الصعود إلى نابلس!! سلطان الحطّاب هذا يوم آخر من أيام المؤتمر المعقود في بيت لحم خصص لزيارة نابلس فقد دخلنا نابلس مع الغروب كنا متجهين في حافلات وعددنا يقارب (500) وزيادة إلى منزل منيب المصري الذي اختار له موقعاً في اعلى جبل جرزيم.. نابلس واسمها الكنعاني ''شكيم'' وسميت باليونانية المدينةالجديدة ويبدو أنها غير التي اقيمت على انقاضها من قبل. نزلنا حرم جامعة النجاح الجديد وهو بناء حديث امتداد لكليات اخرى تشكل الجامعة.. وحتى الجامعة بدأت نواتها الاساسية في مدرسة النجاح الوطنية منذ الحرب العالمية الاولى. اما الجامعة الحالية فقد بدأت منذ منتصف السبعينات وقد اصبحت الآن الجامعة الفلسطينية الاولى ويعتز طلبتها بمستواها.. وقد انجزت جامعة النجاح للمجتمع المحلي النابلسي وحتى الفلسطيني الكثير فقد عرض لنا في مدرجها الذي يحمل اسم ''الامير تركي بن عبدالعزيز'' فيلماً توثيقياً عما كابدته نابلس في ظل الاحتلال الذي مضى عليه اكثر من اربعين سنة وخاصة ماعاشته من اجتياحات وتدمير مفجع استهدف البلدة القديمة في منتصف نابلس والتي يمتد تاريخها لأكثر من ألفي سنة وفيها آثار ومواقع وحمامات ومساجد ومقامات على فترات طويلة من التاريخ ولذا كان استهدافها مقصوداً. نزلنا لنمشي داخل الحارة القديمة ونقف عند مسجد الساعة التي أقيمت قبل اكثر من مائتي سنة. في الشارع الذي اغلقت معظم دكاكينه ومحلاته بفعل الحصار المجرم الذي يجفف عروق المدينة وضعت لوحة خزفية عريضة كتب عليها اسماء من شهداء نابلس في الفترة الاخيرة ومثلها قرأتها في منتصف الشارع وثالثه في ساحة المسجد بجوار الساعة. مااعجبني في الجامعة انها تدوّن ذاكرة المدينة ومعاناتها بدقة وقد رأيت جهداً عظيماً لايتحدث عن انجازات الجامعة فقط وانما ايضاً عن مأساة المدينة وصمودها في مواجهة الاحتلال فما انجزته نابلس بجهود ابنائها في هذا المجال من توثيق وانعاش وتوكيد للذاكرة الفلسطينية ادعو لتعميمه في كل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وادعو جامعة النجاح للقيام بهذا المشروع الوطني الضخم والاشراف عليه وتقديم اطروحات الماجستير والدكتوراه للطلبة في هذا المجال لتكون الذاكرة الفلسطينية حيّة وحافظة لمسيرة هذا الشعب الذي عذب ومازال يعذب.. سألت عديداً ممن التقيتهم عن المدينة وتاريخها وشرح لي السيد منيب المصري عن بعض المواقع وخاصة موقع بيته الجميل الذي يقيم فيه ويعلن من خلاله صموده واسناده لبناء مجتمعه رغم كل اشكال المعاناة.. سكان نابلس الآن يبلغون حوالي (160) الف نسمة اما سكان المحافظة كلها فيبلغون حوالي (400) الف نسمة. وتبعد نابلس عن القدس 63 كم وعن عمان (115) كم وعن شاطئ المتوسط 40 كم والمدينة في الاصل كما جاء في كتاب ياقوت الحموي معجم البلدان تقع بين جبلي جرزيم الذي يقدسه السامريون (السمرة) وتقيم بقاياهم فيه (لايزيدون عن 200) نسمة وعيبال والمدينة لها تاريخ عريق اسست قبل اربعة الاف سنة ويعود تأسيس المدينة الحديثة الى عام 72 م على يد (تيطس) الذي كان قائداً للامبراطور هادريانوس الروماني ثم انتشرت فيها المسيحية الى ان دخلتها الجيوش الاسلامية الفاتحة في 636 م على يد عمرو بن العاص زمن ابو بكر الصديق واصبح اسمها نابلس وهي من مدن جند فلسطين.. ثم استولى عليها الصليبيون عام (1099) سنة استيلائهم على القدس. وقد حررها صلاح الدين. وتداولت عليها الدول الاخشيدية والفاطمية من قبل.. الى ان جاء العثمانيون عام 1516 م واستمرت نابلس تتمتع باستقلالية نسبية حتى عام 1657 وقد حاصرها ظاهر العمر عام 1771 من اجل ان تتفوق عكا عليها وفي عام 1831 جاءتها جيوش ابراهيم باشا وسيطرت عليها ثم قامت نابلس بثورة ضد الجيش المصري وطردته وبعض سكانها وخاصة الاصليون بدو جاءوها من بادية الشام. وفي زمن الانجليز كانت نابلس مركز قضاء وبعد 1948 كانت جزءا من الضفة الغربية التي توحدت مع الاردن في المملكة الاردنية الهاشمية الى ان وقع الاحتلال عام 1967. كانت نابلس قد ضربتها هزة ضربت ايضاً جرش عام .1927. نابلس اكثر مدن الضفة الغربية معاناة من الحصار وتركيز الهجوم الاسرائيلي المستمر عليها ومازالت الاجتياحات الاسرائيلية تتواصل في نابلس بين الحين والاخر ومازالت نابلس التي طردت نابليون ومنعت الجنرال اللبّني من دخولها تستعصي على الغزاة الاسرائليين الذين دمّروا مركزها في البلدة القديمة اكثر من مرة ومازالوا لايستطيعون دخولها دون خسائر كبيرة. نابلس هي دمشق الصغرى كما سميت لتشابه عادات اهلها مع اهل دمشق تشتهر بالصابون النابلسي والكنافة .. وتعتبر ثاني اقدم مدينة مسكونة في العالم بعد اريحا. في المدينة الآن (2850) بناءً تاريخياً و18معلما اسلاميا واكثر ماهو موجود فيها من اثار عثمانية.وفيها شبكة مياه تعود الى العصر الروماني . وقد دمر الاحتلال في بلدتها القديمة (149) معلماً وموقعاً وهناك آلاف من المعالم تعرضت للاضرار . تقول عنها اسرائيل انها ''منبع للمقاومة''. وقد رأيت المعاناة على وجوه اطفالها وعجائزها وشيوخها..وقد اخبرني الدليل بقصص من الفواجع التي يعيشها اهلها من الفقراء والحرمان وقلة الدواء وعدم السماح لهم بالحركة والتنقل واغلاق الحواجز ويكفي ان يشاهد المرء حاجز حواره ليدرك مدى همجية ونازية الاسرائليين في تعاملهم مع اهل نابلس . في الطريق من القدس اليها احصيت اكثر من (15) مستوطنة تحتل رؤوس الجبال على جانب الطريق المخصص للمستوطنين اليهود والذي يمنع اهالي نابلس من عبوره ومن الحواجز الخطرة ايضاً حاجز بيت ايبا وفي محيط نابلس (30) قرية تشكل جسم المحافظة .. منظر نابلس في الحصار ونتاج التدمير والاجتياحات ابكاني وقد كنت زرتها من قبل ذلك وهي في حصارها القاسي ونزفها المستمر وصمودها وامساكها بشهدائها واعتتزازها بتاريخها وحملها لاسمها ''جبل النار'' مازالت تنادي الامة ومازالت تطرق على الاسماع.ومازالت النداءات تتجاوز هذه الاسماع ..فالصمود يبدأ من اشياء صغيرة مازالت نابلس بحاجة اليها منذ رفضت باسم شبابها ومقاتليها المساومة لتقول ''تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها''.. نابلس مازالت تقاوم رغم اسدال الحصار والتعتيم عليها وانشغال البعض في خض الماء بانتظار زبدة السلام الذي لا يعرفه الاحتلال ابداً.. عن صحيفة الرأي الاردنية 25/5/2008