أحداث سيدي إيفني: شرعية الدولة المغربية محط شك حسين مجدوبي تأتي الاحتجاجات القوية التي شهدتها مدينة سيدي إيفني في الجنوب المغربي هذه الأيام لتؤكد أن المغرب يعيش غليانا اجتماعيا وسياسيا تعجز الحكومة عن احتوائه ومرشحا للارتفاع في ظل تدهور القدرة الشرائية لأغلبية الشعب، لكن أحداث سيدي إيفني وما رافقها من شعارات تحمل في طياتها تطورات خطيرة وتتعلق أساسا بمحاولة إعطاء طابع إقليمي وإثني لهذه الاحتجاجات والتنكر للمغرب الذي يعتبره البعض أنه لم ينصف أبناءه. كما أن العنف المفرط الذي وصل إلي الاغتصاب أو التهديد به يطرح الكثير من التساؤلات حول رهان الدولة علي القمع المطلق اعتقادا منها باستعادة هيبتها المفقودة. ويبدو في الوهلة الأولي أن الانفجار الذي وقع في مدينة سيدي إيفني لا يمكن فصله عن التطورات العالمية المرتبطة بغلاء الأسعار وكذلك تدهور القدرة الشرائية، إلا أن معطيات أخري مرتبطة بالمدينة تبرز أن الوجه الآخر المخفي لهذه الأحداث ويتعلق الأمر بمطالب سياسية غير عقلاني ولكنه خطير. فعلاقة بالعامل الأول، جميع التقارير الدولية وخاصة تقرير الأممالمتحدة الصادر خلال شهر نيسان (أبريل) الماضي، أكد أن هناك الكثير من دول العالم الثالث التي ستشهد احتجاجات عنيفة للغاية بسبب ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية. ومن ضمن هذه الدول المغرب، واعتمد تقرير الأممالمتحدة علي الاحتجاجات التي يشهدها المغرب وخاصة أحداث مدينة صفرو في تشرين الثاني (أكتوبر) الماضي عندما انتفضت مدينة بالكامل ضد التهميش. وجاء التقرير الثاني خلال الأسبوع الماضي عن مؤسسة السلام الدولية يجعل المغرب من ضمن الدول التي يغيب فيها السلم الاجتماعي، وهذا يعني احتمال قوي لوقوع الانفجارات الاجتماعية والسياسية، ولم تمر أيام قليلة حتي انفجرت أحداث سيدي إيفني. وليست سيدي إيفني المدينة الوحيدة التي تشهد احتجاجات، فالمدن المهمشة في المغرب مثل بوعرفة وفكيك والراشيدية بدورها تشهد احتجاجات قوية علاوة علي الاضرابات القطاعية اليومية وإشكالية المعطلين الذين يتظاهرون يوميا أمام البرلمان ومؤسسات الدولة مطالبين بمنصب عمل في دولة تعلن حكومتها أنها تحقق أكثر من 3% من النمو الاقتصادي بينما تعجز عن احتواء بضعة آلاف من حملة الشواهد العليا. ومن جهة أخري، فأحداث سيدي إيفني ليست بالجديدة، فالمدينة تعيش غليانا اجتماعيا وسياسيا منذ صيف 2005، عندما تأسست سكرتارية محلية تضم العديد من الأحزاب وخاصة اليسارية والمنظمات غير الحكومية ووضعت برنامجا يتضمن ضرورة تحويل سيدي إيفني إلي إقليم بدل أن تبقي مرتبطة إداريا بإقليم أغادير ثم خلق مناصب الشغل لأبناء المدينة، وجعل أبناء المنطقة يستفيدون من خيرات الموارد الطبيعية مثل الصيد البحري . الحكومة تعهدت بتطبيق جزء من هذه المطالب، لكنها لم تف بوعودها. وجاء في شريط وضعه شباب من سيدي إيفني في موقع يوتوب علي شبكة الانترنت كرد فعل سيدي إيفني أنشأتها اسبانيا وشيدت الكثير من المنشآت، والمخزن المغربي أتي بالقمع وليس أي شيء، نحن نشكر اسبانيا وندين المخزن المغربي . هذا التصريح ليس بمعزل عن معطيات أخري خطيرة للغاية، ومن ضمنها أن وفدا من شباب المدينة عقد يوم 29 ايار (مايو) الماضي اجتماعا مع القنصل الاسباني المعتمد في أغادير، وطالب اسبانيا بتحمل مسؤوليتها إزاء مستعمرتها السابقة بل أن البعض طالب الدبلوماسية الاسبانية بضرورة إعادة الجنسية الاسبانية إلي سكان المدينة. ومن جهة أخري، فجمعيات من المدينة تعتبر أن سيدي إيفني جزء من الصحراء الغربية المتنازع عليها وترغب في انضمامها إداريا إلي الصحراء وليس إلي إقليم أغادير. وعليه، فنسبة من الشباب تؤيد مطالب البوليساريو وتعبر عن مطالب انفصالية محضة وواضحة. في الوقت نفسه، هناك فئة أخري ليست فقط من الشباب بل كذلك من الشيوخ تبلور خطابا يبعث علي القلق الحقيقي ويتجلي في أن قبائل باعمران التي حاربت المستعمر الاسباني وطردته سنة 1969 تؤكد أن سكان المنطقة لم يستفيدوا من خيراتها، ويجري الحديث عن أصحاب الرباط وفاس الذين يتوافدون علي سيدي إيفني ويستولون علي خيراتها وخاصة الصيد البحري . والمثير أن انتفاضة سيدي إيفني شارك فيها الجميع، شبابا وشيوخا ونساءا وأطفالا، ويعتبرونها امتدادا لمعركة طرد المستعمر الاسباني، وهذه المقارنة خطيرة لأن بعض المحتجين لا يتردد في اعتبار الاحتجاجات الحالية بمثابة مواجهة للمستعمر الجديد. التهميش الاقتصادي الذي تعاني منه أغلبية الشعب المغربي وانتشار مطالب الحكم الذاتي في الكثير من مناطق هذا البلد العربي الأمازيغي بدأ يرسخ أطروحة استفادة أبناء المنطقة من خيرات الاقليم الذي يتواجدون فيه، وعدم تحقيق هذا المطلب بدأ يؤدي نسبيا إلي نكران الانتماء إلي الدولة المغربية. ومن ضمن الأمثلة الحية، نجد حالات في سيدي إيفني الذين يرغبون في استعادة الجنسية الاسبانية، وخلال زيارة ملك اسبانيا خوانا كارلوس إلي مليلية المحتلة، لم يتردد بعض الريفيين من الناضور والحسيمة بتفضيل الانتماء إلي اسبانيا علي النظام المغربي الذي يعتبرونه أنه سلب خيراتهم، وخلال السنة الماضية، حاولت قري من المغرب الشرقي الانفصال عن المغرب والإنضمام إلي الجزائر، بل بعض الشباب هاجر إلي الجزائر وجري اعتقالهم وإعادتهم إلي المغرب. هذه حالات محدودة، ولكن تقاعس النظام المغربي علي حل مشاكل الشعب وانفراد أقلية بخيرات البلاد يجعلان هذه الحالات تنمو، وارتفاع هذه الحالات يعني فقدان المؤسسة الرسمية المغربية شرعيتها. ومن جهة أخري، فسياسة منح الامتيازات لبعض الأعيان مثل استغلال الصيد البحري ومقالع الرمال والضيعات الزراعية ساهمت في استقرار المغرب عندما كان للأعيان نفوذ حقيقي علي المجتمع المغربي وكانوا قادرين علي تحريك أو تهدئة الناس، ولهذا نهج الملك الراحل الحسن الثاني هذه السياسة بشكل كبير في السبعينات وحتي أواسط التسعينات. لكن هذه السياسة التي أنتجت فوارق طبقية كبيرة وبنيات اجتماعية هشة للغاية بل وأصبح الأعيان عرضة للانتقام والحقد الاجتماعي وجزءا من المشكل العام الذي تعيشه البلاد. ونشر شاب من سيدي إيفني شريط فيديو في يوتوب يتحدث فيه عن المستفيدين من رخص الصيد البحري في سيدي إيفني، وتبين أن أغلبية الرخص في يدأيدي أشخاص من خارج المنطقة، الأمر الذي جعل الشباب يحاصرون الميناء أساسا وكأنه رمز اغتصاب خيرات المنطقة، وكانت محاصرة الميناء سببا في اندلاع الانتفاضة خلال الأيام الماضية. ويبقي التساؤل الكبير، ما هي الإجراءات التي يمكن من خلالها احتواء الأزمات التي قد تشهدها البلاد بدون شك علي المدي القريب. يبدو حتي الآن أن الدولة تراهن علي بعض الحلول المؤقتة التي لا يمكن الا وصفها بالترقيعية، كما تتبني العنف المفرط في مواجهة الاحتجاجات. سياسة الحلول المؤقتة لم تعط أي نتائج تذكر، كما أن العنف لم يعد ينفع مع شعب فقد الأغلبية منه الأمل وسيطر عليه اليأس، ولو كان ينفع لما وقعت الاحتجاجات خلال السنوات الماضية والتي تمت مواجهتها بالعنف. لكن الخطير في انتفاضة سيدي إيفني أن هناك حديثا عن قيام أفراد الأمن باغتصاب أو محاولة اغتصاب بنات المدينة، السلطات لم تتخذ أي إجراء للتحقيق بمن في ذلك الملك محمد السادس، الأمر الذي يضع جميع مؤسسات الدولة المغربية انطلاقا من الملكية إلي الحكومة والمؤسسات الأمنية محط تساؤل وتشكيك في شرعيتها. عن صحيفة القدس العربي 16/6/2008