تنغيص حرب يعارضها ثلثا الأميركيين جهاد الخازن كنت رشحت الفيلم «ستهرق دماء» للفوز بأوسكار أفضل فيلم في الحفلة الثمانين للجوائز في شباط (فبراير) الماضي، إلا أن الفيلم «ليس بلداً لرجال مسنين» فاز بالجائزة، وفزت أنا بجائزة الترضية عندما منح دانيال داي لويس، بطل فيلمي المختار، جائزة أفضل ممثل. لا أزال عند رأيي أن الفيلم «ستهرق دماء» كان أفضل أفلام السنة، ولعل أعضاء أكاديمية السينما ابتعدوا عنه لكثرة الأفلام الطويلة والوثائقية عن الحرب على العراق، ولأنها جميعاً تقريباً ضد الحرب وضد إدارة جورج بوش، ولأنها لم تحقق نجاحاً عند الجمهور، فقد ابتعد عنها ربما ليبتعد عن تنغيص حرب يعارضها ثلثا الأميركيين. شخصياً لا أرى مثل هذه الأفلام باختياري، وإنما بحكم العمل، وكنت قررت عدم حضور الفيلم «في وادي إيلاه» ثم وجدت أنه بين الأفلام على الطائرة، وأنا في رحلة طويلة، فشاهدته وتأثرت، فهو يحكي قصة الجندي الأميركي ريتشارد ديفيس الذي قتل بعض زملائه ممن أثرت الحرب في عقولهم، وجهود أسرته بعد ذلك لمعرفة الحقيقة. يستحيل أن يرى متفرج عادي جميع الأفلام عن حرب العراق، فهذه مهمة لأصحاب الاختصاص، وفي الأشهر الأخيرة فقط كان هناك الفيلم Redacted وهي كلمة إنكليزية بمعنى تحرير أو تأليف، يصور الجنود الأميركيين في العراق كقتلة، وهناك حوادث معروفة تؤكد ذلك، والفيلم Rendition، وهي كلمة عجيبة بالإنكليزية، فالإسم منها كما في عنوان الفيلم يعني أداء حفلة موسيقية، أما الفعل فمن معانيه تقديم شيء ما للموافقة عليه، والكلمة استعملت في حرب العراق لوصف نقل المعتقلين سراً بالطائرات. وهذا الفيلم بالذات يتحدث عن مصري أميركي خطفته الاستخبارات الأميركية وسلمته ليعذب اعتقاداً منها بأنه إرهابي. ثم هناك الفيلم «خراف للأسود» ويحكي قصة سناتور جمهوري فاسد يضحي بشباب أميركا في حروب لخدمة أهدافه السياسية. الأفلام الوثائقية تزيد كثيراً على الأفلام الطويلة، وآخر ما قرأت عنه أثار ضجة هائلة في أميركا، فقد عرضت شبكة التلفزيون العام فيلماً في حلقتين بعنوان «حرب بوش» شكل إدانة صريحة محكمة لإدارة جورج بوش. الفيلم ينقل، عن أعضاء في الحكومة، كيف أسس وزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد مكتب الخطط الخاصة، للطلوع بمعلومات استخبارات ملفقة تبرر الحرب على العراق، وكيف شككت «سي آي إيه» و «أف بي آي» في صحة المعلومات ومع ذلك أصرَّت إدارة بوش عليها. وهناك مقطع مع ريتشارد كلارك، المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب، فهو قرر أن تقرير المعلومات البديلة خاطئ فجاءه لويس ليبي، مدير مكتب ديك تشيني الذي دين بعد ذلك وعفا عنه بوش، ووبَّخه وقال له أن يعيد قراءة التقرير وأن يؤكد صحته، فقد كان هذا ما يريد تشيني وعصابته، ورامسفيلد قال إن إرهاب 11/9/2001 فرصة لضرب العراق. في كل فيلم وثائقي شيء جديد، وأذكر أن الفيلم الوثائقي «كشف الحقيقة: الحرب على العراق» وزع قرب آخر 2003 وأثبت مخرجه روبرت غرينوالد كيف خدعت إدارة بوش الشعب الأميركي في حربها على العراق. واعتمدت معلومات الفيلم على مقابلات مباشرة مع رجال الإدارة مع العصابة إياها، وهم دانوا أنفسهم. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي بثت القناة الرابعة في التلفزيون الإنكليزي الفيلم «لا نهاية في الأفق»، وكان إدانة صريحة للحرب من فم أصحابها. والقارئ الراغب يستطيع أن يطلب من الأفلام المماثلة «تاكسي الى الجانب المظلم»، أو «عملية العودة الى الوطن: كتابة عن تجربة الحرب» أو «كيان الحرب» الذي أنتجه وشارك في إخراجه المذيع التلفزيوني البارز فيل دوناهيو. أغرب الأفلام التي رأيت كان حتماً «حرب تشارلي ولسون» على أساس كتاب بالاسم نفسه عن عضو ديموقراطي في الكونغرس من تكساس (1973 – 1996) يجعله الفيلم بطل حرب أفغانستان الأولى بتسليحه المجاهدين ضد السوفيات حتى خسروا وانهار الاتحاد السوفياتي بعد ذلك. الفيلم لا يقول ما يبدأ به الكتاب عن ولسون، فقد كان فاسداً عربيداً ضبط في مغطس حمام ساخن مع مومسين والثلاثة يتعاطون الكوكايين. ما سبق أهون ما يتغاضى عنه الفيلم، والأهم أنه بعد انسحاب السوفيات، ترك جورج بوش الأب أفغانستان والمجاهدين لمصيرهم، فكان أن سيطر رجال طالبان في النهاية على البلاد، واستضافوا القاعدة، وانتشر الإرهاب الذي زاد أضعافاً عندما حاربه بوش الابن، ودفع العالم كله الثمن. أقول محذراً في النهاية إنني أتابع أفلام الحرب الطويلة والوثائقية بحكم العمل، غير أن القارئ غير مضطر الى ذلك. عن صحيفة الحياة 5/4/2008