حين يتكرر الاعتداء على المقدس عيدة المطلق قناة وتتكرر الإساءات للإسلام والمسلمين، ويتوالى الاجتراء بوتيرة أسرع على الله ورسوله في الكتابات الفكرية والإعلامية، والإبداعات الغربية، من رسوم وصور وأفلام تعرض من خلال السينما والتلفاز ومواقع الإنترنت وحتى في لعب الأطفال. وتتعدد مستويات المسيئين ووسائط إساءاتهم فمن محاضرة لأكبر رأس للكنيسة الكاثوليكية، إلى رسوم كاريكاتورية لرسام مغمور باحث عن شهرة، إلى فيلم مسيء للقرآن الكريم ينتجه سياسي متطرف أحمق، إلى فيلم كارتوني يتناول أمهات المؤمنين (زوجات الرسول الكريم) لسياسي حاقد مرتد، وليس انتهاء بالإساءات المعتادة في تصريحات الساسة والاستراتيجيين والمفكرين الغربيين وقراراتهم وممارساتهم السياسية،وتجلياتها الإعلامية والسياسية والتشريعية والتي من بينها قوانين ما يسمى ب"الإرهاب"، وقوانين التنصت، ومنع الحجاب الإسلامي في مدارس فرنسا وبلجيكا وألمانيا وعدد من الدول الأوروبية.
وتتسع قاعدة المسيئين وصناع الفتنة لتتحول إلى تيار يضم صحافيين وكتاباً ورسامين وفنانين وبرلمانيين وأحزاباً سياسية، وزعماء وقادة دول، وانتهاءً بكبار رجال الدين، وتتنوع معهم الإساءات كذلك، فالحملة ضد الاسلام والمسلمين التي تصيب المعتقد والمقدس لم تقف عند القرآن الكريم ومقام النبوة، بل تجاوزتها إلى شخص المسلم رجلاً كان أو امرأة وجماعة المسلمين بعامة، ناهيك عما يجري من مطاردة لكل ما هو إسلامي على مستوى التشريعات والسياسات والممارسات، لقد وصل الأمر حد تكريس وترسيخ العنصرية والكراهية في نفوس وعقول الأجيال عبر النظام التربوي والإعلامي والنسق الاجتماعي، لتكون مخرجاتها في نهاية المطاف أناسا مهووسين بالحقد والكراهية والتطرف من أمثال جيرت فيلدرز، والمخرج “ثيو فان جوخ"، والكاريكاتيري الدنماركي “كورت فيسترجارد".
ويتوقف المرء أمام هذا المد من الكراهية والعنصرية في محاولة لسبر الأسباب والبواعث فيجد اختلاف المحللين في تفسير هذه الحملة المنسقة والمتعمده، فمنهم من يرى أن أسبابها تكمن في التقصير والتقاعس العربيين في نشر وتجسيد رسالة الإسلام على مستوى الحكومات و الشعوب،. وآخر يعزوها إلى الخوف المتنامي لدى الأوساط الغربية من تنامي الحالة الإسلامية في الغرب،والخوف من اختلال الهوية الأوروبية، وعليه فقد وجدت الطبقة السياسية والاجتماعية النافذة من الإساءة والاستفزاز وسيلة لتأليب الشعوب الأوروبية على الوجود الإسلامي المتنامي بداخلها، فشجعت على استهداف المسلمين واستفزازهم واستثارة غضبهم للخروج بمظاهرات غاضبة واجتراح أفعال عنفية ضد المجتمع وممتلكاته لتتخذها السلطات والحكومات ذريعة لتمرير ما تريد تمريره من تشريعات عنصرية تضيق بها على المسلمين (قانون الإرهاب مثلاً).
في حين يرى ثالث أن موقف الشعوب الأوروبية الرافض لما تعانيه المنطقة العربية والإسلامية من احتلالات واعتداءات وانتهاكات من قبل السلطات والحكومات الغربية، جعلت اليمين المتطرف - المؤيد لهذه الاحتلالات والمحرك لها يسعى بكل الوسائل للبحث عن مبررات لاستمرار حملات الاعتداء، فوجدها في إعادة تشكيل الصورة الذهنية عن المسلمين على أنهم مجموعة من المتطرفين الهمج الذين لا يعرفون سوى القتل والحرق وإهانة رموز الدول وأعلامها.
أما ما يتذرع به فريق آخر من أن هذه الحملة تدخل في إطار “حرية التعبير"، (وهو الشعار الذى رفعته دولة كالدنمارك لتبرير التطاول على الإسلام وتكرار الإهانات) إنما هو تبرير واه سرعان ما يسقط عند أول المحكات، ومنها ما يتجلى في موقف النائب الهولندي المتطرف (جيرت فيلدرز) فباسم حرية التعبير أصر على عرض فيلمه “الفتنة" (المسيء للقرآن الكريم) وفي الوقت نفسه يطالب بحظر قانوني على المصحف في هولندا، بما يتناقض مع مبدأ “حرية التعبير"، ومن المفارقات التي تأتي في هذا السياق، أنه في الوقت الذي تصدح فيه أوروبا بقدسية حرية التعبير فإن ولايات ألمانيا تنوي وضع قانون لمعاقبة من يقوم بتلويث الحوائط برسوم نازية لاستخدامها لأغراض سياسية مثل رسم “الصليب المعقوف"،. ومنها كذلك أنه حين انتقد “برونو فيغ" (مسؤول فرنسي كبير يشغل منصب نائب لمحافظ إحدى مديريات جنوب غربي فرنسا) سجل “إسرائيل" في حقوق الإنسان، تم إيقافه عن عمله على الفور، وأبعد عن منصبه، دونما اعتبار لحق هذا المسؤول في ممارسة حقه في التعبير.
لقد تجاوزت سلسلة الإساءات الغربية للإسلام والمسلمين ورموزهم ومقدساتهم كافة القيم والخطوط الحمر في احترام الرموز الدينية ما يخرجها عن نطاق حرية التعبير والرأي، بل إنها في قبحها وتكرارها واستهدافاتها تشكل انتهاكات صارخة وصريحة لتلك الحرية.
فما هو المطلوب في مواجهة هذا الكم والمستوى من التحدي والتطرف المسيء؟ إن المطلوب موقف قومي إسلامي جامع وقوي وموحد يضع في حسابه استخدام لغة المصالح، لما لها من تأثير، موقف قادر على جعل الآخر يعيد ترتيب أولوياته، موقف صلب قادر على أن يفرض الاحترام والهيبة، وأن يستدرج الاعتذار العملي الإجرائي - بل التوبة - وطي صفحة من صفحات الصراع التاريخي المدمر، إذ لا فائدة من مواقف رسمية وبيانات استنكار تقليدية، وحتى لا فائدة من مظاهرات عفوية تنفس الغضب وتصرفه بعيداً عن الهدف.
ولنتذكر أن التطرف الوقح والقبيح لا شك سينتج عنه تطرف مضاد يقود إلى مستقبل دموي في العلاقة بين الأمم والشعوب، فلنتحرك شعوباً ومؤسسات وحكومات قبل أن تصل الأمور حد الانفجار حين تفقد المهدئات مفعولها. عن صحيفة الخليج الاماراتية 24/4/2008