الشراكة والزرقاوي «اللبناني» زهير قصيباتي في بحر أزمات اللبنانيين، على شواطئ الصيف «الواعد» الذي يلسعهم بنار التزاحم على حقائب حكومة الوحدة الوطنية، فوق رماد لا يخمد نار الفتنة، لم يجد بعضهم سوى الحسرة على مصير مشروع الشراكة الأخرى بين «فلسطينيي السلطة» وفلسطينيي غزة... إذ يطلب اسماعيل هنية اجتراح وحدة وطنية لهم باستعارة صيغة اللاغالب ولا مغلوب اللبنانية، بعدما تهاوت بتحطم الوجدان الجماعي والوعي الجماعي. وكحال شعوب المنطقة المبتلية بفيروس الفتن «الوطنية» والمستوردة، التحق لبنان بالمجموع، مهما كابر قادته في رفض الاعتراف بأنه تغيّر، وبأن غالباً ومغلوباً لن يتعايشا ولو بالقوة. والحال ان أزمة التناحر على حقائب «حكومة الوحدة الوطنية» إذ تخطف من وهج الإنجاز الذي تحقق بإنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً، وتُقلق صبر العماد على معركة الشروط والمطالب المضادة، فإن تمديد عمر الأزمة أسبوعين أو ثلاثة سيعوّد اللبنانيين على التعايش مع صيف «هدنة» طويلة، تحجّم طموحات اتفاق الدوحة... بين جدران اشتباكات جوّالة بين بيروت وخطوط التماس. إذا كانت تلك جرعة تشاؤم، يتهيأ اللبناني لتقبلها كما ناء تحت صدمة أيار (مايو)، ومشهد السلاح والحرائق ورعب فقدان الحماية، فلا أحد بعد الصدمة يمكنه الاطمئنان الى ان النيات الطيبة المعلنة، و «الوحدة الوطنية» على مقاعد مجلس الوزراء كافية صمام أمان لإخماد نار ما زالت تحت رماد أيار. ولأن الأطراف المطالبة أكثر من غيرها بتبديد هواجس «الغالب والمغلوب» كأمر واقع، وإزالة آثار الصدمة، لا يمكنها الدفاع عن مزاوجة المعارضة بين مقولة ان ما حصل في أيار هو «تأديب» و «كسب جولة لا حرب إنتاج السلطة» وبين شعار الوحدة الوطنية والشراكة، تصبح حجتها واهية ايضاً حين تنبري الى الإصرار على اعتبار اتفاق الدوحة حلاً لا تسوية موقتة. إن قبول الاتفاق بوصفه حلاً أو على الأقل مدخلاً الى الحل الشامل الذي سينقذ لبنان من نار الفتن المذهبية، ومشاريع إبقائه رهينة للإقليم وحروبه وصفقاته، يفترض ثوابت، أبسطها بعد صدمة أيار وزج سلاح المقاومة في شوارع، لكسر إرادة الخصم المطلوب تحت سقف «الشراكة الوطنية»: - حماية انطلاقة العهد الرئاسي الجديد بالتسليم بدوره حَكَماً بين الجميع، ضامناً للدستور لا لحقوق طائفة، حامياً للسيادة لا لأي مطلب يجعلها مرة أخرى في مهب رياح الصفقات. - إذا كان مطلب اعتذار المعارضة عن رفع السلاح في وجه ما تسميه «مشروعاً أميركياً متواطئاً» على المقاومة، أكبر من ان يتحمله كبرياؤها، فالأحرى بالمقاومة لحماية لبنان ان تجتهد لإقناع جميع اللبنانيين بوظيفة سامية لسلاحها هي حماية أمنهم من دون تمييز، لا الدفاع المسكون بهاجس صد «المؤامرات» عليها وعلى حقوق طائفة. - اقتناع المقاومة مرة وحيدة وإلى الأبد، بأن مشروع «إعادة إنتاج السلطة» ولو انتصر لحقبة، لا تحميه البندقية ولا الصواريخ إذا انقلبت رياح المصالح الإقليمية والدولية... وبأن أمن المقاومة قادر مجدداً على استعادة الإجماع، بحماية التعددية المهددة بالفتن والتهجير تحت ضغط الاهتزازات الأمنية. قادر على استعادة الإجماع كما كان يوم تحرير الجنوب عام 2000، بقبول تداول السلطة سلماً، وحقيقة أن لا انتصار أبدياً في السياسة، مهما عدَلت الدولة. أي شراكة تجدي إذا أُرغم أحد طرفيها على التسليم ب «الاستسلام»؟ أي وحدة وطنية إذا اندفع شاكر العبسي من مخيم آخر ليؤجج حرائق الفتنة المذهبية، بدعاوى إنقاذ السنّة من «الخيانة» التي يمارسونها ومن جروح أيار؟ إنها وصفة لنكبة جاهزة، أدواتها عشرات من أمثال تلاميذ الزرقاوي في العراق، وكلما اقتربت هناك ساعة «تحطيم أحلام الأميركيين»، اقتربت من لبنان نذر «الصيف الساخن»، ولو متأخراً. هي فرصة أخرى أخيرة، لإنقاذ مستقبل اللبنانيين، معها لا تلتئم جروح وحدتهم ولا يمكن التصدي لمشاريع الانتحاريين إلا باستسلام كامل لمنطق الدولة الراعية. وهي لن تكون عادلة أبداً، إن لم تكن يدها فوق أي سلاح، فكيف إن فقَد الإجماع؟ عن صحيفة الحياة 12/6/2008