"عروبة " رايس ! زهير ماجد لكأن الاصوات في العراق خفتت او تلاشت حتى انبرت وزيرة الخارجية الاميركية كوندويزا رايس للتشديد على عروبة العراق. اختطفت تلك الوزيرة مفهوما مغايرا لكل سياسات الولاياتالمتحدة عبر تاريخها الحديث لترفع راية فوق بلاد الرافدين مفترضة ان معناها في هذه الظروف مناقض تماما لما يتأمل به البعض من تغيير وجه ذلك البلد العروبي. الهوس الاميركي يريد شد عصبية العراقيين بعدما افلت من يد الاميركيين القدرة على محو تلك الكلمة التي تعني الكثير لابناء الرافدين ، وبعدما تكاثرت الايحاءات بان الايراني قد ينجح في املاء فراغ انتمائي لدى فئة عراقية فيصير ملحقا بها ضمن مسؤوليات وترتيبات لها تأثيرها الفاعل في المستقبل. لعل كلمة " عروبة " في اطارها الوجداني العراقي كاد ان يمحوها الاحتلال من قاموس العراقيين حين اجتث جميع القوى القومية وعلى رأسها حزب البعث العراقي. لكن العروبة بمفهومها الاميركي هي غيرها بمفهومها الحقيقي الذي جاء من التاريخ ومن الجغرافيا ومن معدنها الصلب الذي يحاكي الوجود العربي برمته. فالاميركي يريد " عروبة " عنصرية قوامها النفي لكل من لايريد التعامل مع الاحتلال ، بل هي " عروبة " مستقاة من الترجمة الاميركية الحديثة لها والتي باتت متداولة بين " مفكرين " عديدين حول العروبة الحديثة او " تجديد العروبة " او " العروبة المجددة " وهي آراء كمن يريد مواكبة النص السياسي الحديث للوقائع العربية الآنية باعتبار ان " العروبة القديمة " شاخت او مضى عيها الزمان ويفترض التغيير في متنها وانها المسؤولة عن الواقع العربي المر حاليا. ويحدث في لبنان ان البعض من هؤلاء يكتبون اليوم ضمن اتجاهات " التجديد " هذا وخاصة ضمن تيار المستقبل الذي يتزعمه النائب سعد الحريري ، ولعل هذا المفهوم يتقاطع مع التوجه المخفي والواضح الذي يتزعمه سمير جعجع في مفهوم الثقافات المختلفة. كان لافتا ان تتحدث الوزيرة رايس عن عروبة العراق بهذه القوة وبهذا المنطق الذي يأتي في لحظة المتغيرات داخل العراق. فبعد ان اسقط العراقيون امكانية اجهاز المؤامرة على وحدة المسلمين وبالتالي على وحدة العراق بكل طوائفه واثنياته ، وبعد ان قدم الشيعة على سبيل المثال نموذجا في الارتباط العروبي بالمجاهرة العلنية في تحالفهم مع السنة الذين قدموا شهادات في هذا الأمر ، توصل الاميركي الى القناعة شبه النهائية استحالة نجاح فرز مذهبي ، فلا الشيعة غلبوا علاقتهم مع ايران على انتمائهم الوطني ، ولا السنة تراجعوا عن ارتباطهم العضوي بعروبة العراق ، وبدا دائما ان الوجه الحقيقي للعراق لايمكن لاية معادلات ان تؤثر على اتجاه ريحه العاصفة اتجاه تبنيه العروبة خيارا باعتباره العمق الوجداني الثابت الذي لاتزحزحه اية علاقات مع المحيط وخلافه. انشغل الاميركي قديما بدحض فكرة العروبة التي تجمع العراق بأشقائه العرب الممتدين بين المحيط الاطلسي والمحيط الهندي ، هذه الفكرة لم تقم على عصبية ولا على انزواء ، انها انفتاح على الآخر وعلى العالم وله مقاصده الثمينة في انه من ثوابت الامة ومن مظاهرها التي لن يغير فيها الزمان كما لن تغير فيها الاحداث مهما صعبت او سهلت ، وهي مفهوم يسري في عروق كل عربي ينتمي الى هذه الامة دون ان يعني اصطدامها بالآخر الذي لايجاريها هذا المفهوم. اعتقدنا للوهلة الاولى ان رايس باتت من مفكري " العروبة " وانها في سبل تأسيس حزب قومي عربي جديد ..! عن صحيفة الوطن العمانية 22/4/2008