سياسة ماكين الخارجية عاطف عبد الجواد استطلاعات الرأي تعطي السناتور الديموقراطي باراك اوباما تفوقا ضئيلا على خصمه الجمهوري السناتور جون ماكين في انتخابات الرئاسة الأميركية. هذا التفوق قد يتلاسشى او قد يتسع بحلول موعد الانتخابات في الرابع من نوفمبر. ولهذا السبب يجب ان ننظر الى ماكين على انه قد يكون الرئيس الأميركي المقبل ويجب ان نتفحص العناصر الأساسية التي سوف تشكل سياسته الخارجية. وقد لاحظنا كيف ان المرشح الجمهوري يميل الى تبديل مواقفه وتصريحاته حتى الآن فيما يتعلق بالسياسة الداخلية وبعض جوانب السياسة الخارجية باستنثاء موقفه المؤيد لاستمرار الحرب في العراق. السبب وراء تغيير مواقفه اثناء الحملة الانتخابية هو ان حزبه الجمهوري منقسم على نفسه بين المحافظين الذين لا يعتبرونه واحدا منهم، وبين المعتدلين. ولكن ماكين يتعامل مع انقسام آخر في صفوف الحزب الجمهوري وهو انقسام بين المثاليين، اوالمحافظين الجدد، الذين يأملون في استمالته اليهم، وبين الواقعيين. في خطاب القاه في مارس الماضي عن السياسة الخارجية نجد ان السناتور ماكين على سبيل المثال تحدث عن ضرورة طرد روسيا من مجموعة الدول الثماني الكبرى، وهي مجموعة الدول الصناعية والديموقراطية الكبرى. المحافظون الجدد صفقوا ورحبوا بهذا الموقف، ولكن الواقعيين اعربوا عن الاستياء لأنهم ينادون بسياسة خارجية تقوم على خدمة مصالح اميركا وخدمة الاستقرار الدولي بدون الانخراط في حملات مثالية لنشر الديموقراطية في العالم. وجادل الواقعيون بأن طرد روسيا من مجموعة الثماني الكبرى من شأنه ان يستعدي موسكو بدون داع، كما ان الأوروبيين سوف يعارضون مثل هذه السياسة. مثل هذا الانقسام قد يزعزع مصداقية الرئيس الجديد لو فاز ماكين بالرئاسة بالنظر الى ان الرئيس الجديد سوف يواجه تحديات عديدة من بينها العراق وكوريا الشمالية وايران والصين والنزاع في الشرق الأوسط . لهذا نجد المرشح الجمهوري يتذبدب بين موفقي المحافطين الجدد من ناحية والواقعيين من ناحية اخرى. ولا غرابة في ان ماكين وصف نفسه بأنه المثالي الواقعي وهو مزيج يسعى الى رأب الخلاف بين القسمين. ومن المفارقات ان جورج بوش في حملته الانتخابية عام 1999 ، دعا الى واقعية في خدمة المثل او المثالية. في الحكومة الأميركية الراهنة تمثل كوندوليزا رايس معسكر الواقعيين بينما يمثل رتشارد تشيني معسكر المثاليين أو المحافظين الجدد، وهم المجموعة التي تدعو الى استخدام القوة الأميركية لفرض المثاليات والهيمنة الأميركية. ورغم ان ماكين قد يشارك الرئيس بوش في سياسة استخدام القوة والتي توصف غالبا بسياسة مسدسات الكاوبوي، فإن السناتور ماكين له سجل طويل من التذبدب بين تأييد القوة وبين رفضها، حتى بات من الصعب اليوم تمييز الطريق الذي سوف يسلكه في هذا الصدد. فخلال عقدين من الزمن بعد انتهاء حرب فيتنام، رفض ماكين التدخل العسكري الأميركي ونبذ استخدام القوة في السياسة الخارجية. كان ماكين قد شارك في حرب فيتنام ووقع اسيرا في ايدي الفييتناميين عندما اسقطت طائرته. ولخمس سنوات في الاسر تعرض ماكين لأنواع من التعذيب وسوء المعاملة. واثناء عمله في الكونجرس عارض ماكين التدخل العسكري الأميركي في لبنان في الثمانينات، وفي هيتي الصومال في اوائل التسعينيات. وعندما غزت القوات العراقية الكويت عام 1990 دعا ماكين في البداية الى ان تكتفي الولاياتالمتحدة بقصف جوي وعدم التدخل بقوات برية. ولكن ماكين في النهاية صوت لصالح عملية عاصفة الصحراء التي اسفرت عن دحر الغزو العراقي. غير ان ماكين تغير على مر الزمن. وبدأ هذا التغير اثناء النزاع في البوسنة. في منتصف التسعينات ايد ماكين بحماس استخدام القوة العسكرية ضد الصرب لوقف حملات التطهير العرقي ضد المسلمين في البوسنة. وايد قرار الرئيس كلينتون في ذلك الوقت بالتدخل العسكري الأميركي في كل من البوسنة وكوسوفو، مخالفا بذلك موقف كثيرين من زملائه الجمهوريين في الكونجرس. وقد نشأت صلات ماكين بالمحافظين الجدد اثناء حرب البوسنة، لأن هؤلاء ايدوا ايضا سياسة كلينتون القائمة على القوة العسكرية لأغراض انسانية. واستمر تأييد ماكين لاستخدام القوة بداية بالإطاحة بصلودوبان ميلوسوفتش في صربيا الى الاطاحة بصدام حسين في العراق. ماكين سوف يواصل سياسات الرئيس بوش في بعض جوانب السياسة الخارجية ولكنه سوف ينتهج سياسات مختلفة في جوانب اخرى. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو سعيه المستمر الى التوفيق بين مواقف انصاره الجمهوريين من المحافظين الجدد والواقعيين، ليس ادل على ذلك من ان التكهنات اليوم تتحدث عن السناتور جوزيف ليبرمان وزيرا للخارجية في حكومة ماكين ( وهو صديق لموقف ماكين في حرب البوسنة)، وعن رتشارد ارميتاج، نائب وزير الخارجية السابق، وزيرا للدفاع في حكومة ماكين. ارميتاج صديق لموقف ماكين في حرب فييتام. انه المزيج الماكيني من المثالية الواقعية. عن صحيفة الوطن العمانية 19/6/2008