تعليقي كان استئنافاً جهاد الخازن كنت أجلس الى يمين الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس الوزراء وحاكم دبي، في افتتاح منتدى الإعلام العربي السابع في دبي، وعرضت عليه صورة للمدينة شغلت صفحتين كاملتين من جريدة «الاندبندنت» اللندنية، وبدا في وسطها برج دبي يناطح الغيم، وعدد من الأبراج والمباني الأخرى. الصورة عكست النهضة المستمرة التي تشهدها دبي، ومِلْت على الشيخ محمد فيما الأخت مريم بنت فهد، المديرة التنفيذية لنادي دبي للصحافة تتكلم من على المنصة، والأخت منى المري، رئيسة النادي تراقب من جانب كأمّ العروس، وأشرت اليهما وزميلاتهما وهمست «البنات أهم من البنايات»، وهو أومأ موافقاً. تعليقي كان استئنافاً لحديث بيننا عمره أربع سنوات أو نحوها، فقد أخذني الشيخ محمد يوماً في سيارة صغيرة ليريني ما هو جديد في دبي، وتوقفنا في مكتب مبيعات مشروع «النخلة» المشهور، وكان في داخله مواطنون من الشبان والشابات يعملون بحماسة ظاهرة. وقال لي الشيخ محمد أن بناء الإنسان هو العمل الأهم إذا كان للبلد أن يتقدم وان ينهض بسواعد أبنائه، لذلك فهو يولي التعليم والتدريب، اهتماماً كبيراً ويأمل بأن يأتي جيل في مستوى التحديات. أعرف أن الشبان والشابات الذين ينهضون بأعباء النادي والمنتدى نجحوا في جعل المؤتمر السنوي من العلامات البارزة، في أجندة المؤتمرات العربية، فهو يستقطب كل سنة بعض أبرز الإعلاميين العرب والأجانب والمثقفين والخبراء. والشيخ محمد يتابع العمل عن كثب فالنادي فكرته في الأساس، وقد حضر حفلة الافتتاح التي ألقى الكلمة الأولى فيها الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد، نائب حاكم دبي، وعكست كلمته التركيز المتواصل على توفير فرصة لتبادل الآراء في شأن القضايا ذات العلاقة بمستقبل العمل الإعلامي في الوطن العربي. الشيخ محمد حضر أيضاً حفلة توزيع الجوائز في اليوم التالي، وقدم للأخ مكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين المصريين، جائزة شخصية العام الصحافية، ولي جائزة أفضل عمود صحافي. وشمل الاحتفال لمسة نبيلة بتكريم ذكرى الراحلَيْن نقيب الصحافيين العراقيين شهاب التميمي والإعلامي والسياسي الكويتي أحمد الربعي، وشهد حوالى 600 مدعو فيلماً عن كل من الراحلَين. وأبدى الشيخ محمد اهتماماً خاصاً بأسرة شهاب التميمي. مؤتمر هذه السنة كان موضوعه «التكنولوجيا وتكامل الإعلام العربي». وشاركتُ في جلسة العمل الأولى وموضوعها «التحولات تغيّر القالب التقليدي للإعلام العربي»، واخترت أن أبدأ بالإشارة الى الوصول بالطائرة الى بلد ما والكابتن يقول: قدموا الساعة ساعتين، أو أخروها ثلاث ساعات لتتفق مع التوقيت المحلي. وقلت انني انتظر أن أسمع يوماً كابتن طائرة يقول: نحن الآن في بلد عربي. أخّروا الساعة عشرين سنة. بما اننا متأخرون عن العالم سنوات، فقد رأيت ان استرشد بما تتعرض له الصحافة الغربية من تغييرات، لأقدر ما سيحدث في بلادنا بعد تلك السنوات العشرين. غير أنني اعترفت للشيخ محمد بأن تأخر العرب عن ركب العالم لا ينطبق على دبي، فهي تبدو متقدمة عن بقية العالم خمس سنوات. ولعل الأمر انها الشذوذ العربي الذي يثبت القاعدة. والموضوعية تقتضي أن أسجل ان بلداناً عربية عدة بدأت تلحق بالركب مستفيدة من الارتفاع الهائل في أسعار النفط. وان كان لي من تعليق واحد للجميع، فهو أن بناء الإنسان أهم كثيراً، لأن الحجر والحديد والألومينيوم غير منتجة. بقي المؤتمر هادئاً حتى الجلسة ما قبل الأخيرة التي كان موضوعها «وثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية»، فقد كان النقاش صاخباً مع ان الحاضرين اتفقوا على رفض الوثيقة، بل رفض وزراء الإعلام، وأرفض مع الرافضين، ولكن أسجل أهمية نقطة يتيمة في الوثيقة هي تأخير بث البرامج الخاصة بالبالغين الى ما بعد ساعة معينة من المساء، فهذا أسلوب متبع في محطات التلفزيون الغربية، ونقطة التغيير هي عادة التاسعة مساء، واسمها Watershed mark. أسفت لأن الأخ صلاح الدين حافظ لم يعط فرصة للتعليق على الوثيقة فهو أكثرنا خبرة بها. إلا ان مديرة الجلسة المذيعة القديرة منتهى الرمحي من تلفزيون «العربية»، لم ترَ يده المرفوعة أو يدي وأنا أحاول لفت نظرها نحوه، مع كثرة الأيدي المرتفعة. ولو تحدث صلاح لكان قال ان الوثيقة بدأت كفكرة مع وزراء الداخلية العرب الذين يجتمعون في تونس، وانها حُوِّلت الى وزراء الإعلام، والصياغة استغرقت ستة أشهر، والهدف تكميم الميديا ومنعها من انتقاد من يستحق النقد. وزير الإعلام موظف مهمته ان يكذب نيابة عن حكومته لذلك أجده مهماً ولا أطالب بإلغاء عمله، لأنه اذا نفى خبراً نعرف أنه صحيح، واذا أكده فهو غير صحيح. وفي جميع الأحوال فأنا لا أصدقه حتى لو اعترف بأنه يكذب. منتدى الإعلام العربي كان ناجحاً ككل مؤتمر سابق منذ عام 2001، فننتظر مؤتمر السنة القادمة والجديد الذي سيقدمه. عن صحيفة الحياة 29/4/2008