جدول أعمال جديد لفلسطين د. علي محمد فخرو يستطيع عديمو الضمير والأوغاد الاحتفال بعد أسبوع بمرور ستين عاماً علي اغتصاب أرض فلسطين العربية وتشريد شعبها. وسيتباري مجرمو السياسة والحروب في إلقاء قصائد المديح وآليات التهليل. أما نحن العرب، وعلي الأخص مؤسسات شعب فلسطين، فإننا نحتاج أن نطرح السؤال التالي: هل آن الأوان لتغيير مسار القضية الفلسطينية بشكل شامل وعميق؟ والجواب في اعتقادي هو نعم، وعلي كل الأصعدة. أولاً: هناك حاجة ملحة لتغييرات جذرية في المؤسسة السياسية الوطنية الفلسطينية. فالنظام والواقع السياسي الفلسطيني ارتبط بشكل مفجع بشخصية الرئيس الراحل ياسر عرفات من خلال هيمنته التامة علي منظمة التحرير الفلسطينية أولاً، ثم علي السلطة الفلسطينية التي قامت بعد اتفاقيات أوسلو المشؤومة. ولقد ارتكب الرئيس الراحل أخطاء كثيرة ولكنه علي الأقل وضع في ذهنه خطوطاً حمراء لم يسمح لنفسه أن يتخطاها. لكن ياسر عرفات قد مات وخلف بعده فراغاً هائلاً في الممارسة السياسية الفلسطينية بسبب غياب ممارسة متطلبات المأسسة سواء في منظمة التحرير أم في السلطة. في ظل الجهل والانتهازية والقزامة السياسية ما كان لهذا الفراغ إلا أن يقود الي فاجعة الانقسامات الفلسطينية الحالية والمواجهة بين غزة ورام الله، وإلي دوامة عبث المفاوضات المسدودة الطرق مع العدو الصهيوني. ثانياً: النظام السياسي الجديد يجب أن تضعه كل القوي السياسية الفلسطينية وقوي المجتمع المدني والمؤسسات المنتخبة، ويجب أن يمثل الفلسطينيين في الداخل والخارج، في الأرض المحتلة وفي الشتات. وأول مسؤولياته هو أن يضع خطوطاً حمراء لا يتخطاها أحد علي الإطلاق وذلك بالنسبة لمواضيع من مثل حق عودة اللاجئين والقدس العاصمة ومدي ومستوي وحدود المفاوضات، والعلاقات الفلسطينية مع عمقها العربي والإسلامي، ونوع الدور الذي يسمح للأغراب أن يلعبوه. بل إن هناك أسئلة ملحة تتعلق بمدي امكانية العودة الي فكرة الدولة الفلسطينية الواحدة بعد أن ثبت بصورة قاطعة أن الصهيونية وأمريكا لن يسمحا قط بقيام دولة فلسطينية فاعلة وقادرة بجانب الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة، كما تتعلق بمدي الضرورة لإرجاع القضية برمتها الي أحضان هيئة الأممالمتحدة بعد أن فشلت أمريكا، ومعها أوروبا، في أن يعيدا للشعب الفلسطيني ذرة واحدة من حقوقه، كما تتعلق بالعودة الي مفاهيم الصراع العربي - الصهيوني بعد فشل مفهوم الصراع الفلسطيني - الصهيوني. المهم في الموضوع كله ان ينقشع الغموض الحالي المحيط بالكثير من جوانب هذا الملف وأن تكون كل المواقف والقرارات في المستقبل ممثلة لإرادة الشعب العربي الفلسطيني برمته في الداخل والخارج، وذلك بالتنسيق التام مع أمة الشعب الفلسطيني وليس مع هذا الحكم العربي أو ذاك. ثالثاً: ان القيادة الفلسطينية الرسمية الحالية لم ولن تستطيع قط الخروج من دوامة جدول الأعمال السخيف الذي تضعه أمريكا والصهيونية بشأن الشروط الأمنية للكيان الصهيوني والشروط المستحيلة المطلوبة من أية سلطة فلسطينية. ولذا آن الأوان للمؤسسة الجديدة المطلوب قيامها أن تضع جدول أعمال جديدا للشعب الفلسطيني لا يلتفت إلا لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني التي يرتضيها لنفسه وألا يسمح بعد الآن للضعاف والأقزام أن يقضوا أيامهم ولياليهم في فك ألغاز الأجندة الأمريكية - الصهيونية والاستمرار في لعبة توم وجيري العبثية الطفولية. رابعاً: إن التشابك الحالي بين هذا الفصيل وتلك السلطة، بين هذه الشلة وتلك العائلة، بين هذه المدينة وتلك المقاطعة، بين من يبذلون أرواحهم وبين من يستجدون الفتات في شوارع العالم السياسية.. هذا التشابك يجب أن يحسم بنظام سياسي يعبر عن كل الفلسطينيين ويؤدي الي تقاسم الأدوار لمواجهة العدو وفي كل مكان وبكل الأشكال. عند ذاك لن يصاب الشعب الفلسطيني والشعب العربي بالدُّوار، إذ سيكون النضال الفلسطيني والعربي معبرين عن إرادة الشعب الواحدة الموحدة. عن صحيفة الراية القطرية 8/5/2008