السيسي يوجه بالاهتمام بالشباب ونشر ثقافة الرياضة في مختلف اللعبات    وزير الإسكان يبحث مع بعثة البنك الدولي التعاون في الإدارة المتكاملة للأراضي والمدن الذكية    التحريات تكشف سبب مقتل مهندس الكيمياء النووية بالإسكندرية    عمرو محمود ياسين يطالب بمواجهة فوضى السوشيال ميديا: المجتمع تحول إلى جلسة نميمة كبرى وخوض في الأعراض    استرداد 22 فدان خلال حملات إزالة التعديات في أسيوط    نانسي سلام: الاستدامة والتصدير طريق صناعة الملابس الجاهزة للمنافسة عالميا    فريق برازيلي يسعى لخطف نيمار من سانتوس    «المصدر» تنشر قانون الإجراءات الجنائية الجديد بعد تصديق الرئيس    رئيس جامعة المنصورة يستعرض تجربتها كنموذج منتج    الإقبال الكثيف وراء نفاد تذاكر المصريين بالمتحف المصري الكبير    ساعية البريد: حين تحمل النساء هم تغيير العالم    تعزيز العلاقات الثنائية يتصدر.. بيان مشترك لوزيري خارجية مصر وتركيا    فرق من القسام والصليب الأحمر تدخل إلى حي الزيتون شرق غزة للبحث عن جثث إسرائيليين    لقاء الشرع بترامب في البيت الأبيض الأول منذ 80 عاما.. وباراك يكشف تفاصيل الاجتماع    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    الأهلي يعول على محمد شريف لقيادة الهجوم أمام شبيبة القبائل    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    الطماطم ب8 جنيهات.. أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الخميس    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    قرار حكومي بإنشاء كلية البنات الأزهرية في مطروح    الغنام: إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية ضمن الجهود المصرية لدعم غزة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشيد بجهود محافظ أسيوط فى تطوير مسار العائلة المقدسة    الدوسري خلال «خطبة الاستسقاء»: ما حُبس القطر من السماء إلا بسبب تقصير الناس في فعل الطاعات والعبادات    بورفؤاد تدفع ب7 سيارات كسح لمواجهة أزمة غرق الشوارع بمياه الأمطار    سقوط 5 أشخاص بتهمة التنقيب عن الآثار بالمطرية    إحالة عاطل للجنايات بتهمة سرقة المواطنين بأسلوب الخطف وحيازة سلاح أبيض بالزيتون    هزة أرضية بقوة 3.9 درجات تضرب منطقة قبرص    إسقاط الجنسية عن شخص لالتحاقه بالخدمة العسكرية بدولة أجنبية    متحدث الأوقاف: مبادرة صحح مفاهيمك دعوة لإحياء المودة والرحمة داخل الأسرة والمجتمع    المناهج المستوردة كشفت الكارثة…المنظومة التعليمية تنهار والمعلمون يأسوا من الإصلاح فى زمن الانقلاب    «مبروك لحبيبتي الغالية».. فيفي عبده تهنئ مي عز الدين بزواجها    اتحاد شركات التأمين: يثمن إتاحة الاستثمار المباشر في الذهب والمعادن النفيسة    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الوزير: مصر مستعدة للتعاون مع الهند بمجالات الموانئ والنقل البحري والمناطق اللوجستية    طاجن الكوسة بالبشاميل والدجاج| وجبة غنية تجمع النكهة الشرقية والمذاق الكريمي    الداخلية تكشف الحقيقة الكاملة لفيديو "البلطجي وسرقة الكاميرات" في الدقهلية.. القصة بدأت بخلاف على الميراث!    بشير التابعي: شكوى الزمالك ضد زيزو "شخصية".. وطاهر لا يستحق الانضمام للمنتخب    سفير المغرب بالقاهرة يكشف شرط حصول الجماهير المصرية على التأشيرة المجانية لحضول أمم إفريقيا    الكهرباء: مستمرون في التنسيق مع البيئة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للطاقة والتحول نحو الطاقات المتجددة    «التحديات النفسية والاجتماعية لظاهرة التنمر في ظل الرقمنة».. ندوة بآداب بنها    وزير الخارجية ونظيره التركي يؤكدان دعمهما القوي للشعب الفلسطيني وتخفيف معاناة قطاع غزة    خبير لوائح يكشف سر لجوء اتحاد الكرة للجنة المسابقات لإصدار عقوبات السوبر    تعليم الأقصر تبحث الاستعدادات لامتحانات الفصل الدراسى الأول.. صور    زوج يقتل زوجته بعد شهرين من الزواج بكفر الشيخ    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    مخاطر وأضرار مشروبات الطاقة على طلبة المدارس.. استشاري تغذية توضح    دوري المحترفين، 5 مباريات اليوم في الجولة ال 12    طريقة عمل البطاطا بالكاسترد بمذاق لا يقاوم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    أديل تخوض أولى تجاربها التمثيلية في "Cry to Heaven" للمخرج الشهير توم فورد    إنهاء أطول إغلاق حكومى بتاريخ أمريكا بتوقيع ترامب على قانون تمويل الحكومة    إسرائيل تضغط لرفع الحظر الألماني على صادرات الأسلحة    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    «سحابة صيف».. مدحت شلبي يعلق على تصرف زيزو مع هشام نصر    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين في التاريخ الإسلامي
نشر في محيط يوم 26 - 11 - 2008

يعد كتاب فلسطين في التاريخ الاسلامي لعمر سعاده, من اهم الكتب التي ارخت لفلسطين وتاريخها ضمن قراءات استراتيجية, لاحظت العلاقة القوية بين صمود الامة وانتكاستها, وبين الحالة في فلسطين التي ظلت محور كل الحملات الاستعمارية التي استهدفت الشرق والامة عموماً. ولعل اهم ما يميز هذه القراءات ان العلاقة المذكورة لم تكن مجرد اسقاطات او اقحامات ايديولوجية بل محصلة موضوعية لقانون الصراع الدولي على هذه المنطقة.
فلسطين في التاريخ القديم
لم تشكل فلسطين, منذ فجر التاريخ, كياناً سياسياً مستقلاً عن محيطه الجغرافي والسكاني الذي عرف تاريخياً باسم بلاد الشام, والذي كان امتداداً طبيعياً وبشرياً لجزيرة العرب, فمنذ منتصف الالف الرابع قبل الميلاد انداحت القبائل العربية من اطراف وقلب جزيرة العرب الى شمالها, وذلك في هجرات متعاقبة توزعت على كامل المنطقة الممتدة من نهر دجلة شرقاً وحتى الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط غرباً.
وهذا الامر هو الذي يوضح اسباب ازدهار الممالك العربية القديمة التي نشأت في بلاد الشام مثل الكنعانيين والفينقيين واليبوسيين والعمونيين والانباط وتدمر وغيرها كثير, فكل تلك الممالك كانت جزءاً من حركة التواصل والتبادل العالمي التي كان مركزها بلاد الشام. فالعنصر البشري وحده هو الذي يحدد الطابع الوظيفي لهذه المنطقة الهامة, فاما ان تكون نقطة اتصال وتواصل مادي وحضاري بين مختلف ارجاء العالم, واما ان تصبح حاجزاً يقطع الاتصال وتواصل العالم.
الحكم الروماني - البيزنطي لفلسطين
لم يكن الاضطهاد الديني هو أسوأ ما تعرضت له بلاد الشام تحت الحكم الروماني, بل أضيف اليه التجنيد الاجباري في جيوش روما, ونظام السخرة, والضرائب الباهظة التي كانت تعمل مجتمعة على ارهاق السكان وافقارهم ودفعهم مراراً عديدة الى محاولات التمرد على الحكم الروماني.
ويذهب عدد من المؤرخين الى ان الخلاف المذهبي بين المسيحيين من سكان سورية وبين المسيحية الرسمية للدولة البيزنطية, كان فيه نفحة من الوطنية المقاومة للدولة البيزنطية التي اعتبرها اهل البلاد, كما اعتبروا الدولة الرومانية قبلها, دولة غريبة متسلطة, فكانت الروح الوطنية تبدو في هذا الخلاف الكبير مع السلطة حول قضايا دينية.
الفتح العربي الاسلامي لفلسطين
يجمع المؤرخون على ان فتح بيت المقدس كان الهدف الاساس للمسلمين في تلك المرحلة المبكرة من تاريخ الدولة الاسلامية, وقد دارت كل المعارك الرئيسية في تلك المرحلة على ارض فلسطين, وفي تخومها الشرقية والشمالية, لكسر شوكة الروم ودحر جيوشهم نحو الشمال تمهيداً لتحرير بيت المقدس, وقد تواصلت المعارك على ارض فلسطين, بينما كان جيشا لمسلمين الرئيسي يخوض المعارك الكبرى على تخومها.
وقد كانت اجنادين اول معركة كبرى بين العرب المسلمين والروم البيزنطيين على ارض فلسطين, وقد استبسل المسلمون في هذه المعركة الى ان حققوا النصر, بعد ان قدموا مئات الشهداء على روابي القدس.
وهرب الجيش البيزنطي المهزوم دون نظام الى مدينة فحل على الضفة الشرقية لنهر الاردن قرب بيسان, فلحق بهم جيش المسلمين الى فحل, ولم يكن ممكناً تحرير فلسطين قبل إلحاق الهزمية لنهائية بجيوش بيزنطة, فبعد معركة فحل اتجه جيش المسلمين شمالاً نحو دمشق.
ويلتقي الجمعان على ضفاف نهر اليرموك في معركة فاصلة يتوقف على نتيجتها مصير بلاد الشام.
وتنهزم فلول الروم في كل اتجاه, وعندما بلغ هرقل خبر هزيمة جيوشه في اليرموك, رحل من انطاكية الى القسطنطينية مسلما بخسارة بيزنطة لبلاد الشام.
بعدها يكون فتح بيت المقدس تتويجاً لكل هذه المعارك وتكون العهدة العمرية اساس كل عقد داخلي او خارجي بين العرب المسلمين وبين الاطراف الاخرى فلا يسكن القدس احد من اليهود.
فلحظة الفتح الاسلامي, لم يكن لليهود وجود يذكر في فلسطين, باستثناء طائفة متدينة كان افرادها يعدون بالمئات في مدينة طبرية.
وبصورة عامة, فان تاريخ فلسطين الحقيقي يبدأ من مرحلة دخولها في حيز الدولة الاسلامية, فطوال القرون السابقة, لم تشهد فلسطين مرحلة من الاستقرار السياسي او الاقتصادي, وظلت موضع تنازع وتنافس بين القوتين الاعظم في ذلك الوقت: الروم من الغرب والفرس من الشرق. وكانت تجمع خليطاً من الاقوام والاجناس, واللغات حسب الدولة التي تسيطر عليها. ولم يتح لابنائها الاصليين المتحدرين من الهجرات العربية من جزيرة العرب ان يحكموا انفسهم بانفسهم, فمنذ فجر التاريخ كانت فلسطين خاضعة بصورة مباشرة او غير مباشرة لهيمنة قوة اجنبية.
ويأتي الاسلام ليعيد لفلسطين وجهها العربي الاسلامي, وليحررها من تسلط القوى الكبرى, ولتحتل, لا سيما بعد فتح مصر وشمال افريقيا, موقع القلب في الدولة الاسلامية, ولتحظى بمكانة خاصة بين ولايات الدولة الاسلامية لاحتوائها على مدينة بيت المقدس والمسجد الاقصى وقبة الصخرة الشريفة, فتبارى الخلفاء والولاة في عمارتها واشادة المساجد والمدارس والمستشفيات ووقف الاوقاف فيها, لتصبح واسطة العقد في الدولة الاسلامية, ومجمع طرق المواصلات بين الولايات الاسلامية ومقصد العلماء وطلاب العلم, حتى قيل: لقد اجتمع في فناء المسجد الاقصى وساحاته من حلقات علوم القرآن والحديث والسير ما لم يجتمع في سواه.
وبلغ التآلف والتعايش بين المسلمين والنصارى في فلسطين حداً لم يبلغه في اي بلد آخر, حتى ان الطوائف المسيحية في القدس عندما اختلفت حول من يملك مفتاح كنيسة القيامة توافق الجميع على ان يعهدوا به الى احد وجهاء القدس المسلمين, وظل متوارثاً في عائلته حتى يومنا هذا.
ومن الجدير بالذكر ان غالبية نصارى فلسطين الذين ظلوا فيها بعد الفتح الاسلامي يرجعون في أصولهم الى القبائل العربية التي تنصرت في جزيرة العرب, وكانوا على خلاف مذهبي مع البيزنطيين ولذلك كثيراً ما كانوا يتعرضون للاضطهاد الديني على يد المحتلين البيزنطيين.
ولم يكن الفتح العربي الاسلامي تأسيساً لعلاقة طارئة بين العرب المسلمين وبين فلسطين, كما يزعم الكثير من المؤرخين الغربيين, الذين يذهب بعضهم الى حد الزعم بان العرب الذين يقيمون في بلاد الشام عامة وفي فلسطين على وجه الخصوص, هم فقط من احفاد المسلمين الذين خرجوا من الجزيرة العربية عقب الفتح العربي الاسلامي.
وحتى دائرة المعارف اليهودية العامة, لم تستطع إنكار هذه الحقيقة التاريخية, فقد جاء فيها: ان فلسطين اصبحت بلاداً عربية ليس فقط بسبب الفتح (الاسلامي), ولكن لان العرب كانوا قد أتوا الى البلاد مهاجرين منذ قرون مضت, فمنهم البدو ومنهم جاليات المحاربين المجربين والتجار, وكانت مسيحيتهم غير عميقة بصورة كافية, ولذلك استبدلوها بالاسلام بسهولة.
ومن هنا فان مقارنة الوجود العربي, الاسلامي الاصيل في فلسطين بالوجود الطارئ والمؤقت للقبائل والشعوب الغازية مثل اليهود والروم والفرس ثم الصليبيين فيما بعد, انما ينطوي على مغالطة تاريخية خطيرة, تهدف الى المساواة في الحقوق بين اصحاب فلسطين الشرعيين, وبين الغزاة الطارئين على هذا البلد.
فلسطين عشية الغزو الصليبي
كان مئات الالوف من الافراد والاقطاعيين والفرسان واللصوص والمجرمين, والفقراء المعدمين يحتشدون في أوروبا استعداداً للانطلاق في اول حملة صليبية على فلسطين, بينما كانت فلسطين تمر في اصعب محنة تاريخية منذ الفتح العربي الاسلامي. وقدر على هذا البلد الصغير ان يتحمل وزر كل مفاسد وآثام تلك الحقبة من تاريخ الامة. فلقد ظلت فلسطين ميداناً لاصطراع القوى بين جناحي الدولة الاسلامية في الشرق والغرب منذ انفصال مصر الفاطمية عن الخلافة العباسية, كما اصبحت مطمعاً للغزاة من خارج الدولة وللامراء الصغار الطامعين في الحكم في ظل ضعف الخلافة المركزية.
وكان الفصل الاخير في قصة الحملة الصليبية الاولى هو حصار بيت المقدس, الذي استمر خمسة اسابيع قبل سقوطها ويذكر المؤرخ هيامسون هذا اليوم بالقول:.. وفي البلاد المقدسة استأنف الصليبيون جرائمهم. لقد كان جميع غير المسيحيين اعداء الله بالنسبة اليهم, وكان يجب استئصالهم كلية. وحين فتحت القدس أبوابها, اعملوا السيف في كل مسلم, رجل او طفل او امرأة, من الذين تمكنوا من العثور عليهم, لدرجة ان الصليبيين كان عليهم ان يخوضوا في الدماء حتى الركبة لكي يصلوا الى كنيسة القيامة.. اما اليهود فقد سيقوا الى كنيسهم حيث احرقوا.
المقاومة
أما من بقي من الفلسطينيين داخل حدود المملكة الصليبية والاجزاء الجنوبية من فلسطين, فقد باشروا عملية مقاومة نشطة ضد الصليبيين, فكانوا يغيرون على جنود الصليبيين المتفرقين في المناطق المختلفة, وعملوا على قطع طرق الصليبيين الداخلية وضرب ممتلكاتهم وحرق زرعهم.
ويحفل كتاب (الاعتبار) لاسامة بين منقذ بصور المقاومة والغارات التي كان يقوم بها الفلسطينيون ضد الصليبيين في فلسطين.
حطين الاولى بقيادة صلاح الدين الايوبي
كان تحرير مدينة الرها على يد عماد الدين زنكي عام ,1144 هو بداية النهاية للوجود الصليبي في الشرق.
وكانت جهود عماد الدين ثم ابنة نور الدين لتوحيد بلاد الشام, ثم توحيد مصر والشام تحظى بدعم الناس في كل حواضر الاسلام, وتستجيب لاعمق تطلعات المسلمين, والى هذا السبب قبل سواه تعزى النجاحات المتتالية التي احرزها نور الدين, ثم صلاح الدين على طريق دحر الغزو الصليبي عن بلاد الشام وفلسطين.
وكانت معركة حطين (1187) تتويجاً لهذه الحرب التي بدأت ملامحها الكبرى باتحاد مصر والشام.
ولم تكن حطين بالنسبة للصليبيين كارثة حربية فحسب, ولكنها كانت ايضاً المعركة الحاسمة ضد أكبر حركة استعمارية شهدها العالم قبل العصور الحديثة.
حطين الثانية ضد التحالف الصليبي الايوبي
ازدادت الامور تعقيداً بعد وفاة صلاح الدين, حيث نشب الصراع على السلطة بين أبنائه السبعة عشر واخوته, وانفرد كل منهم باقليم من اقاليم الدولة, الامر الذي ارجع الاوضاع في الدولة الاسلامية الى مرحلة ما قبل صلاح الدين, وهو ما سمح للوجود الصليبي بالتمدد ليستولي على كامل الشريط الساحلي الشرقي للبحر المتوسط من انطاكية حتى غزة, بحيث اصبح الاحتلال الصليبي في هذه المرحلة يجسد الاهداف الحقيقية لهذا الاحتلال الاستيطاني الاوروبي, وهو السيطرة على محور الحركة والاتصال بين القارات الثلاث, واحتكار التجارة البحرية في البحر المتوسط, وفصل جناحي الامة الاسلامية في آسيا وافريقيا بهذا الجسم الغريب, وعزل كامل بلاد الشام الداخلية عن امتدادها الطبيعي نحو الساحل. ولم يبق امام الصليبيين غير السيطرة على مصر لينفذوا الى البحر الاحمر وسواحل الجزيرة العربية والتجارة مع افريقية الداخلية. وقد وضع الصليبيون هذا الهدف نصب اعينهم في المرحلة التالية, فتوجهت معظم جهودهم للسيطرة على مصر التي اصبحت معزولة سياسياً, والى حد ما, جغرافياً عن بلاد الشام.
ولعل اخطر ما تمخضت عنه هذا الحملة الصليبية الخامسة هو الصلح الذي عقده الملك الكامل سلطان مصر (الايوبي) مع فريدريك الثاني امبراطور المانيا, والذي ادى الى اعادة القدس وبقية ممتلكات مملكة القدس اللاتينية ليد الصليبيين.
وقد ظلت القدس تحت الاحتلال الصليبي هذه المرة لمدة خمسة عشر عاماً الى ان حررها الصالح أيوب ملك مصر عام 1244 بالاستعانة بالخوارزمية (نسبة الى خوارزم من بلاد فارس).
فقد نجح الخوارزمية في اقتحامها وأعملوا السيف في فرسان الصليبيين, الذين تمكنوا بعد مفاوضات ووساطات من الخروج من القدس في ستة الاف فارس ومحارب, غير ان الخوارزمية دبروا لهم مكيدة على الطريق وقتلوا منهم الفين, بينما طارد السكان الفلسطينيين والبدو فلولهم الباقية حتى يافا, فلم يصلها منهم سوى ثلاث مئة. وكان هذا اخر خروج للصليبيين من القدس.
وعلى اثر هذه الكارثة التي حلت بالصليبيين, حشد الصليبيون وحلفاؤهم من بقايا الاسرة الايوبية في الشام قواهم لمعركة فاصلة وكان مع هذا الجيش الصليبي جيش كبير يقوده المنصور) ابراهيم صاحب الموصل وفيه جيش الصالح اسماعيل صاحب دمشق, ويظاهرهم جيش ايوبي آخر سار مستقلاً عن جيش التحالف, ويقوده الناصر داوود, الذي كان يحكم مناطق فلسطين الداخلية حتى الكرك. ويؤكد هذا التحالف الدرك الذي انحدر اليه بقايا الايوبيين قبيل سقوط دولتهم. وسرعان ما التقت هذه الجيوش المتحالفة مع جيش مصر بقيادة الصالح أيووب عند قرية الحربية شمال شرقي غزة عام1244. فأنزل الصالح أيوب ومعه الخوارزمية بالجيوش المتحالفة هزيمة ساحقة اعتبرها البعض بمثابة حطين الثانية.
فلسطين تحت الحكم العثماني
كانت بلاد الشام تتألف من 3 ولايات هي الشام, حلب, بيروت, وكانت فلسطين جزءاً من ولاية الشام وفي عام 1760 تمكن والي عكا احمد باشا الجزار من مد سلطاته الى جبل عامل وصور وبيروت ونقل عاصمة الولاية من دمشق الى عكا التي تصدت لحملة نابليون عام 1799 .
وقد بدأ الخطر اليهودي يهدد فلسطين اواخر القرن التاسع عشر وقد استشعر السلطان عبد الحميد, منذ البداية مخاطر ازدياد التوجه اليهودي نحو فلسطين وارتفاع وتيرة النشاطات الغربية فيها, فاصدر عام 1881 أمراً يسمح لليهود بالهجرة الى جميع انحاء السلطنة ما عدا فلسطين, شريطة ان يصبح المهاجرون مواطنين عثمانيين يحترمون قوانين الدولة, ويخضعون لها. كما اصدر عام 1885 أمراً يمنع اقامة مستعمرات يهودية جديدة في فلسطين. وفي عام ,1887 أعلن الباب العالي ترتيباً ادارياً جديداً لبلاد الشام, فصل فيه سنجق القدس عن ولايات بلاد الشام وربطه مباشرة بالاستانة.
وكان واضحاً ان هذا الترتيب الجديد يرمي الى الحد من النفوذ الاوروبي المتزايد في فلسطين والتصدي لحركة الهجرة اليهودية اليها.
ويبدو ان خلع السلطان عبد الحميد كان القاسم المشترك الذي التقت عنده اهداف الاتحاديين مع اطماع الحركة الصهيونية, حيث تيقن الصهاينة باستحالة تحقيق مشروعهم في فلسطين بوجود عبد الحميد على رأس السلطة العثمانية.
** منشور بصحيفة "العرب اليوم" الأردنية 26 نوفمبر 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.