أفغانستان.. بؤرة متجددة للصراع د.هدي ميتكيس تحولت الساحة الأفغانية في العامين الماضيين إلي ساحة حرب فعلية تكاد تنافس العراق في حجم العمليات مما جعلها تشغل حيزا كبيرا من شواغل المحللين السياسيين كما تدهورت الأوضاع الأمنية في أفغانستان في الفترة الأخيرة بشكل كبير في ظل تصاعد أعمال القتل والتفجير التي تقف وراءها عناصر طالبانية بصورة أثارت قلق الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأوضاع علي الساحة الأفغانية. وقد زادت تلك الأوضاع تدهورا بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس الأفغاني حامد كرزاي خلال الفترة السابقة في أثناء العرض العسكري بمناسبة الاحتفال بالذكري الثانية عشرة لانتصار المجاهدين علي الاحتلال السوفيتي السابق لافغانستان والتي تعد رابع محاولة لاغتياله منذ وصوله إلي السلطة وقد اسفرت هذه المحاولة عن وقوع خمسة قتلي بينهم نائب في البرلمان, ونحو10 جرحي. وعلي الرغم من تضارب الآراء حول هوية منفذي هذه العملية إلا أن أصابع الاتهام الأولي كانت موجهة إلي حركة طالبان التي أعلنت من جانبها مسئوليتها عن محاولة الاغتيال في حين أعلن الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار مسئوليته عن هذا الهجوم. مما يذكر أن أفغانستان كانت ومازالت تمثل واحدة من أعقد بؤر الصراع وأكثر مناطق العالم توترا, الأمر الذي يرجعه البعض الي التركيبة العرقية المعقدة التي تتداخل فيها خطوط التقسيم الاثنية بشتون, طاجيك أوزبك.. مع خطوط التقسيم الدينية سنة شيعة مع خطوط التقسيم القبلية دوراني جيلزاي.. فمنذ دخول القوات السوفيتية إليها في ديسمبر1979 وحمامات الدم لم تنقطع فيها كما لم يتوقف صراع الفصائل الافغانية واقتتالها علي السلطة.. كما مثلت الحرب الافغانية ضد الاحتلال السوفيتي واحدة من أقوي الصراعات في النصف الثاني من القرن العشرين قتل فيها نحو2 مليون أفغاني ونحو15 ألف سوفيتي فضلا عما خلفته هذه الحرب من دمار للبنية التحتية الأفغانية. وبعد خروج القوات السوفيتية اندلعت الحرب الأهلية الأفغانية بين فصائل المجاهدين, التي كانت تقاتل صفا واحدا ضد الاحتلال السوفيتي, وأدت إلي وقوع الآلاف من الجرحي والقتلي فضلا عن تشريد ونزوح الملايين من أفراد الشعب الافغاني إلي دول الجوار وأسفرت هذه الحرب عن تمكن حركة طالبان من فرض سيطرتها علي نحو90% من أراضي افغانستان في سبتمبر1997. ثم أطاحت القوات التي قادتها الولاياتالمتحدة والقوات الأفغانية بطالبان أواخر2001 لتقاعسها عن تسليم قادة تنظيم القاعدة الذين تتهمهم الولاياتالمتحدة بأنهم مسئولون عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وفي الفترة الأخيرة استطاعت حركة طالبان أن تعيد تنظيم صفوفها وبدأت حاليا تخوض معارك دامية يوميا مع القوات الافغانية والاجنبية خاصة في الجنوب والشرق وشنت العشرات من الهجمات الانتحارية في مختلف أنحاء أفغانستان. ويمكن القول إن الأحداث الأخيرة في أفغانستان تشير إلي تنامي قوة طالبان العسكرية وإلي تزايد هشاشة حكومة كرزاي, المدعومة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية, خاصة بعد محاولة الاغتيال الأخيرة التي كشفت عن قصور أمني خطير.. فقد جاءت هذه المحاولة خلال عرض عسكري كان من المفترض أن يبرهن علي تعزيز قوة الجيش الأفغاني بعد حصوله علي تدريبات ومعدات حديثة خصوصا من الولاياتالمتحدة ومنظمة حلف شمال الاطلسي الناتو في الوقت الذي تريد فيه الحكومة الافغانية توسيع نطاق عمل الجيش والأجهزة الأمنية. وتؤكد بعض المصادر أن قدرة حكومة كرزاي علي الاستمرار تعتمد علي القوات العسكرية الأجنبية, وأنها في وضعها الحالي لاتكاد تكفي للسيطرة علي كابول وبعض المراكز الرئيسية في البلاد, وتحتاج لأجل توسعة سيطرتها إلي مضاعفة عددها.. ويرجع البعض تزايد عمليات طالبان العسكرية في الفترة الأخيرة إلي تأثرها ببعض حركات المقاومة الإسلامية علي الخريطة الآسيوية مثل مقاومة الشيشان ضد الروس بالإضافة إلي حركات المقاومة في العراق, التي تصاعدت وقويت بشكل كبير في الآونة الأخيرة. من ناحية أخري أصبح الوضع الملتهب في أفغانستان يلقي بظلال كثيفة علي مدي فعالية الاستراتيجية الأمريكية للحرب علي الإرهاب التي انطلقت شرارتها ووقعت أخطر وأهم معاركها علي الأراضي الافغانية منذ عام2001. الأمر الذي أصبح يثير قلق المجتمع الدولي لما تشهده الأراضي الافغانية الآن من عودة لأعمال العنف والإرهاب في إطار الحرب الأمريكية علي الإرهاب التي لم يتم حسمها بعد, علي الرغم من مضي أكثر من ست سنوات علي بدايتها, وعلي الرغم من محاولات الدعم والمساندة التي شاركت وتشارك فيها أطراف إقليمية ودولية عديدة. مما يحتم علي الولاياتالمتحدة إعادة النظر في استراتيجيتها في الحرب علي الإرهاب في ظل تزايد حدة العنف ليس فقط في أفغانستان ولكن في مناطق أخري عديدة كالعراق ولبنان, خاصة أن هذه الاستراتيجية بدأت تتحول في اعتقاد الكثيرين من إطار صراع مع مجموعات إرهابية معزولة إلي مواجهة مع جماعات تسعي إلي التحرير والحصول علي حقوقها السياسية. عن صحيفة الاهرام المصرية 27/5/2008