يعد السجال السياسي في لبنان بين قوي14 آذار وقوي8 آذار حول سلاح المقاومة رفضا من الفريق الأول تحت شعار السيادة وعدم وجود سلاح خارج إطار الشرعية, وتأييدا من الفريق الثاني تحت شعار المقاومة ضد الاحتلال حتي تحرير آخر شبر من الأراضي اللبنانية المحتلة.. إعادة انتاج لسجال شهدته الساحة اللبنانية بين عامي1968 و1975. في الماضي كان الخلاف حول السلاح الفلسطيني ومدي جواز استخدام الأراضي اللبنانية لانطلاق عمليات فدائية للمنظمات الفلسطينية ضد إسرائيل, ودفع لبنان الثمن في صورة اعتداءات إسرائيلية متكررة علي أراضيه بلغت ذروتها في ديسمبر1969 بتدمير إسرائيل13 طائرة مدنية لبنانية علي أرض مطار بيروت. وكان الخلاف أيضا يحمل طابعا طائفيا فأغلبية المسيحيين باستثناء قيادات وكوادر في أحزاب يسارية كانوا ضد سلاح المقاومة الفلسطينية, وأغلبية المسلمين معه. ولم يحصن اتفاق القاهرة1969, بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية, لبنان من الفتنة ومن وضعه علي مشارف حرب أهلية, حيث استمر السجال السياسي العنيف الذي تبادل فيه الطرفان الاتهامات, فالأول اتهم الثاني بالخيانة والعمل ضد المقاومة لصالح الكيان الصهيوني والامبريالية الأمريكية, والثاني اتهم الأول بتدمير الدولة اللبنانية ومؤسساتها وبأنه بات دولة داخل الدولة, مثلما يتردد اليوم حول دولة الضاحية الجنوبية حيث مقر حزب الله, وحول سلاح المقاومة. ولم ينجح الانتصار في حرب اكتوبر1973 عسكريا علي إسرائيل في تهدئة الوضع في لبنان, فقد فشلت محاولات استثمار الانتصار العسكري سياسيا لتحرير الأراضي المحتلة بالكامل. ووضعت المقاومة الفلسطينية وسلاحها في الداخل لبنان علي شفا الحرب استمرت15 عاما, وخلفت200 ألف قتيل و300 ألف جريح. ونزوح نحو مليون مواطن وانهيار العملة الوطنية والاقتصاد الوطني وتدمير البنية الأساسية. أما في هذه الآونة فيعتري اللبنانيون مخاوف من اندلاع فتنة داخلية( حرب أهلية) جديدة بسبب الخلاف حول سلاح المقاومة ضد إسرائيل مجددا, يدشنها إصدار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري قرارا ظنيا يتهم عناصر من حزب الله( المقاومة) بارتكاب الجريمة, لاسيما بعدما شن الحزب حملة هجوم استباقي بالطعن في شرعية المحكمة ومصداقيتها ونزاهتها. ويعزز مخاوف اللبنانيين تمسك قوي8 مارس بالعمل من أجل إلغاء المحكمة وإثارة قضية شهود الزور في التحقيقات, والتهديد بطرح شرعية المحكمة في مجلس النواب, ودخول بعض رجال الدين( من الشيعة والسنة) علي الخط بإصدار فتاوي ب تحريم التعاون مع المحكمة شرعا؟! بل وبالدعوة الي اسقاط الحكومة أو استقالتها. وفي المقابل تتمسك قوي14 مارس بالمحكمة وترفض إحالة ملف شهود الزور للقضاء وبقرارات الشرعية الدولية, وترد بحملة هجوم مصادة باتهام حزب الله بأنه قاعدة إيرانية متقدمة علي البحر المتوسط. وعلي نفس المنوال, وبحثا عن غطاء ديني علي قاعدة المعاملة بالمثل عقد سياسيون ونواب ووزراء مسيحيون اجتماعا في مقر البطريركية المارونية, وأصدروا بيانا زاد المناخ الاعلامي والسياسي تشنجا, كونه خطا خطوة نحو تحميل الرئيس ميشال سليمان مسئولية إنهاء وجود سلاح خارج الشرعية ورفض أن يكون لبنان الوطن ساحة لحروب ومصالح أطراف خارجية, ودعوة الدول العربية والمجتمع الدولي للتدخل!؟. في هذه الأجواء المعبأة بالهواجس تزداد المخاوف لدي اللبنانيين, والقلق ليس من تكرار سيناريو الأزمة الممتدة من1968 الي1975 والتي أدت الي اندلاع الحرب الأهلية وذلك تحت عنوان فتنة مذهبية هذه المرة جوهرها سلاح المقاومة, لكن هناك متغيرات ربما تبدد المخاوف, فالخلافات حول سلاح المقاومة اليوم تختلف عما كان عليه الوضع في الماضي, فهناك متغيران رئيسيان قد يدفعان شبح اندلاع حرب أهلية جديدة اختير لها عنوان جديد هو الفتنة المذهبية, الأول: أن السلاح في الحالة السابقة كان غير لبناني مع ملاحظة أن لبنانيين كانوا انضموا للمقاومة الفلسطينية ما أضعف شرعية وجود هذا السلاح علي الأراضي اللبنانية, بينما السلاح في الحالة الراهنة سلاح لبناني لا تجدي معه نفعا أي مطالبة له بمغادرة لبنان. والثاني: أنه بينما كانت الكتلة المسيحية في غالبيتها العظمي موحدة ضد سلاح المقاومة الفلسطينية, فإن الوسط المسيحي حاليا منقسم حول سلاح حزب الله بين أغلبية برلمانية للتيار الوطني الحر برئاسة العماد ميشال عون المتحالف مع الحزب والمقاومة, واقلية برلمانية لحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع الداعي لوقف ازدواجية السلاح في لبنان. علي ضوء ذلك, فإن شبح حرب أهلية جديدة تحت مسمي فتنة مذهبية مستبعد ليس فقط لان السياسيين يؤكدون ذلك, ولكن لأن تاريخ لبنان يشهد بأن حروبه الأهلية نشبت جميعها لأسباب طائفية بسبب تركيبة لبنان ونظامه السياسي الطائفي حتي وان حاولت بعض الأطراف اكسابها طابعا سياسيا ووضعها تحت عناوين السيادة والاستقلال, وحتي الحروب المحدودة داخل الطائفة الواحدة جاءت بسبب خلافات حول سبل تعزيز مكاسب الطائفة وامتيازاتها. وعلاوة علي ذلك, فإن بيان الحكومة الحالية الوزاري في ديسمبر الماضي بعد تشكيلها كحكومة وحدة وطنية من قوي14 و18 مارس يؤكد صيغة الشعب والجيش والمقاومة للدفاع عن لبنان, وليس هناك طرف حاليا لديه الجرأة للخروج علي هذه الصيغة, ليس فقط لأن ذلك معناه سقوط الحكومة وانما أيضا بسبب الظروف الداخلية والاقليمية, والدولية.