الأديبة السورية وليدة عتو: بعض الإنكسارات تصنع الإنسان !
أحيانا ما يولد الإبداع من رحم الألم ؛ وأديبتنا عبرت عن ألمها في مقالات وروايات وقصص قصيرة ، نقلت واقع المهمومين ، كما تجاوزت أعمالها وطنها السوري لتجسد هموم العالم العربي بأسره ، إنها الأديبة السورية وليدة عتو والتي تلتقيها شبكة الأخبار العربية "محيط" لتحاورها عن أعمالها وآرائها في السياسة والفن والأدب. محيط: هاني ضوَّه الزميل هاني ضوَّه يحاور الأديبة وليدة عتو محيط: تزوجتي في سن مبكرة، ولاقيت العديد من العقبات في مسيرتك، هل انعكس ذلك على كتاباتك ؟! عتو: زواجي في سن مبكر لا شك أنه كان أحد العقبات في طريق الدراسة، فالمرأة بعد الزواج والإنجاب لا تجد وقتاً كافيا للتعلم والثقافة ، وتكمن المشكلة إذا كان الزوج لا يسمح بذلك ، وقد عوضت تعثري في مواصلة الدراسة بالمطالعة والقراءة بمختلف مجالات الأدب والاجتماع وعلم النفس ، وتعرف أن الأدب يعترف بالموهوب والمبدع أكثر من الدارس ، كما أن الفكر لا يتحصل المرء عليه من الدراسة الأكاديمية وحدها فالأهم دائما هي الخبرات الحياتية التي نكتسبها وبالأخص إذا أردت ارتياد حقل الكتابة الأدبية لابد أن تكون صاحب تجربة حياتية واسعة . وأقول اليوم أنني سعيدة بالظروف القاسية التي واجهتها في الحياة لأنها انعكست بالإيجاب على كتاباتي ، وأنا أعتبر أن عدم مواصلة الدراسة إما أن يكون عاملا لرفعك إلى السماء أو هبوطك للأرض إذا كان الإنسان ضعيفا ، فأنا على سبيل المثال أحلامي التي حلمت بها في السبعينات كانت تتخطى ما يحدث في 2007.
محيط: بدأتِ بكتابة المقالات؛ ثم القصة إلي أن وصلتي للرواية .. هل هذا هو التطور الطبيعي لكل كاتب ؟!!! عتو: أنا في البداية كنت أكتب المقالات التي تعني بالمرأة حيث كنت أعمل موظفة بالاتحاد النسائي ، وهي مؤسسة نسائية تأسست عام 1972 بعد الحركة التصحيحية السورية وكانت تهدف لنصرة المرأة وتقويتها لصالح الأسرة، وقد استغرب المجتمع السوري ذلك الاتحاد في بداية تأسيسه ولم يرحب به ولكن شيئا فشيئا بدأ الرجل السوري يقتنع بدور المرأة. أعود لأقول بأن اختلاطي بهموم النساء إضافة للقهر الذي تعرضت له بصغري جعلني مدفوعة للكتابة عن المرأة وبالأخص مشكلة الزواج المبكر ، وهذا ما جعلني أدرك أن الإنسان تتبدل قناعاته بتجدد نظرته للأشياء ، ففي بداية زواجي كنت ناقمة على الزواج المبكر ولكن بعدما استطعت ممارسة حياتي الأدبية بدأت نظرتي له تتغير. بعد كتابة المقالات فكرت في الانتقال لعالم الكتابة الروائية ، وما دفعني إليه ذلك المخزون الكبير من القراءات والمعايشات الحياتية التي اكتسبتها ، هذا المخزون كان من الصعب أن يخرج بالمقالات ، فكتبت روايتين ثم انتقلت لكتابة القصة القصيرة ، وأنا أشبه الأخيرة بالومضة التي تراها أمامك ، وتمثل للأديب استراحة بين الروايات ، وتحمل القصة القصيرة متعة كبيرة لأنها تحتمل الأسلوب الشعري أكثر من الرواية . محيط: رواياتك "امرأة لا تعرف الخوف" و"دموع تحترق" ركزتي فيها على المرأة بالتحديد لماذا؟ "امرأة لا تعرف الخوف"، و"دموع تحترق" كانت كلها معالجات تخص المرأة لأنها خرجت في بداية ثورتي ، والمجتمع السوري توجهه حول تحرر المرأة يختلف عن مصر التي سبقته بسنوات طويلة ، ولكن المرأة السورية بدأت تستيقظ بعد الحركة التصحيحية وتولي الرئيس حافظ الأسد السلطة والذي كان راقيا يقدر المرأة ويوليها اهتمامه ويفتح أمامها المجالات الفكرية والاجتماعية والعلمية ، وبدأت المرأة تحاول الخروج من ربقة العادات والتقاليد في مقابل تمسك الرجل بسطوته عليها ، والذين كانوا ينظرون للاتحاد النسائي كما لو كان منوطا بسحب دور الرجل ، وإنما كانت الحقيقة أنه منوط بتثقيف المرأة وإعانتها ماديا . محيط: لماذا تميل معظم أعمالك للميلودراما ؟ عتو: الميول الميلودرامية داخلي منبعها الجرح والمرارة اللذان تجرعتهما في بدايتي ، لذا فأنا التقط المشاهد الحزينة قبل المفرحة ، وأشعر أن حياتنا مليئة بالحالات المأساوية التي تستحق التوقف أمامها من جانب الأديب أو الكاتب أو الإعلامي ، أما السعادة والأمل فلا يزال لهما بريق، عندك على سبيل المثال الولد العاق الذي ضرب أمه ويدعي أنه في مجتمع شرقي وملتزم . أرى كذلك أن الأدب الحديث يستمد مادته من الواقع عكس الأدب الكلاسيكي الذي ينبني على الخيال والرومانسيات ، على الرغم من أنني أتمنى أن تعود الرومانسية لحياتنا والتي قتلتها التكنولوجيا الحديثة حيث تحول الإنسان لآلة وأصبحنا نحيا "عصر الجنون". محيط: جاءت جملة في روايتك "اغتالوا أحلامنا" على لسان أحد الأبطال يقول للآخر: "أنت إنسان مثقف وتدرك دور الإعلام في الحرب"، فيرد عليه قائلاً: "إذا نظرت إلى الأرض المحتلة ترى هناك معاهدة سايكس بيكو جديدة هي نفس سايكس بيكو القديمة"، ماذا كنت تعنين ؟!!! عتو: الإعلام عليه دور كبير في حياتنا ، والكلمة أصبح لها صداها وتأثيرها في ظل السماوات المفتوحة والإعلام الفضائي ، وعن أوضاعنا السياسية نجد أننا عدنا للاتفاقيات التي صدرت من مائة عام ، ونعاني نفس التقسيم الاستعماري لنا ، بل إننا اليوم مستعمرون فكريا قبل أن يكون استعمارنا عسكري .. اليوم أراضينا وأجسادنا ونفوسنا وعقولنا مستعمرة، ونحن من رمينا أنفسنا في أحضان المستعمر ، ومع كل مشكلة تعلو أصوات العرب تندد وتشجب ثم تخفت ثانية ، نحن من أعطى الغرب ثرواته ثم وقف على الباب يشحذ فتات الأموال لأنهم أصبحوا أوصياء علينا ، لذا أظن أن تقسيمنا من مائة عام أهون بكثير مما يجرى على أرض الواقع الآن محيط: كتاباتك أنه ليس لها وطن، فرواية "اغتالوا أحلامنا" مثلا تجسد واقع موجود بجميع بلداننا العربية، فهل هذا مقصود ؟!!!
عتو: الأعمال التي لم أحدد لها هوية مكانية مقصودة ، حتى تشمل الوطن العربي كله، فرواية "اغتالوا أحلامنا" ترمز لحالات كثير منها سياسي ، فمثلاً صراع الإخوة في الرواية على الأرض تشبه الدول العربية الطامعة في بعضها كطمع الإخوة في الأرض والاقتتال عليها، ولجوئهم إلى طرق خارجة عن القانون والقيم. وفي الرواية تجد رمز وضعته هو الجد "عادل" الذي استمات في سبيل أرضه وكان يكافح ويناضل من أجلها حتى آخر لحظة في حياته، ثم استسلام ابنه "محمود" وهربه وهو صورة للأجيال الجديدة ، ثم يأتي جيل ثالث في الرواية يتمسك ببارقة الأمل محاولا إعادة ما فقده الآباء. محيط: من الملاحظ أنكِ تميلين في أعمالكِ للأسلوب الشعري، فهل لك إصدارات شعرية مستقلة؟ عتو: لست شاعرة، ولكن أحيانا تأتيني جملة شعرية أحب أن أكتبها ، ولا أكون واعية لقضية أهي موزونة أم لا ، أعتبر الكتابة نوع من الفضفضة ، والشعر يعطي القاريء إحساسا جميلا ، فضلا عن أننا نمتلك مفردات عربية ثرية للغاية ، وأي موقف درامي لو كتبته بالكلمات المعتادة يصبح ركيكا ، وكأنك تستمتع لنشرة أخبار . محيط: هل صادف أن غيرتِ بعض القناعات أثناء الكتابة أو بعدها ؟ عتو: لا أسميه تغيير قناعات ، بقدر ما هو إعادة حسابات ، وليس هناك نظرية مؤكدة للحياة ، يساعد في تغيير نظرتك للأمور مجريات الأحداث نفسها ، وهذا لا يتنافى مع كون لدينا مباديء ثابتة بالحياة ومنها المباديء القومية والدينية ، أما بجانب القناعات الحياتية فهي محل نظر دوما ، وغالبا في كتاباتي لا أغير القناعات لأنني دوما أنظر للمستقبل قبل أن أكتب. محيط: ما العقبات التي تواجه الأديب السوري ؟ عتو: لا تختلف كثيراً عن مشكلات الكتاب في العالم أجمع، كمشكلات النشر والطباعة والتوزيع وأحياناً الرقابة، ففي سوريا الرقابة أحياناً تكون قاسية ومزاجية نوعاً ما، لكن الأهم من هذا كله النشر؛ فالأديب السوري يعاني كثيراً من عدم الاحتضان خاصة للأعمال الأدبية، فإذا لم يمتلك الكاتب المال قد تظل كتاباته سجينة الأدراج، وأزمة الكاتب العربي بشكل عام هي القارئ، فقديماً كان الكل يقرأ لذلك وصل إلينا أدب العظماء واشتهروا، وكان هناك مؤسسات تقوم بالنشر فلا ينشر الكاتب على حسابه ، بل تتصل دار النشر بالكاتب وتأخذ أعماله وتنشرها وتوزعها، أما الآن فبالرغم من كل التطور والتقدم إلا أن الكاتب في أزمة كبيرة، لدرجة أنه يحرم نفسه وأولاده حتى يستطيع نشر كتابه وللأسف في المقابل لا يوجد قارئ يقرأ أعماله ! فلو كان للدولة مؤسسات للأدباء المعتمدين وتقوم بدور النشر والتوزيع لانفرجت الأزمة كثيرا . محيط: شهدت الساحة الفنية صراعاً في الفترة الأخير بين مصر وسوريا، فهل يوجد هذا الصراع على الساحة الأدبية ؟! عتو: لا أعتقد أنه يوجد صراع بين مصر وسوريا على الساحة الأدبية، فمصر معروفة تاريخياً بكتابها ومؤسسي الرواية العربية، وهناك بسوريا أيضاً عظماء وكتاب كبار، والدراما المصرية والسورية ليست في صراع، فسوريا بها فنانين مبدعين على مستوى عالٍ جداً، ونصوص درامية متميزة وأعتقد أن الدراما السورية ناجحة لارتباطها بالمجتمع وقضاياه ، ويكتب العمل الفني ثم يتم البحث عن ممثلين مناسبين ، أما في مصر يحدث العكس حيث يأتي النجم للعمل ويفصل له عمل درامي ، فتجد اغلب الأعمال محصورة في أبطالها . مشكلة كتاب الدراما في مصر برأيي في الانحصار بفكرة النجم حيث يكتبون الكوميديا لنجم ، وتدخل أحد الأفلام وتفاجأ بكم من الأغاني التي لا علاقة لها بالأحداث لمجرد أن النجم مطرب معروف ، وأعتبر أن هذا النوع من الدراما يكون مشاهدة السيرك أكثر قيمة منه .