ضميرنا المنقسم حول حزب الله عبدالعظيم حماد أسهل الآراء هو التأييد المطلق, أو الإدانة الكاملة, وأصعبها هو الذي يفرق في الموقف الواحد بين ما يجب إدانته ورفضه, وبين ما يجب تأييده, وأيضا مايمكن ترشيده. في قضية انقلاب حزب الله اللبناني بقوة السلاح علي الشرعية, لم يكن ممكنا لمؤيدي المقاومة أن يدافعوا عن هذا الانقلاب, إلا اذا كانوا مصابين بالعمي الأيديولوجي الذي يضعهم في موقع التبعية للتحالف الإيراني السوري, وفي الوقت نفسه فإن الإدانة الدائمة والجاهزة لحزب الله في كل مناسبة ليست إلا تعبيرا عن انحياز ايديولوجي أعمي أيضا للمعسكر الآخر, لاسيما اذا تذكرنا أن كثيرا ممن أدانوا التحرك الأخير للحزب, سبق وأن أدانوه حتي وهو يقاتل الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني لمدة25 عاما. من الواضح أن الادانة والادانة فقط ليست هي الموقف الصحيح نظريا وعمليا, مثلها في ذلك مثل التأييد دون قيد أو شرط, بدليل أن مجلس وزراء خارجية الدول العربية الممثل الرسمي للنظام الإقليمي العربي لم يجد طائلا من التركيز علي الادانة كخلاصة للاجتماع الطارئ للوزراء في القاهرة, وابتغي دون ذلك سبيل الابقاء علي شعرة معاوية بين الفرقاء اللبنانيين أملا في تسوية نهائية تحفظ الشرعية والوحدة الوطنية, وتبقي قضية سلاح المقاومة لمرحلة تالية أقل احتقانا من الحوار اللبناني الداخلي. من اليسير بالطبع اكتشاف الأسباب الاستراتيجية وراء هذا الموقف البراجماتي لوزراء الخارجية العرب, وأولها بلا مواربة أن توازن القوي علي الأرض اللبنانية لايمكن أحدا من فرض ارادته علي حزب الله, وسيستلزم مثل ذلك الحل تدخلا عسكريا مباشرا من خارج لبنان لا يريده الكثيرون, ولا تستطيعه علي الأغلب الأطراف الدولية الكارهة لظاهرة حزب الله ودوره. وثانيا: أدي تخاذل وتراجع زعماء الأكثرية والحكومة عن قراراتهم التي أشعلت الأزمة الأخيرة, الي ترجيح رواية المعارضة عن خلفية هذه القرارات, باعتبارها مملاة علي الحكومة من جانب الإدارة الأمريكية وحلفائها اللبنانيين, خاصة السيد وليد جنبلاط, كما أدي ذلك التخاذل والتراجع الي موقف إقليمي ودولي يشبه الموقف في منطقة الكاريبي في عام1960, عندما انتهت عملية خليج الخنازير لغزو كوبا بتدبير أمريكي الي كارثة وفضيحة, كان أهم نتائجها انتصار سياسي ومعنوي هائل لنظام فيدل كاسترو وتحالفه مع السوفيت, وهو الانتصار الذي لم يتأت للولايات المتحدة احتواؤه إلا بعد أزمة الصواريخ الشهيرة, ومصرع جيفارا, فكان من الحكمة بالنسبة للوزراء العرب عدم صب زيت علي النار, حتي لا يتحول ذلك الانتصار الميداني والسياسي والمعنوي الكبير لحزب الله في المواجهة الأخيرة داخل لبنان الي اعصار يعصف بالخصوصية اللبنانية, وتمتد آثاره المدمرة الي آفاق أبعد, لاسيما أن زعماء المعارضة اللبنانية عادوا, وأبدوا استعدادهم للتسوية السياسية علي أساس العيش المشترك وفقا لخصوصية لبنان, من خلال الحوار السلمي. لكن هذين السببين ليسا هما كل فصول الرواية, التي لن تكتمل فصولها إلا اذا تذكرنا أن حزب الله والمقاومة المسلحة التابعة له يقعان وسط شبكة كبيرة ومعقدة من التقاطعات التي يستحيل اتخاذ موقف واحد منها يمكن تعميمه عليها كلها, فالحزب يقع أولا في نقطة التصادم مع منطق الدولة وحقها المطلق في استخدام السلاح, ولكنه في الوقت نفسه يمثل طائفة طال حرمانها واستضعافها في التركيبة اللبنانية السابقة علي ظهوره, ويمثل في الوقت نفسه تيارا يرفض إدراج لبنان واللبنانيين في دور التابع الصغير للاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة, خاصة أن الطوائف والقوي اللبنانية الأخري كانت هي السباقة من قبل الي اغتصاب سلطة الدولة بقوة السلاح والمحاور الإقليمية, دون أن تحسب حسابا ليوم يتفوق فيه عليهم المحرومون كما كان يطلق علي شيعة الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية في تلك الأزمنة. ومن الناحية الإقليمية يقع الحزب في نقطة الصدام التاريخية بين الشيعة وبين السنة, كما يقع في نقطة تعارض المصالح والأولويات ما بين أغلب الدول العربية, وبين المحور السوري الإيراني, ومع ذلك فإن هذه التقسيمات ذاتها لا تسير في خطوط مستقيمة, ذلك أن محور سوريا إيران, حزب الله, يضم أيضا حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي السنيتين, ولا خلاف علي أن كثيرا من القوي الجهادية السنية في بلاد عربية وإسلامية أخري تتعاطف مع هذا التوجه. ثم إن الحزب متحالف مع تيار ماروني مهم بزعامة العماد ميشيل عون. أما من الناحية الإقليمية المتداخلة مع المستوي الدولي, فيقع حزب الله في نقطة الصراع ما بين مشروعات الهيمنة الصهيونية الأمريكية, وما بين الرفض العربي الإسلامي لهذه الخطط, يستوي في ذلك الرفض من يسمون بالمعتدلين العرب, ومن يسمون بقوي الممانعة, مع الاختلاف بينهم في ترتيب الأولويات, وتوظيف الأدوات. إذن كيف يمكن الحكم علي حزب الله والتعامل معه في ضوء تلك المعطيات الكثيرة والمتشابكة والمتناقضة؟ لاشك أن الضمير العربي والمسلم يشعر بانقسام غائر, فنحن لا نستطيع الموافقة علي أن يكون قرار الحرب والسلم في يد حزب مهما تكن بطولاته السابقة رائعة, ولا نوافق علي أن يبقي لبنان, وتاريخه, وخصوصية تجربته في العيش المشترك, وفي الأمل في تغليب مفهوم الدولة الحديثة علي تقاليد الطائفية والقبلية رهنا لبندقية حزب الله, ولكننا لا نستطيع الموافقة في ذات الوقت علي أن يتطوع العرب والمسلمون لنزع سلاح يحسب له الإسرائيليون والأمريكيون حسابا كبيرا, قبل أن نصل جميعا الي تسوية سلمية عادلة شاملة, وترتيبات نهائية للأمن الجماعي لا يحتكر فيها طرف أو اثنان التفوق الاستراتيجي.. ومعه حرية العمل, أو الابتزاز والتهديد. عن صحيفة الاهرام المصرية 19/5/2008