مشاغبون.. في القاهرة!! هاني حبيب كانت وفود ممثلي الفصائل الفلسطينية تتجمع بالقرب من معبر رفح للدخول الى جمهورية مصر العربية تلبية لدعوتها بهدف مناقشة مشروع التهدئة الذي ترعاه القاهرة، وفي نفس الوقت، كانت جماهير غزة، خاصة في بيت حانون، تودع أمّاً وأطفالها الأربعة، ضحايا المجزرة الاسرائيلية الاخيرة حتى الآن، الى مثواهم الاخير، وبينما كانت الاجتماعات بين قيادات الأمن المصرية وممثلي فصائل المقاومة، في اليوم التالي، اي أمس الثلاثاء، كرر وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك موقف الدولة العبرية من مشروع التهدئة، عندما اشار وهو يزور مقاطع من "السياج الأمني" الفاصل في الضفة الغربية، اي الجدار الحدودي العنصري، الى ان الوقت لا يزال غير مناسب للموافقة الاسرائىلية على مشروع التهدئة، في وقت كانت مواقع الإنترنت الفلسطينية تتداول أسماء أعضاء الوزارة الجدد، في حكومة غزة. وفي هذا السياق، فإننا نعتقد ان موافقة حركة حماس على مشروع التهدئة الذي طرحته القاهرة قبل اسبوع، سجلت تقدماً واضحاً واستجابة فاعلة من قبل حركة حماس للجهد المصري لإنجاح خطة التهدئة، فقد كانت العقبة الاساسية التي واجهت هذا المشروع تتمثل في الربط بين قطاع غزة والضفة الغربية، اي تهدئة شاملة ومتزامنة في عموم مناطق السلطة الوطنية، تجاهل هذا العنصر من مشروع التهدئة، وموافقة حركة حماس التي اعلنها الدكتور الزهار على تثبيت تهدئة حقيقية، ولو لمدة ستة اشهر، تجنباً لمزيد من الضحايا والدماء ولوقف الحصار مع وقف لإطلاق النار على الحدود بين قطاع غزة واسرائيل. الا ان هذا العنصر، لم يكن كافياً بالنسبة لإسرائيل لإغرائها على الموافقة على مشروع التهدئة المصري، تصريحات متكررة من قبل المسؤولين الاسرائيليين اشارت بشكل واضح الى عدم القبول بتهدئة كهذه، في الوقت الحالي، ونعتقد ان اسرائيل لا ترفض التهدئة ولكنها في الواقع تحاول الضغط من اجل اجراء تعديلات وتحسينات على التهدئة كي تتناسب اكثر مع الرؤية الاسرائيلية، وفي هذا السياق، نعتقد ان الدولة العبرية، من خلال عدم موافقتها على التهدئة بالصورة التي اعلن عنها في القاهرة، تعود الى ان حكومة اولمرت تضغط باتجاه التأكيد على ان اية تهدئة، يجب ان لا توفر فرصة لالتقاط الأنفاس الفلسطينية، خاصة لجهة التزود بمزيد من الاسلحة والذخائر، وعبور الافراد المدربين او "الخبراء"، وذلك من خلال فرض اجراءات على معبر رفح تسمح لإسرائيل بمراقبة الوضع، سواء من خلال المراقبين الاوروبيين او الوسائل التقنية، وإن بصورة غير لافتة وواضحة، مع الاشتراط شفهياً بأن من حق اسرائيل انهاء الهدنة، في حال تأكدها من ان المعبر استخدم بطريقة تهدد الأمن الاسرائيلي، اي الإبقاء على "الفيتو" الاسرائىلي مشرعاً في اية لحظة. يضاف الى ذلك، ووفقاً للرؤية الاسرائيلية للتهدئة، ان مصادر حكومة اولمرت تشير الى ان فشل التهدئة السابقة يعود بدرجة اساسية الى عدم قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على السيطرة على الفصائل، وبروز مواقف متباينة بين هذه الفصائل ازاء جملة من القضايا بما فيها التهدئة، ما جعل استمرارها مستحيلاً، حيث تقوم بعض الفصائل، بالعمل منفردة وخلافاً للاتفاقات، بخرق التهدئة بشكل مقصود، لإحباط خطط وتوجهات فصائل اخرى، ولأسباب داخلية فلسطينية بالدرجة الاولى، من هنا، فإن اسرائيل تريد أن تتأكد من السلطة المهيمنة على قطاع غزة، وفي هذه الحال حركة حماس، قادرة على السيطرة على الفصائل الاخرى، بشكل محكم، للمضي قدماً في تنفيذ بنود خطة التهدئة، القاهرة تدرك هذا البعد الهام في التهدئة، لذلك لجأت ومنذ وقت، بالحوار مع أطراف هامة وفصائل فلسطينية اساسية، بهدف توفير توافق فلسطيني، على الأقل على صعيد التهدئة، لضمان عدم انفراد فصيل بعمل مستقل بخرق التهدئة، الحوارات الجارية الآن في القاهرة، والتي تشارك فيها فصائل عديدة، وربما تلتحق بها تجمعات وجيوب اخرى، تهدف في نهاية المطاف الى إحكام السيطرة على التهدئة، خاصة أن بإمكان اي فصيل، صغيراً كان أم كبيراً، أن يخرق هذه التهدئة ببساطة شديدة، وقد تلجأ القاهرة، في المستقبل القريب ربما، الى استدعاء ممثلي بعض العائلات المسلحة والقادرة ايضاً بدورها على خرق اتفاق التهدئة اذا وجدت فيها مبرراً كي تدعوها القاهرة لزيارتها من خلال مختارها او زعيمها، وباختصار فإن ضمان استمرار التهدئة، من الجانب الفلسطيني يستلزم قدرة هائلة على السيطرة، ليس بالقوة العسكرية فقط، بل باسترضاء اطرافها المسلحة بالدرجة الاولى، وبهذا المعنى فإن القاهرة تجري حواراتها هذه الايام مع مشاغبين لاسترضائهم بغية الكف عن الشغب، على الاقل على صعيد التهدئة التي تسعى القاهرة الى انجازها. اسرائيل بدورها بحاجة الى هذه التهدئة، رغم تمنعها حتى اللحظة عن الموافقة عليها، فالدولة العبرية تريد لاحتفالاتها في اواسط الشهر المقبل أن تمر بسلام، وفي ظرف تهدئة مع الجانب الفلسطيني، خاصة أن هذه الاحتفالات ستتم بمشاركة قادة كبار من كل انحاء العالم، على رأسهم الرئيس الاميركي جورج بوش، اضافة الى عدد كبير من المشاهير والفنانين، ولا تريد لأحد أن يعطل عليها هذه الاحتفالات. العودة الفلسطينية عن شمولية التهدئة للضفة وغزة، تحقق هدفاً اسرائيلياً خطيراً، بالفصل بين جناحي الوطن الفلسطيني الصغير، واتخاذ اجراءات فلسطينية، اضافة الى التهدئة بصورتها الحالية المعلنة، مثل الاعلان عن توسعة الوزارة الجديدة في قطاع غزة، يصب في هذا الاتجاه بصرف النظر عن النوايا والاجتهادات والشعارات، وهذه اسباب كافية في نهاية الامر، كي توافق اسرائيل على التهدئة المطروحة حالياً!!. عن صحيفة الايام الفلسطينية 30/4/2008