كيف سيتدبر اللبنانيون أمرهم؟ د. حسن مدن أي خطاب يحتاج إليه لبنان اليوم ليسود فيه؟ خطاب التهدئة والبحث عن التسويات والحلول الوسط، وقطع الطريق حتى منتصفه من قبل كل طرفٍ من طرفي المعادلة الداخلية لبلوغ الطرف الثاني، المُطالب هو الآخر، بأن يقطع المسافة نفسها، أم خطاب التصعيد والتهديد بالويل والثبور وحرق الأخضر واليابس، مع ما يستتبعه ذلك من تمترس في آخر حدٍ من كل جهة، وهو الحد الذي ليس بعده سوى السقوط في الهاوية؟ محير ومخيف هذا الخطاب الذي يجري تداوله في لبنان، كأن اللبنانيين لم يكتووا بنيران حربٍ أهلية مديدة مدمرة، أكلت، فعلاً، الأخضر واليابس، وأعادت لبنان المزدهر، المتألق، المشع، عقودا إلى الوراء، لا يزال حتى اليوم عاجزاً عن تعويض الخسائر الجسيمة التي تعرض لها، بلداً وشعباً. والمحزن أن مناخ التصعيد والاحتقان السائد بات ينتج لغة أقرب إلى السوقية والابتذال، لا تليق بفرقاء سياسيين يفترض فيهم، رغم اختلافهم، أن يحافظوا على درجة من الاتزان والعقلانية والروية والإحساس بالمسؤولية، لأن مثل هذه اللغة حين تصدر من أفواه رجال سياسة كبار يتزعمون مجموعات وطوائف وميليشيات لا يمكن لها إلا أن تؤجج أوار الفتنة، وتدفع بالأمور، من حيث شاءوا أم لا، إلى مزالق الانفجار المريع الذي يمكن أن يدفع بلبنان إلى جحيم الدمار والموت مجدداً. في أتون الحرب الأهلية المدمرة التي عاشها لبنان منذ منتصف السبعينات كان بالإمكان معرفة خطاب يريد أن يخرج بلبنان من تلك المحنة الدامية نحو الخلاص من الطائفية ومن فساد النظام السياسي، نحو آفاق التطور الحر، الديمقراطي، الذي لا يمكن أن يكون إلا بتأكيد الهوية العربية لهذا البلد، ووراء مثل هذا الخطاب وقف قادة أفذاذ من وزن كمال جنبلاط. كان ثمة قضية عادلة، تخطت، أو في أقل الأحوال، سعت إلى تخطي الإطار الطائفي الضيق، وصمم أصحاب هذه القضية أن يقدموا خطاباً وطنياً جامعاً عابراً للطوائف ومتجاوزاً لشرنقاتها. ورغم أن الحروب، في حالاتها الأعم، حروب عبثية، لكن آلافاً من الشبان اللبنانيين الذين ضحوا بحياتهم في محرقة تلك الحرب كانوا يحلمون بوطن لبناني، عربي، ديمقراطي، حر. فبأي لبنان يُبشر اليوم قارعو طبول الحرب الأهلية التي يريدونها حارقة للأخضر واليابس؟ وهل يمكن أن ينتج عن خطاب مثل هذا سوى نذر الشؤم الذي لن يبقي ولن يذر؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 12/2/2008