صدر حديثا عن دار النهار ببيروت كتاب "استمرار التاريخ" لهوبير يدرين وزير خارجية فرنسا (1997 2002) ، ترجمة جبور دويهي. يحتوي الكتاب على مقدمة الطبعة العربية وعلى أربعة مباحث: "الدوار الغربي"، و"عالم أفضل وكيف" و"أوروبا التي تعرف من هي وماذا تريد"، وبحث رابع عن فرنسا، يمهد لخلاصة الكتاب، ويتضح من الفصول الأربعة القلق الكبير من تلك السياسات الأحادية المبالغ فيها والتي تقود الى التصعيد، والأميركيون ينسون الآخرين، ويغالون في تقدير الظروف المستجدة الضخمة في العلاقات الدولية، والنتيجة توقعات لا تستقيم كما هي ببساطة الحقيقة. الانتصار بعد نهاية الحرب الباردة، والطابع المهيمن في الولاياتالمتحدة الأميركية بدءاً بنشر الرئيس جورج بوش "نظام دولي جديد" خلال عقود، الى زجليات فرنسيس فوكوياما حول "نهاية التاريخ"، الى اقتصاد السوق ونشر الديموقراطية، وبلغ هذا التفاؤل ذروته في "إعلان الألفية" وقد أطلقت هذه التسمية عند إقرارها في 9 أيلول 2000 على أساس أن الأممالمتحدة هي مكان اللقاء الذي لا غنى عنه للبشرية جمعاء، حيث تمهد لتجسيد طموحات العالم الكونية في السلام والتعاون والتنمية. كان هذا في مقابل نظريات صموئيل هانتنغتون حول صدام الحضارات، الغرض الذي قدمه وهو المصدر الأساسي للنزاعات في هذا العالم الجديد الذي لن يكون مصدراً إيديولوجياً أو اقتصادياً في المحل الأول، فالانقسامات الكبرى بين البشر ستكون ثقافية، والمصدر المسيطر للنزاع سيكون مصدراً ثقافياً. يتوقف هوبير يدرين عند التفسير التقليدي للزعامة الأميركية من وجهة نظر جورج بوش الأب، وجايمس بيكر والجنرال لاكروفت، تفسير يقوم على الواقعية والقوة في سياق الخط الجمهوري وفق نظرية "شرطي العالم المتردد". في بحثه الثاني "عالم أفضل كيف" يؤكد يدرين رفضه لنظرية صدام الحضارات، لكنه يعترف بوجود خط حقيقي الجواب عليه يكون سياسياً، ولا يمكن فيه استغناء عن الدول: فالنزاع الاسرائيلي الفلسطيني بؤرة تأزم تفسد منذ عقود العلاقات بين الغرب والعالم العربي والاسلامي، ولن يجد هذا النزاع حلاً له في غياب دولة فلسطينية قابلة للحياة، تتعايش مع دولة اسرائيل على أن يعترف جيرانها بوجودها وحدودها دون أي التباس. في غياب تلك الايضاحات حول الهوية (الفصل الثالث)، تبقى السلطات والمشروع والانطلاقات الأوروبية دون نتيجة، وفي غضون عامين أو ثلاثة، سنعرف إذا كان التفاوض حول معاهدة (صغيرة؟) جديدة وإبرامها على مستوى الدول السبع والعشرين سيكون ممكناً". يصل هوبير يدرين في الفصل الرابع الى "فرنسا" ليخلص بعد جهد مقارن منطقي مع العالم الآتي القاسي الى جملة أسئلة: هل بمقدور سياسة خارجية غامضة ووزارة خارجية تقصف باستمرار مواجهة هذا العالم؟ أو التكلم باسم أوروبا، وباسم العالم، وجماعة الأمم، أو باسم السلام، أو الكونية؟، "هذا خطأ، فلدينا مصالح محدودة تطال 60 مليون فرنسي، وهم ليسوا كائنات افتراضية، هذا يتسبب في ضياع الرأي العام الأوروبي، فالدفاع عن حصار فرنسا، لا يمنع من الدفاع عن أفكار أوروبا والأممالمتحدة، ونشر الانفتاح الفرنسي الذي يحبه العالم على نحو أكثر اقناعاً وفعالية. يخلص يدرين أنه على الغرب الذي أنجز حداثته أن يقر بأنه لا يملك امتياز التاريخ وهناك قوى أخرى لا يسيطر عليها عن طريق الديموقراطية واقتصاد السوق والعولمة العالمية، فهذه ستستمر في الانتشار بأشكال مختلفة ومتباينة، لكن ذلك لا يضع حداً لا للمنافسة ولا للسياسة ولا للتاريخ، وستدخل العالم في توترات غير مسبوقة مع مجتمعات غير منجزة حداثياً.