذي يحقر من شأن المرأة لصالح الرجل، وأقف في وجه الأنظمة التي تستعبد عقولنا وتسيرها لتحقيق مصالحها. ولأجل آرائي التي أدونها صراحة في كتاباتي بحرية فصلت من عملي بوزارة الصحة واتهمت بالكفر والجنون والإلحاد وأهدر دمى من قبل الجماعة الإسلامية واضطررت إلى العيش في المنفى لمدة 25 سنة. إلا أن أقسى المراحل التي مرت بها السعداوى كانت تجربة السجن. وتابعت: سجننى السادات سنة 1981 لأني هاجمت الرأسمالية الطبقية التي رسخها السادات وعارضت سياسياته في التطبيع مع إسرائيل وموالاة أمريكا مقابل حفنة من الدولارات التى تتصدق بها علينا كل عام، ولأنني تجاوزت الخطوط الحمراء، ألقاني في السجن وهناك عشت ثلاثة أشهر آكل خبز وفول في زنزانة تملأها الفئران والصراصير. ولكنى عندما خرجت كنت أتمنى أن أكتب برقية شكر للسادات فهو من علمني كيف أحول الألم والشقاء والمعاناة إلى عمل إبداعي. حيث استفدت من تجربة السجن القاسية في إصداري كتاب "مذكراتي في سجن النساء" التي كتبتها داخل السجن على ورق تواليت بقلم "حواجب" هُرب إلىّ من عنبر البغايا!. بادرتها جمال حسان بقولها: استوقفتنى فى كتابك "مذكراتي في سجن النساء" عبارة "لم اكتب بعد الكتاب الذي أحلم به" هل مازالت هذه الجملة قائمة؟ قالت نوال السعداوي: بالطبع، فرغم كل ما كتبته عن تحرير المرأة والعقل العربي من العبودية ومن الظلم الأبوي الديني الطبقي، وسيطرة رجال الدين والكهنوت على عقولنا، إلا أنني لم أكتب حتى الآن كل ما أريد أن أقوله عن الفساد والازدواجية والكذب في الحياة والعلاقات السياسية، فالعالم مبنى أساسا على الكذب وكل دولة تتجسس على الأخرى لتحقيق مصالح الأنظمة بينما لا قيمة للإنسان في هذا العالم، وكذا العلاقة بين القهر الجنسي والأخلاقي والسياسي والاقتصادي في بلادنا وفى العالم بأسره، فحياتنا الجنسية كلها كذب والسياسة كلها نفاق وكلاهما يفضى إلى الآخر، ولكنى لو كتبت كتابا كهذا سيقتلونني بالرصاص!. وأضافت: عندما لا تحتمل مصر كتاباتي كنت أعيش في المنفى، ورغم أنى حاضرت في جامعات كثيرة على مستوى العالم إلا أنني منعت أيضا في أمريكا وبريطانيا لأني هاجمت أوباما وتونى بلير وانتقدت النظام الأوروبي الذى يتشدق بالحريات بينما يعصف بها إذا لم تأت على هواه، فهذه المجتمعات أيضا تعانى القهر السياسى والاقتصادي لأن هموم العالم كله تعد في بوتقة واحدة. فى أمريكا شاركت فى مظاهرات "وول ستريت" وكانت أشبه بمظاهرات ميدان التحرير. ورغم ذلك كرمتني دول العالم كنت أشعر لحظتها بحزن عميق، تمنيت أن يأت هذا التقدير من بلدى ولكن من خبرتي في الحياة تعلمت أن الأبطال لا يمشون أبدا تحت أقواس النصر. ليس هناك كاتب أو كاتبة عظيمة إلا ودفعت من حياتها في سبيل الكلمة. وأكدت السعداوي أنها فى خلال الفترة التي عاشتها خارج البلاد كانت تدرس في جامعات العالم علاقة الإبداع بالثورة وتطور العقل البشرى وعلاقته بعلم الكون الجديد الذي يشهد تطورا هائلا، وتابعت: طلبت أن أدرس مجانا في بلدي لكن السلطات منعتني، لأنهم يريدون الشعب جاهلا وبالتالي يسهل حكمه. وهذا ما عمدت إليه الأنظمة التي توالت علينا في تجريف العقل المصري وحشوه بالخرافات وإشغاله بأفكار عفا عنها الزمن. لا أتصور أنه في القرن الواحد والعشرين لا يدرس فى مدارسنا وجامعاتنا علم الكون الجديد. ثم وجهت جمال حسان سؤالا إليها عن عبارة وردت فى إحدى أعمالها الأدبية "الكتابة الإبداعية لها شهوة تتملك الإنسان". هل استسلمت لشهوة الكتابة؟ أجابت نوال: بالتأكيد، فلا شيء يقف عندي أمام شهوة الكتابة التي جرفتني منذ بداية علاقتى بها، كنت أضحى بكل شيء في سبيل الإبداع، الزواج، وكل متع الحياة، إلى أن أتم العمل الذي أكتبه وما أن أفرغ منه حتى انغمس في الحياة مرة أخرى.. وشهوة الإبداع تكمن داخل كل إنسان، لا أقسم البشر إلى مبدعين وغير مبدعين. بذور الإبداع يخلقها الله في جميع البشر ولكن ما يحدث أن النشأة والمدرسة والمجتمع تقتل الموهبة بالتزمت والتخلف وتربية الطفل على عدم التفكير. أما الشاعر شعبان يوسف فأوضح أن كتابات نوال السعداوي لم تأخذ حقها فى التناول النقدي، كان هناك نوع من التهميش والتدليس من جانب النقاد الذين يتجاهلونها عمدا.. وسألها هل يرتبط ذلك بمواقفك الثورية ضد الأنظمة الحاكمة؟. فأجابت بأن ذلك طبيعي، فمن يلتفت إلى كاتبة مغضوب عليها من النظام، فضلا عن أن النقاد في مصر لا يتذوقون أعمالي لأنهم درسوا في الجامعات المدارس النقدية الأوروبية ولم يبدعوا نظريات جديدة في النقد، وأغلبهم ليس لديه فكرة عن الكتابة النسوية فإذا كتبت المرأة بجرأة هاجموها. كما أن لكتاباتي طابع خاص نظرا لتبحري في العلم وتضفيره بالكتابة الأدبية الأمر الذي يستعصى على كثير من النقاد فهمه وتحليله. ومع فتح باب المداخلات، وجه إليها سؤال عما إذا كان الإعلام المصري قام بحملة منظمة لتشويه صورتها وتكوين انطباعات سيئة عنها لدى الجمهور، أجابت قائلة: للأسف دائما ما يكون الإعلام فى يد من ينفق عليه، إما السلطة أو رجال الأعمال الذين كونوا مليارات الجنيهات بتحالفهم مع السلطة تاركين الناس جوعى، ففى عهد السادات ومبارك ومرسى كان من الطبيعي أن يشوه الإعلام صورتي ويروج للاتهامات التي تعرضت إليها، عندما تنتقد الحكومة والمجتمع يقولون انك مجنون أو كافر أو يتجاهلونك تماما مثلما يحدث معي الآن. فالتلفزيون المصري لا يمكن أن يستضيفني، والإعلام الخاص إن استضافني يريد أن يستخدمني كمادة دعائية يعمد من خلالها إلى الإثارة. ولكن حب الناس هو المكافأة والتقدير الوحيد. وفى سؤال عن سر جرأتها، أجابت: أنا لا أرى نفسي جريئة ولكن العالم هو الجبان.. للأسف نحن نولد في خوف ونعيش فيه ونموت فيه كذلك، أمى حررتنى من الخوف وأنا طفلة. مشكلتنا أننا لم نتعلم كيف نفصح عن أنفسنا وأفكارنا بصراحة وحرية، فى ظل مجتمع مكبل تسوده ثقافة العبودية للحاكم وللمظاهر الاجتماعية البائدة تتقلص حريتنا حتى في أبسط حقوقنا حرية الاعتقاد. فنحن نرث الدين عن آباءنا ولا نختاره، ورثنا العبودية في كل شيء وهذه كارثة. وحول رؤيتها لكيفية تحرير المرأة والمجتمع، أشارت إلى أن المرأة مازالت مستعبدة في ظل النظام الذكوري الطبقي، ولن تتحرر إلا بإرساء قيم العدل والمساواة بين الجنسين وبتحرير المرأة اقتصاديا من سيطرة الرجل وأقول لكل امرأة يجبرها زوجها على ترك العمل، اتركي الزوج فالعمل أبقى لكِ من الزواج.