ميدفيدف لصاحبه بوتين حسن مدن في الأدبيات السياسية عندما يتحدثون عن روسيا، يميلون إلى استخدام تعبير “الدب الروسي"، ليس فقط لأن روسيا موطن الدببة، وإنما لأن فيها من صفات الدب الشيء الكثير: الصبر الذي يجد أحد تعبيراته في المقدرة على تحمل العيش في ظروف الصقيع القاسية، وأيضاً الغموض المحيط بالسلوك، لأنك لا تستطيع أن تتوقع ما الخطوة التالية التي سيُقدم عليها الدب.
روسيا الغامضة، المُحيرة، دفعت إلى موقع الرئاسة فيها برجل يحمل تسمية الدب، إذا ما عرفنا أن اشتقاق اسم عائلة الرئيس الجديد آتٍ من مفردة الدب في اللغة الروسية.
قلنا إن روسيا دفعت بميدفيدف إلى الرئاسة، لكن هل تراها كانت ستفعل ذلك من تلقاء نفسها، أي لو لم يوظف رجل الكريملين القوي فلاديمير بوتين كل رصيده الشعبي والسياسي لمصلحة الرجل الذي اصطفاه خليفة له؟
الجواب بات واضحاً، فلقد اختار الرئيس الذي انتهت ولايته أمس واحداً من أخلص خلصائه.
منذ أن أصبحت موسكو عاصمةً بناء على اقتراح من مؤسس الدولة السوفييتية فلاديمير لينين، لم يحدث أن حكم الكرملين شخص من موسكو، فكل الرؤساء السوفييت والروس أتوا إليه من الأقاليم البعيدة.
الرئيس الذي انتهت ولايته والرئيس الجديد لم يشذا عن القاعدة، فهما ليسا من موسكو، ولكن مع ملاحظة أنهما آتيان من المدينة الروسية الثانية، سانت بطرسبورغ، والتي قد تكون أجمل مدن روسيا على الإطلاق، بناها بطرس الأول محاكياً في تصميمها نموذج مدينة البندقية الايطالية لتكون عاصمة القياصرة.
نشأت العلاقة بين بوتين وميدفيدف في تلك المدينة التي ذاع صيتها في الحرب العالمية الثانية يوم كانت تحمل اسم ليننغراد، حيث صمدت سنوات متتالية بوجه الحصار النازي.
كان بوتين عمدة سانت بطرسبورغ، فيما كان الرئيس الجديد محامياً استعان به “العمدة" في تقديم استشارات قانونية، قبل أن يتدرج معه في المناصب، حين أتى بوتين إلى موسكو ضمن الحلقة المحيطة بالرئيس الراحل بوريس يلتسين.
وحين بات متعيناً على بوتين أن يغادر الكرملين لأن الدستور لا يمنحه فرصة إضافية لترشيح نفسه، لم يجد من يطمئن إليه سوى ميدفيدف الذي بالكاد تجاوز الأربعين من عمره.
وستحتاج روسيا، ومعها العالم كله، الى بعض الوقت للتيقن ما إذا كان رئيسها الجديد سيظل ظلاً للرجل الذي دفع إلى دائرة المجد، أم انه سيشب عن الطوق. عن صحيفة الخليج الاماراتية 8/5/2008