انقطاع التيار عن مناطق واسعة في طوخ بسبب أعمال صيانة بمحطة المحولات.. غدا    الرئيس اللبناني يدعو لممارسة الضغوط على إسرائيل لتطبيق وقف إطلاق النار والانسحاب    وزير الخارجية يتوجه إلى قطر للمشاركة في منتدى الدوحة    وسام أبو علي: نسعى للفوز على سوريا وسأبقى مع فلسطين حتى النهاية    ضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية ب 4 ملايين جنيه    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية بسمالوط شمال المنيا    إتاحة خدمة إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية عبر مكاتب البريد بالتعاون مع مصلحة دمغ المصوغات والموازين    اليوم العالمي للتطوع يشعل طاقات الشباب 35 ألف متطوع بصندوق مكافحة الإدمان يقودون معركة الوعي ضد المخدرات في كل محافظات مصر    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    قرعة كأس العالم 2026.. منتخب مصر فى مواجهة محتملة ضد المكسيك بالافتتاح    ماكرون يدعو لزيادة الضغوط على روسيا ولموقف موحد أوروبي أمريكي بشأن أوكرانيا    الفيومي: 7.6% نموًا في التبادل التجاري المصري الأوروبي.. والصادرات تقفز إلى 7.57 مليار دولار    يلا شوووت.. مباراة عمان والمغرب اليوم: موعد قوي وحاسم في كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    سلوت: محمد صلاح لاعب استثنائي وأفكر فيه سواء كان أساسيًا أو بديلًا    منال عوض تؤكد: وزراء البحر المتوسط يجددون التزامهم بحماية البيئة البحرية والساحلي    وزير الكهرباء: تعظيم مشاركة القطاع الخاص بمجالات الإنتاج والتوزيع واستخدام التكنولوجيا لدعم استقرار الشبكة    منال عوض: إزالة أدوار مخالفة لرخص البناء ومصادرة مواد البناء واتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين    لليوم ال 5.. التموين تواصل صرف المقررات و المنافذ تعمل حتى 8 مساءً    "Cloudflare" تعلن عودة خدماتها للعمل بكامل طاقتها مجددًا بعد انقطاع عالمي واسع النطاق    بدءًا من الغد.. منخفض جوى وعواصف رعدية وثلوج فى لبنان    القاهرة الإخبارية: جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصف رفح وحي التفاح شرق غزة    حفل لفرقة "كايرو كافيه" بدار الأوبرا الأحد المقبل    باحثة تكشف تأثير الزخارف الدولية على الفن المصري وتحولها إلى هوية محلية    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    قافلة طبية بقرية أبو عدوي في دمياط تقدم خدمات مجانية لأكثر من ألف مواطن    وكيل الجفالي يوضح حقيقة شكوى اللاعب لفسخ عقده مع الزمالك    جهاد حسام الدين تنضم إلى مسلسل عباس الريّس في أول تعاون مع عمرو سعد    وكيل تعليم القاهرة تشارك بفعاليات لقاء قيادات التعليم ضمن مشروع "مدارس مرحبة ومتطورة"    مصر تستضيف النافذة الثانية من تصفيات كأس العالم للسلة    تفاصيل القصة الكاملة لأزمة ميادة الحناوى وحقيقة لجوئها ل AI    خرست ألسنتكم داخل حناجركم    ضبط 1200 زجاجة زيت ناقصة الوزن بمركز منفلوط فى أسيوط    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب (بث مباشر)    الحصر العددي يكشف مفاجآت في انتخابات دائرة إمبابة.. مرشح متوفى يحصل على الترتيب الرابع وأصوات إيهاب الخولي تتراجع من 22 ألف إلى 1300 صوت    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    حوكمة الانتخابات.. خطوة واجبة للإصلاح    الأنبا رافائيل يدشن مذبح الشهيد أبي سيفين بكنيسة العذراء بالفجالة    طارق الشناوي: الهجوم على منى زكي في إعلان فيلم الست تجاوز الحدود    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الجيش الأمريكي يعلن "ضربة دقيقة" ضد سفينة مخدرات    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    محافظ المنيا يشهد فعاليات الندوة التثقيفية ال91 لقوات الدفاع الشعبي    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة المشعة .. الأديبة نعمات البحيري تفارق عالمنا
نشر في محيط يوم 18 - 10 - 2008


حصلت مؤخرا على جائزة التفوق في الأدب
المرأة المشعة نعمات البحيري تفارق عالمنا
نعمات البحيري
محيط - سميرة سليمان
رحلت عن عالمنا أمس الكاتبة المصرية نعمات البحيري التي وافتها المنية بعد صراع مرير مع مرض السرطان. وقد شُيعت الجنازة من مسجد النور بالعباسية.
كتبت البحيري، وهي من أبرز كاتبات جيل الثمانينات الأدبي في مصر، تجربتها مع المرض في رواية صدرت العام الماضي بعنوان "يوميات امرأة مشعة"، وحصلت عن جائزة الدولة للتفوق في الأدب للعام الحالي.
نعمات محمد مرسى البحيرى أديبة وروائية وقاصة مصرية، ولدت بالقاهرة بحى العباسية البحرية عام 1953 ثم عادت مع أمها لتعيش طفولتها المبكرة فى بيت جدها فى تل بنى تميم بشبين القناطر قليوبية.
تخرجت فى كلية التجارة عام 1976، جامعة عين شمس شعبة محاسبة، وهي من جيل الثمانينيات فى كتابة القصة القصيرة والرواية، كما أنها كانت عضوا فى عديد من الهيئات مثل، اتحاد كتاب مصر، أتيليه الكتاب والفنانين، نادى القصة بالقاهرة، جمعية الفيلم.
تقول البحيري في أحد حواراتها السابقة: "ارهاصاتي كأديبة بدأت في الجامعة بكتابة المقال القصصي‏,‏ لأنني اعتدت أن أفرز كل ما بداخلي علي الورق في شكل حكايات كلما واجهتني أية
مشكلة‏,‏ وأن أضع لها التصورات الممكنة لحلها‏.‏ ومع الوقت وجدتني أطرح عوالم خاصة تحمل رؤية مستقبلية للنهوض بواقعنا‏.‏ وبعدها اكتشفت أن كل ما كتبت عبارة عن بنى لنصوص قصصية‏.‏ فذهبت بأوراقي إلي نادي القصة‏,‏ وحين قرأتها علي بعض الأدباء أثنوا عليها واعتبروني قاصة ممتازة‏,‏ مما شجعني علي المضي قدما في هذا الطريق‏.‏ وتجرأت فأرسلت قصة قصيرة إلي مجلة خطوة التي كان يشرف عليها يحيي الطاهر عبدالله ود‏.‏ السيد البحراوي‏.‏ وقد فوجئت بالقصة منشورة‏.‏ وكان عنوانها "نصف امرأة"‏,‏ وهو الذي صار عنوان أولى مجموعاتي القصصية‏.‏
احتفى بكتابتها عديد من النقاد من كافة الأجيال، منهم وفق هويدا صالح بصحيفة "اليوم السابع" المصرية إبراهيم فتحى وفريدة النقاش والدكتور سيد البحراوى ود.محمد الرميحى، والدكتور مصطفى الضبع والدكتور مجدى توفيق ومن الشعراء جمال القصاص وشعبان يوسف وعواد ناصر وحلمى سالم ومن القصاصين والروائيين محمد مستجاب وفؤاد قنديل وعبد الرحمن مجيد الربيعى وسيد الوكيل وأميرة الطحاوى، ومن الباحثات الأجنبيات كتبت عنها كارولين سيمور الأمريكية وميرلين بوث الأمريكية وأديزونى ايلو الإيطالية.
ترجم لها العديد من القصص للإنجليزية وللفرنسية وللإيطالية وللكردية. ?سافرت ضمن وفود ثقافية كثيرة، وكتبت عن أسفارها ونشرت عنها.
أشجار قليلة
تزوجت من شاعر وناقد عراقى بعد قصة حب شهيرة وعاشت معه فى العراق فى نهاية الثمانينيات..واستوحت تجربتها معه فى روايتها "أشجار قليلة عند المنحنى" الصادرة عن دار الهلال عام 2000.
كتبت الدراما التليفزيونية لقصتها القصيرة "نساء الصمت" وقامت بإنتاجها شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات وقامت بتمثيلها سمية الألفى.
صدر لها عديد من المجموعات القصصية والروايات منها "نصف امرأة"، "العاشقون"، "ارتحالات اللؤلؤ"، "ضلع أعوج"، رواية "أشجار قليلة عند المنحنى"، "حكايات المرأة الوحيدة" .
كما كتبت البحيري للأطفال وتقول عن ذلك: "لقد أردت أن أعيش طفولتي التي حرمت منها عن طريق الكتابة للأطفال‏,‏ وأن أقوم باللعب علي الورق‏,‏ كما أنني أحسست بأهمية الحفاظ علي القيم الأصيلة التي تحاول الميديا الأمريكية هدمها لدى أطفالنا عن طريق العنف الشديد وترسيخ الإحساس بالدونية‏.‏ كذلك أركز دائما علي ضرورة العمل والتفكير والشعور بالمسئولية‏.‏
وللأطفال صدر لنعمات البحيرى كثير من الإصدارات منها "النار الطيبة"، "الفتفوتة تغزو السماء"، "وصية الأزهار"، "بالونة سحر"، "رسومات نيرمين"، "رحلة الأصدقاء الثلاثة" كما نشرت قصصا وسيناريوهات الأطفال متفرقة بدوريات مصرية وعربية مثل علاء الدين وقطر الندى و العربى الصغير وماجد..ونشرت قصصها في صحف الأهرام، والأهرام ويكلى والإبدو، والمجلات الثقافية إبداع والقاهرة وحواء والهلال والكواكب وصباح الخير، والثقافة الجديدة وخطوة وإيقاعات ومجلة العربي الكويتية، وجريدة الحياة اللندنية والشرق الأوسط والقدس وكل الأسرة والمدى السورية.
حصلت على منحة مؤسسة "رولت فواندشن" لقضاء شهر في قصر قديم على قمة جبال الألب بسويسرا أنهت فيها روايتها "أشجار قليلة عند المنحنى" التى صدرت عن دار الهلال فى عام 2000، وحصلت كذلك على منحة تفرغ من المجلس الأعلى للثقافة لمدة ثلاث سنوات لكتابة ثلاث روايات، وعدد من المجموعات القصصية.
طفلة مريضة بالسرطان
يوميات امرأة مشعة
من "يوميات امرأة مشعة" لنعمات البحيري نقرأ تحت عنوان "إنهم يسرطنون مصر":
من مصلحة من أن تسرطن مصر.. الصورة صارت قاتمة تماما وكأن هناك نية مبيتة لنوع من حرب الإبادة المنظمة للشعب المصرى.. طعام ملوث بالكيماويات المسرطنة ومياه ملوثة وقطارات موت وعبارات غرق واتوبيسات دمار، ومسارح للحرق والفناء ومسلسلات هدر للمال العام، والوقت والطاقة وسينما تفرغ الناس من محتواهم الإنسانى وتشل إرادة الحياة وبطالة تعصف بالأحلام وتغيم الأفق وتنشر الاكتئاب بين الشباب وأهلهم. وعنوسة مزمنة وطلاق سريع وهجرة إلى الداخل فى شكل التماهى مع أفكار معتمة. وكلها فى تصورى سرطنة لجسم المجتمع كما سرطنت أجسادنا.
يبدو أن الإحساس المقيم والمستقر والمتصل بأن المرء الذى يحمل مرض السرطان يعيش حياة ترانزيت فوق الأرض يجعله يطلق الصراح لضربات الألم ولا يسكتها، فكل المسكنات تبوء بالفشل فيقفز على الألم قفزات هائلة ويستن لنفسه مخارج غير الآهات وعض الأرض ونبش التراب، وكأنه بمغامرة يأسه يشق طريق الأمل لغيره..
العاشقون
تقول عن روايتها "العاشقون": الإحساس بالقهر يلازمني منذ الطفولة‏.‏ وأري انه لا يوجد فرق كبير بين تسلط الأب والأم حملة سلطة الموروث الذي يهمش البنت ويدفع بالولد إلى المقدمة‏,‏ وبين تسلط الحاكم‏.‏ وفي رواية العاشقون عانيت أيضا من تسلط الأطباء والممرضين‏,‏ فتجدني أنتقدهم بشدة لطريقتهم القاسية في العلاج بالإشعاع‏.‏ وقد استطعت في هذه الرواية إيجاد عالم مماثل للعالم
الخارجي الكبير الذي يقهر الانسان كما أنها أول رواية تتحدث عن صراع الإنسان مع السرطان‏.‏
ومن قصتها "أوراق قليلة عند المنحنى" نقرأ:
"أخذني عائد الزوج من يدي وشدني خلفه وأوقفني أمام صفيحة القمامة وراح يخرج تلك الكتلة المؤلفة من أوراق وفوارغ وتفل وقهوة وورق (كلينكس) وبقايا تنظيف خضراوات وفاكهة كانت ورقة الجريدة التي مسحت بها زجاج نافذة الصالة مبلولة ومطوية وداخلة ضمن نسيج الكتلة وماذا في ذلك إن أمسح زجاج البيت بورق الجرائد ..كانت نظراته تنتفض بشرر لا تطفئه إجاباتي اللامبالية كما تبدو له وكنت لا أزال أحتفظ ببعض من وداعتي في استقبال هوس الآخرين وولعهم بتفاصيل غريبة.. أخبرني بصوت مبحوح أن صورة السيد الرئيس تتصدر صفحة الجريدة .
لم أقصد شيئا مما تخشاه..
مسح الزجاج بالجرائد طريقة أكثر شيوعا بين الناس في بلدي، وبلاد أخرى. بدا عائد وكأن حشدا من كوابيس اليقظة يداهمه.. صفوف من الخوف والرعب والفزع، فراح يفرد لي الصفحة لأرى صورة السيد الرئيس المبلولة والمخدوشة مثل وجه مكرمش ومشوه.. وفي لحظة وكأنه تذكر شيئا، جرى كموسوس إلى باب البيت، يفتحه وينظر يمينا ويسارا، ثم إلى النافذة ليفتح ضلفتيها ويتبصص في كل اتجاه ثم يرفع سماعة التلفون يحدق فيها ويضعها، حدث هذا أكثر من مرة وكأنه يرغب في التأكد من شيء ما.
بدا الخوف نابحا فوق ملامح وجه عائد وحركته المشدودة إلى كل أرجاء البيت لم أكن بحاجة إلى أن أستعطفه أن يهدأ ويرتد عن مخاوفه وكوابيسه هذه مكتفيا بإلقاء الورقة في سلة قمامتنا أو سلة قمامة الشارع وليختتم هذا العرض الكابوسي من مهزلة قاتمة. وفي لحظة رأيته يسخر من فِطنتي مؤكدا أن هناك الكثيرين ممن يسيرون في الشوارع، يلتقطون للناس أسبابا لسحقهم كنت أرى رعبه يكاد يطفر من عينيه وينزل على الأرض ليصير كائنات وحشية تضحك كثيرا..".
يوم في حياتي
أوردت صحيفة "الحياة" اللندنية نص غير منشور لها كانت قد أرسلته قبل أيام إلى الصحيفة ومنه نقرأ:
يوم في حياتي
بمجرد استيقاظي من النوم أفتح ستارة غرفة نومي وأقول للعصافير التي تتقافز على شرفتي وتلك المساحة الخضراء الممتدة يمينا ويسارا تحت البناية التي أسكن فيها "يا الله .. مازلت أحيا"، فيرد هاجس في داخلي يردد أغنية الجميلة فيروز "سوف أحيا .. سوف أحيا".
غالبا ما يكون الليل مكملا للحظات النهار وتداعيات السؤال أو الدهشة أو البهجة فالحياة ليست عادية ولا مملة ولا تبعث على الملل لابد ودائما ما يكون هناك حدث أو شخص يغير مسار اليوم الذي خططت له أن يمضي بين القراءة والكتابة وإنجاز بعض المشاوير الخاصة بتجليات الحياة مثل تجديد رخصة السيارة أو تصليحها أو تركيب عداد للمياه أو التعاقد من أجل الغاز أو تركيب سخان أو الذهاب إلى شركة الكهرباء.
ولكن صرت أؤمن أنني أعيش اليوم كوحدة كونية ليس لها ما يكملها في اليوم التالي وليست مقطوعة الاتصال باليوم السابق، أرى فيه الربيع والخريف والشتاء والصيف، أرى فيه البهجة والملل والألم والتواصل مع الآخرين والانفصال عنهم ربما بالفرح أو بالغضب. أعيش كل مقتضيات الحياة لذلك أقول إن اليوم عندي صار وحدة كونية واحدة... هو العالم الفيزيقي من تاريخ وجغرافيا وهو العالم الفكري والفني بما أكتبه ويدخل الكمبيوتر وبما اقرأه فيتوغل داخل ذهني ويكون جزءا لا يتجزأ من ثقافتي في الحياة من موقف من الحياة ومن الواقع وما يقدم لي من فنون وأفكار على الفضائيات وفي الجرائد والمجلات والكتب وفيه عالم الأصدقاء والأهل والأقرباء والجيران والأطفال الذين يغضبونني باللعب بالكرة في الشارع فيكسرون زجاج نافذة جارتي المريضة أو زجاج شرفة جاري العجوز الوحيد.
وفي نهاية النص تقول:
على هامش كل التصرفات اليومية التي لابد أن ينجزها أي مواطن عادي أعيش حياتي ككاتبة. أقرأ كتابا أو أنتهي من نص قصصي أو فصل في رواية أو قراءة الجرائد، أو أجلس في الشرفة لأتابع لحظات الغروب فتتدفق بداخلي أسئلة عن الوجود وماهية حياتنا كبشر نأتي ثم نمضي لكننا نأبى أن نمضي من دون أن نقول كلمتنا للعالم من حولنا.
أواصل قراءة كتاب أكون بدأته أو مقال أو قصة أو فصل في رواية فأهيئ البيت للتعامل مع عالمي الجديد الذي يبدأ في السادسة حتى ينتهي اليوم في حوالي الثانية عشرة فأدخل إلى سريري وأجوب العالم عبر الآلة السحرية نفسها "الريموت كنترول" لتأتي لي بجديد الأخبار وجديد الدراما والسينما حتى أنام نوما سهلا من دون منومات. الليلة التي تنطفئ لا تعود وأنا أعي جيدا ذلك فأحرص على أن أعيش اليوم التالي بفيض من البهجة حتى لا يعوزني الندم. إذا ما انطفأ العمر كله شمعات تلو بعضها. فكلما حاصرتني مظاهر سأم خريف العمر أو ضجر الألم والمرض ألجأ إلى وهج ربيع الإبداع والكتابة وألوانه.
نانسي عجرم والأزواج
نانسي عجرم
ومن مدونة نعمات البحيري نقرأ تحت عنوان "الشوق لنانسي عجرم .. والزوجات متفرجات" كتبت:
يجدر بنا ألا نفوت فرصة لنفهم حقيقة ظاهرة الفيديو كليب في سياقها الاجتماعي، وذلك الوجود الطافح الذي يطل علينا من الفضائيات وشاشات التليفزيون بنانسى عجرم وأخواتها.. تحتفى بهن قنوات الأغانى التى انتشرت بشكل مروع لتختزل كل تاريخ الغناء العربي قديمه وجديده فى نمط واحد.
أغنيات الفيديو كليب، تكنيك يشبه مادة الجيلاتين لا قوام متماسك لها، يحتوى فقط على مشهيات وتوابل، غناء ورقص ولقاء وفراق وحب وجنس أحيانا.
اختزال واضح وصريح لكافة صنوف النشاط الإنساني في نمط إخراج يحلق بالمشاهد إلى شواطىء الإبهار، فى إيقاع راقص وسريع ولاهث وكأننا فى "زأر" نهتز سريعا لننفض عن أجسادنا عددا من الأمراض والأوهام وربما العفاريت، غير أنواع فريدة من الخلل والاضطراب والارتباك، هذا مع اللعب على أحلام الرجال والنساء من ثراء وترف وأحلام رومانسية وحسية تستخدم أدواتها كاملة.. أحصنة بيضاء وفرسان شديدى الوسامة وفتيات كأنهن خرجن لتوهن من مجلات الأزياء العالمية وزهور وحدائق غناء وشواطىء وأنهار وجبال وأودية وبيوت فخيمة وقصور أنيقة وأكواخ بسيطة ساحرة، عالم متكامل من السحر والجمال وعنصر المرأة فيه حليف مستخدم ومنتج ومستهلك ومتواطىء فى عملية البناء والهدم والمد والجزر والكر والفر. أصبحت ببساطة نمط الفن الذي يتعاطاه أغلب الرجال والنساء مثل قرص مهدىء أو منوم علاج للأرق والتوتر والقلق وربما لحالات الفقد والإحباط والفشل وفقدان التواصل ..
وتقول في النهاية:
ولما صارت المسلسلات مملة ومكرورة وصارت أغلب أفلام السينما هشة وضحلة لجأ الرجال تحديدا لتحريك مياه البركة الآسنة إلى الفيديو كليب التى تعج بفتيات عاريات يغنين بطريقة "تلحس" العقل والروح و"تطرى" ما جف فى منابع الزواج وفرضتها صيغ الحياة القاسية والصراعات اليومية فى العمل والبيت والشارع.
لذا كان من الضرورى أن تبدو فى الأفق ظاهرة نانسى عجرم وأخواتها، إحدى الظواهر الاجتماعية بامتياز وآخر الصيغ الطافحة بالأنوثة بمعناها القديم والجديد، من أجساد تحررت على نحو ما من الثياب القلقة والمتوترة. فظاهرة نانسى عجرم وأخواتها إذن هى ظواهر تفرزها أشكال الإضطراب والخلل فى العلاقات الاجتماعية، يطرحها الإعلام ويلح عليها فتترسخ فى أذهان الناس باعتبارها النموذج والمثال فى ظل غياب الحب والتواصل وأنماط الفن الراقى الجميل.
الحنان الرسمي
في مقال بعنوان "الحنان الرسمي" تقول:
صارت اللامبالاة كالجلد السميك يغطى الجسد والروح والنفس والعقل. لم يعد أحد يأبه للألم أو للمرض والمرضى . المهم أن تكون الأوراق مكتملة والإجراءات سليمة..الأطباء وطاقم الممرضين والموظفين فى المستشفى، حتى الحارس الذى صنع لنفسه مهنة داخل المهنة لتكون "سبوبة" وينظم وقوف السيارات. كله يتعامل بلا أدنى تعاطف، أو تسامح، ولابد أن تلوح أولا بالمال واحترام النظام والأوراق والإجراءات. والرأفة بالمريض جملة اعتراضية لم تعد تمر فى سماء أحد ، ألا يكفى المريض مرضه، يجلدونه ببيروقراطية إدارية، سلسلة من الاجراءات والأوراق الرسمية واللف على المكاتب ونظرات جامدة للسأم والضجر ، يصعد مبنى وآخر ويسير طرقات وممرات وردهات طويلة يلاحقه فيها الوهن والموت فى الوجوه وعلى المقاعد الخشبية والمسنودين على جدران آيلة للسقوط. تماما مثل الأجساد.
أتراجع وأشفق علي صغار الأطباء الذين يتعاملون مع أجسادنا بالكيلو، يعاملهم كبار الأطباء مثل صبية تفتحت عيونهم على انهيارات الحياة والغلاء و الكوارث والنكبات والقبح والزحام وأصوات النشاذ، وسقوط كثير من القلاع القديمة والحصينة فصار الألم والمرض والفقر والجهل والتطرف ظواهر طبيعية للغاية مثل البرد القارس فى الشتاء والحر الفظ القاسى فى الصيف واختفاء الخريف وشحوب الربيع واحتقان الهواء بدخان وغلالات داكنة فى السماء..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.