الغضب وحده لا يكفي لمواجهة حملة الكراهية رجب البنا توالت الأنباء على رؤوسنا كالمطارق استفزازا لمشاعر المسلمين في أنحاء العالم، أعلنت الشرطة الدنماركية القبض على ثلاثة أشخاص بتهمة التخطيط لاغتيال رسام الكاريكاتير الذي أثار ضجة برسومه المسيئة للرسول الكريم، وعلى رأسه قنبلة كعمامة، ولم تعلن الشرطة أدلة تثبت جدية الاتهام كما لم تعلن انتماءات المتهمين، وجاء رد الفعل العدائي من 11 صحيفة دنماركية بإعادة نشر هذه الرسوم وبعد أيام أعلن وزير الداخلية الألمانية أن الصحافة الأوروبية حرة وتستطيع أن تنشر ما تريد وكان في تصريحه تحريض على التوسع في نشر مثل هذه الإساءات. وفي أحد أقاليم النمسا، صدر قانون يمنع بناء المساجد وقال حاكم الإقليم إن على الجميع التحلي بالشجاعة للوقوف في وجه هذه الأسلمة التي تزحف على أوروبا وتمثل ثقافة مختلفة تماما، وفي هولندا ظهر فيلم يسيء إلى الإسلام، وفي الولاياتالمتحدة فيلم يباع على نطاق واسع يظهر أن العنف من طبيعة الدين الإسلامي ويحرض على معاداة المسلمين باسم الحرب ضد الجهاد. وتزامن ذلك مع استضافة معرض باريس للكتاب «إسرائيل» كضيف شرف هذا العام .. وربما كان ذلك تعبيرا عن وعود الرئيس الفرنسي بدعم إسرائيل في أثناء زيارته لها والتي اعتبرها «معجزة القرن العشرين». والإساءة إلى الإسلام في السينما الأميركية منتشرة على نطاق واسع، والصورة النمطية للعربي والمسلم فيها أنه رجل يلبس جلبابا وعمامة، شرير، ماكر، شاغله الأول قتل الآخر وتفجير المباني وخطف الطائرات حتى أن الناقد الأميركي جاي ستون كتب مرة يقول هل يمكن أن تخرج صورة العربي أو المسلم في السينما عن تصويره على أنه واحد من ثلاثة : مليونير .. إرهابي .. عربيد .. فأين العرب والمسلمون العاديون، ومتى تتوقف هوليوود عن هذه الحرب؟ وباختصار فإن الصورة الذائعة في الإعلام والفن في الغرب عموما عن المسلم تقدمه على أنه يفتقد الوجه الإنساني ويعيش حياة بدائية أو في قصور مليئة بالحريم والخدم، وإذا كان الكاتب الأميركي الشهير مارك توين كتب في القرن التاسع عشر في كتابه «أبرياء بالخارج» أن أتباع محمد متوحشون، عيونهم قاسية ومليئة بالكراهية، فإن كتابات وأفلاما عديدة في القرن العشرين قدمت المسلم على أنه تاجر عبيد، وإرهابي، يصلي قبل أن يقتل الأبرياء .. ويعادي الحضارة .. ولا هدف له إلا تدمير أميركا وإسرائيل .. الخ. ومنذ سنوات قدمت محطة بي . بي . سي البريطانية مسلسلا من عشر حلقات بعنوان « العرب» صور فيه الإسلام في السودان على أنه ديانة «الدراويش» وفي مصر والجزائر «العنف» وهكذا في بقية الدول الإسلامية، ويقول زهير كشميري في كتابه «الخليج من الداخل» إن موجة العنصرية المعادية للعرب والمسلمين تجعلهم مصنفين على أنهم في خندق العدو، وزاد الحال بعد تفجير مركز التجارة العالمي في فبراير 1993 ثم وصل إلى الذروة بعد أحداث سبتمبر2000، وانتهزت الصحافة وشبكات التليفزيون الفرصة لتصوير المسلمين على أنهم جميعا إرهابيون وأن طالبان والقاعدة هما التعبير عن حقيقة الإسلام، وهذا ما كتبه يوما الكاتب الأميركي ليسلي جيلب في صحيفة نيويورك تايمز عن أن الإسلام من حيث المبدأ لا يعترف بالتعايش، وكذلك كتب ريتشارد كوهن في صحيفة واشنطن بوست، أن الخوف من الإسلام متأصل في الثقافة الغربية. ومنذ أيام حاول المفكر الفرنسي ريجيسي دوبريه أن يقدم تفسيرا لهذا العداء في حوار على شاشة إحدى الفضائيات، أولا : بالجهل بحقيقة الإسلام، وثانيا : أن الصور والأحداث الإرهابية التي يقوم بها مسلمون يعلنون أنهم يعبرون بذلك عن دعوة الإسلام، وثالثا : إن الإعلام والتعليم والثقافة الغالبة في الغرب تجعل لدى كثيرين مفهوما مشوها عن الإسلام، ورابعا : أن الغرب يؤمن بحرية الرأي، وبالعلمانية، ولا يعرف الغربيون «المقدس»، ولذلك لا تحدث مثل هذه المظاهرات في الغرب عندما تنشر رسوم كاريكاتورية عن المسيح أو تعرض أفلاما تقدم المسيح بصورة مختلفة عما في الكتب المقدسة، وقال إن حضارة الغرب قائمة على الإنسان وتضع قضية الإله على جانب، وأضاف أيضا أن المحرقة التي كان ضحيتها اليهود عمقت في الغرب الشعور بالذنب، ويحاول الغرب تبرير هذه الجريمة على حساب العرب والمسلمين ! القضية إذن ليست قضية الرسوم الكاريكاتورية ولا الرسام الدنماركي، فالدنمارك ليست كتلة واحدة حتى نعاديها، ففيها أعداء وفيها أصدقاء، وهي من أكبر المانحين للفلسطينيين وفي الوقت نفسه فيها تيار ضد المهاجرين عموما والعرب والمسلمين خصوصا، وفيها حرية صحافة، وحرية شخصية وصلت إلى إباحة زواج الشواذ، وفيها اتجاه يدعو الى عدم الالتزام بالنص الإنجيلي وإعادة تفسير هذه النصوص في ضوء الظروف المتغيرة، ومعنى ذلك أن القضية كبيرة، وقديمة، وتحتاج إلى تعامل أكثر فاعلية من مجرد انفجار الحناجر في المظاهرات هنا دون عمل جاد ومستمر ومخطط هناك. إن سجل الإساءة إلى الإسلام قديم جدا- منذ بداية ظهور الإسلام وإلى اليوم- وضخم جدا، ولقد حاولت أن أرصد بعض الأحداث والمواقف المعادية للإسلام والمسلمين في كتابي « صناعة العداء للإسلام»، ولكني لم أستطع أن أسجل كل هذه الأحداث والمواقف في كتاب واحد، فهي في الحقيقة تحتاج إلى عشرات - بل مئات - المجلدات، وعلى سبيل المثال فإن عاما واحدا- عام 2006- شهد ما يفوق الحصر، من أمثال اتهام الرئيس جورج دبليو بوش للإسلام بالفاشية، واتهام بابا الفاتيكان للإسلام - في محاضرته الشهيرة- بالعنف وبأنه دين لا يؤمن بالعقل، واتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نشر الإسلام بالسيف، وأن دين الإسلام جاء بأفكار ودعوات شريرة وغير إنسانية، وبعدها دعا وزير إيطالي لاستخدام العنف ضد المسلمين وقال إن المسلمين لا يفهمون غير لغة العنف والقوة، ثم دعا الزعيم الهولندي المتطرف جيرت فيلدرز إلى منع تداول القرآن وطبعه ثم إنتاج فيلم مسيء للإسلام، واحتفال الصحافة الهولندية بقول أحد الهولنديين من أصل إيراني ارتد عن الإسلام إن الرسول الكريم مثل بن لادن (استغفر الله ) ومنذ أيام شنت الصحافة البريطانية حملة ضد دعوة كبير الأساقفة البروتستانت روان وليامز إلى تطبيق بعض قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية على المسلمين في بريطانيا. قيل في تفسير تزايد حملات العداء للإسلام إن مصدرها من قادة المذهب البروتستانتي الذي يؤمن بحق اليهود في أرض فلسطين، وقيل أيضا إن معظم شعوب الغرب لا تتمسك كثيرا بما في الأديان من مقدسات، كما قيل بأن المخاوف في الغرب من الإسلام لها سبب آخر عبرت عنه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بقولها إن الإسلام أصبح أسرع الأديان انتشارا، ونشرت في فرنسا توقعات بأن المسلمين فيها سوف يشكلون 30% من سكانها بعد 20 عاما إذا استمر معدل تزايد أعدادهم على نفس المنوال الحالي، وإن هذا ما سيحدث في هولندا واستراليا وروسيا وقد تزايدت النسبة في روسيا إلى50% من السكان، وهذا ما دعا زعماء الكنائس في أوروبا إلى إطلاق تحذيرات متكررة من المد الإسلامي في الغرب بسبب تزايد هجرة المسلمين، وتزايد نسبة المواليد بينهم مع انخفاض معدلات المواليد في الغرب إلى حد أن تعداد بعض الدول الغربية يتناقص. وبالإضافة إلى هذه الأسباب فإن بعض الدارسين الغربيين - مثل المستشرق الألماني وات- يعترفون بأن الباحثين الغربيين لم يقدموا صورة صحيحة عن الإسلام وحرصوا على أن يقدموا صورة مشوهة عن هذا الدين لكي ينفروا الغربيين منه لأسباب سياسية معروفة، وفي رأي الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري أن الهدف الرئيسي للمسيحية والإسلام واحد هو الإيمان بالله وهذا ما ينبغي أن يعمل المفكرون والمؤسسات الإسلامية على توضيحه وترسيخه بكل الوسائل المتاحة في الغرب حتى يمكن مواجهة الدعاية المضادة التي ترجع جذورها إلى فترة الحروب الصليبية والتي لا يزال أثرها باقيا إلى اليوم في العقل الغربي، ومن الضروري أن نوضح للشعوب - وللنخبة طبعا- في الغرب أن الإسلام يعترف بالمسيحية والسيد المسيح ويعتبر الإساءة إليهما من المحرمات على المسلم، بل إن الرسول الكريم بنص القرآن آمن بما أنزل من قبله من الأديان والكتب والرسل وكذلك آمن بهما المؤمنون بالإسلام ولا يزالون يؤمنون بها أبد الدهر، أي أن القضية قضية فهم مغلوط، وخطأ في التفسير والشرح، وسوء القصد موجود طبعا لا يمكن إنكاره أو تجاهله. المهم ألا نقتصر على السؤال: لماذا يعادي الغرب الإسلام وأن نتوقف أكثر عند السؤال: ماذا فعلنا، وماذا يجب أن نفعل في الغرب- وليس في بلاد الإسلام فقط- لكي نواجه حملة الكراهية بالحكمة والموعظة الحسنة ونجادلهم بالتي هي أحسن كما أمر الله ورسوله الكريم؟ عن صحيفة الوطن القطرية 9/3/2008