من يسدد الفواتير؟ احمد عمرابي ماذا يمكن أن يتحقق من إنجازات بناءة لو صرفت ثلاثة آلاف مليار (نعم مليار وليس مليونا!) دولار على مشروعات غير عسكرية؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي طرحه الاقتصادي الأميركي المرموق جوزيف ستيغلتز من خلال كتابه الصادر حديثاً بعنوان «حرب التريليونات دولار الثلاثة». أجل.. هذا المبلغ الأسطوري هو التكلفة الحقيقية للحرب الأميركية في العراق حتى الآن كما حسبها هذا الخبير، لا كما تحسبها حساب النقصان التضليلي أجهزة السلطة الأميركية.
بذهنيته الاقتصادية النافذة التي تخترق الحجب والتي أكسبته جائزة نوبل في الاقتصاد يستخدم ستيغلتز قواعد الربح والخسارة بغاية من الدقة والنزاهة الموضوعية فيتساءل: ماذا لو استثمرت هذه الأموال الضخمة في مشاريع تنموية لتشكل إضافة جديدة للاقتصاد الأميركي بدلاً من هدرها على آلة الحرب والدمار؟.
ويجيب على التساؤل قائلاً إن إنفاق ثلاثة مليارات دولار على مشاريع مدنية اقتصادية داخل الولاياتالمتحدة يكفي لبناء ثمانية ملايين وحدة سكنية وتشغيل 15 مليون معلم في المدارس ومنح رعاية صحية لنحو 520 مليون طفل، علاوة على إعطاء منح دراسية لنحو 43 مليون طالب جامعي لمدة أربع سنوات، لكن التساؤل الذي لم يطرحه المؤلف هو: ماذا لو أنفقت الإدارة الأميركية هذه التريليونات على مشاريع في عدد من بلدان العالم الثالث بما فيها العراق نفسه؟
الآن على أية حال لم يدخل الاقتصاد الأميركي مرحلة ركود حاد فحسب بل أيضاً أصبحت الولاياتالمتحدة موعودة بنفقات باهظة سيترتب عليها أن تواجهها خلال سنوات مقبلة، في مقدمتها تكلفة الآلاف من الجنود الجرحى الأميركيين لبقية حياة كل منهم، وهكذا تتعدد الخسائر وتتنوع، وبينما لا يحدثنا المؤلف كثيراً عن قيمة ما حاق بالعراق من دمار شامل.
إلا أنه يشير إلى أنه من بين التريليونات خصص مبلغ 19 مليار دولار فقط لتمويل برامج تعمير في العراق، لكن هذا المبلغ على ضآلته النسبية أنفق على أغراض عسكرية فقط داخل الأراضي العراقية، وبشعور من الأسف يقول الكاتب إن التريليونات المهدرة لو استخدمت لأغراض التعليم والتكنولوجيا والبحث العلمي لكانت الولاياتالمتحدة أقوى مما كانت عليه قبل الحرب، وهو عكس ما هو عليه الحال الآن.
لكن الأمر لا يتوقف عند الخسائر المادية. فهناك خسائر معنوية وسياسية أبرزها ما يلي:
الولاياتالمتحدة خسرت الحرب بينما لم يحدث أي تقدم سياسي في العراق، وتعاظمت كراهية الشعوب العربية والإسلامية للولايات المتحدة، ضعفت أميركا بينما ازدادت قوة إيران التي كانت تريد واشنطن إضعافها وكذلك ازدادت قوة المنظمات التي تعتبرها أميركا منظمات إرهابية، ويضاف إلى ذلك ما حاق بالشعب العراقي من خسائر بشرية، حيث بلغ عدد القتلى المدنيين نحو 700 ألف شخص.
ويطرح المؤلف سؤالاً أخيراً: هل هناك رابح.. ومن هو؟ ويخبرنا على الفور، الرابح والمستفيد الأكبر من الحرب يتمثل في شركات صناعة الأسلحة الأميركية بالدرجة الأولى تجار الحروب، والحديث هنا أيضاً بالأرقام: ارتفعت قيمة أسهم جنرال داينامك بنسبة 134 في المئة ورايثون بنسبة 117 في المئة ولوكهيد بنسبة 105 في المئة ونور ثروب بنسبة 78 في المئة.
هنا يتعاظم حجم الكارثة. بينما تصاعدت أرباح الشركات التي تنتج منتجات الحرب، فإذاً الشعب الأميركي يسدد الفواتير كما يقول المؤلف من خلال رفع الضرائب وتقلص الاستثمارات العامة والخاصة في أميركا وتخفيض برامج الرعاية الاجتماعية.
ويبقى السؤال الأكبر: من يحاسب المسؤولين عن الكارثة؟. عن صحيفة البيان الاماراتية 15/4/2008