"بوسطة" عين الرمانة حسن مدن لا يقف اللبنانيون أمام الثالث عشر من نيسان/ ابريل 1975 حين يمر عليهم كل سنة بوصفه ذكرى.
كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك فينقلون ما تبقى من “بوسطة" عين الرمانة الشهيرة التي منها اندلعت شرارة الحرب إلى متحفهم الوطني، أو إلى أي متحف لبناني آخر، ويُزنروا ما حولها بالحبال أو السلاسل كي لا يلمسها الزوار على جري العادة في متاحف الدنيا.
وأمامها يقف دليل أو دليلة تشرح لتلاميذ المدارس تفاصيل ما جرى في هذه “البوسطة" في ذلك اليوم الدامي، ودعوتهم أن يتعظوا من هول ما جرى لبلادهم وأسلافهم فلا يكررون الخطيئة ذاتها حين يكبرون.
في الإصرار على ألا تنقل هذه “البوسطة" إلى المتحف ما يشير إلى أن أمراء الحرب في لبنان وفي المنطقة لم يحسموا بعد أمر أن يجعلوا منها ومن التاريخ الذي ارتبطت به ذكرى.
كأن شبح الحرب ما زال يجول لا حول “البوسطة" وحدها، إنما في أرجاء البلد كله الذي كلما أوشك أن يتعافى من محنته، شُدّ إلى مناخات الحرب الأهلية ذاتها.
في كلماتٍ أخرى، فإن الثالث عشر من نيسان حين يمر على اللبنانيين لا يُذكرهم باندلاع حربٍ ماضية، يفترض فيها أنها ألقت بأوزارها، وباتت في ذمة التاريخ، كما يقتضي ذلك منطق الأمور.
هذا اليوم حين يمر يجعل اللبنانيين يتحسسون أبدانهم للاطمئنان على أنها، مازالت، في مأمن من مخاطر حربٍ كامنة أو محتملة تقيم بينهم، ويمكن أن يندلع أوارها في أية لحظة.
وهو حين يمر أيضاً يخيفهم من مستقبلٍ مجهول، مظلم، ينتظرهم، لأنهم لا يجدون في حاضر بلادهم ما يحملهم على الثقة في غدهم.
إزاء مأزق لبنان لا جدوى من المواعظ. فليس اللبنانيون في حاجةٍ لمن يقول لهم ما الذي تعنيه الحرب، فقد خبرت أجيال منهم ويلاتها وكوارثها، حيث منذ زمن لم ينشأ جيل لبناني في مناخٍ آمن.
في معنى من المعاني يبدو لبنان ضحية مخطط أحمق الخطى زُج به في أتون متاهة من العبث والدم والجنون، للدرجة التي تجعل السؤال منطقياً: أهو عقاب للبنان لأنه بهذا القدر من الجمال والفتنة الآسرة التي تبعث الغيرة منه ومن أهله لدى حُساده الكُثر؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 16/4/2008