نبيل زكي شهادة توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، أمام لجنة التحقيق برئاسة جون شيلكوت، بالغة الخطورة، وتتركز في الأساس علي دولة عربية، كما أنها تتناول موقف قادة عرب من الحرب الأمريكية ضد العراق، وهو موقف مشين.
ومع ذلك فإن هذه الشهادة لم تأخذ حقها من التعقيب والتحليل.
القضية الجوهرية والمروعة التي يطرحها رجل كان رئيساً لحكومة دولة كبيرة ومسئولاً عن اتخاذ قرارات مصيرية هي أنه إذا كان ثمة تهديد أو خطر (فقط).. أي مجرد تهديد أو " خطر محتمل بأن العراق »يعيد بناء برنامجه للتسلح.. فإن ذلك يكفي لكي يكون مبرراً لشن حرب عدوانية علي دولة عضو في الأممالمتحدة لا تشكل أي تهديد لبريطانيا !
ونستخلص من شهادة توني بلير أنه ليس المهم - إذن - أن يكون العراق قد امتلك بالفعل أسلحة دمار شامل أو أن يكون قد استخدم هذه الأسلحة ضد بريطانيا أو حلفائها، بل يكفي - كما يعلن توني بلير في شهادته - أن يكون هناك احتمال بأن يمتلك العراق هذه الأسلحة في يوم من الأيام في المستقبل لكي تتحرك الجيوش والطائرات والسفن الحربية والصواريخ لتدميره وقتل أكثر من مليون إنسان من أبنائه وتغيير نظام الحكم القائم علي أرضه !!
وتغيير النظام الحاكم في العراق كان أمراً مطلوباً ومرغوباً فيه.. حتي بعد أن ظهر أن الرئيس العراقي صدام حسين لا يمتلك أسلحة دمار شامل.. وفقاً لما يعترف به توني بلير بطريقة مباشرة.
وعندما وجهت لجنة التحقيق سؤالاً إلي رئيس الوزراء البريطاني السابق عن السبب في عدم استخدام بريطانيا لسياسة الاحتواء، عبر الاستمرار في تطبيق العقوبات، أخذ يردد كالببغاء نفس المبررات الأمريكية للحرب، وهي أن كل شيء قد تغير عقب هجمات 11 سبتمبر عام 1002 في نيويورك وواشنطن.
كان توني بلير متهافتاً وضعيفاً إلي حد يدعو للسخرية، عندما تولت لجنة التحقيق تذكرته بأن صدام حسين لم تكن له علاقة باعتداءات 11 سبتمبر أو بتنظيم " القاعدة ". قال الرجل إنه لا يمكن السماح للدول " لمارقة " بتطوير أسلحة دمار شامل(!)
أما عن العلاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة، فإنها يمكن أن تكون " ممكنة " (!!) كيف؟ وفقاً لنظرية توني بلير، فإن الدول القمعية والفاشلة تصبح " ذات مسام واسعة " بحيث يسهل علي الجماعات الإرهابية التسرب والتسلل إليها!!
وهكذا يقرأ توني بلير المستقبل بمهارة تتجاوز العرافين.. ويسخر من عقولنا.
وطبقاً لشهادة الرجل، الذي كان يوصف دائماً بأنه تابع ذليل للرئيس الأمريكي السابق بوش، فإنه إذا ما »تخيل« سيد البيت الأبيض، وخادمه بلير، أن هناك في الأفق ما يشير إلي احتمال ظهور تهديد من جانب أي دولة - حتي لو كانت صغيرة ولا يخطر علي بالها الدخول في مواجهة مع الولاياتالمتحدة أو بريطانيا - فإن هذا الاحتمال يبرر، في حد ذاته، شن الحرب !
ويكرر توني بلير، أكثر من مرة، في شهادته، تأييده لسياسة الولاياتالمتحدة في شن حروب وقائية، الأمر الذي يتناقض - علي طول الخط - مع قرارات الاتهام التي حوكم علي أساسها مجرمو الحرب النازيون في نورمبورج عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي اعتبرت أن شن هذه الحروب عمل عدواني إجرامي يستوجب العقاب. إننا بإزاء أفكار وهرطقات همجية يريد أصحابها إعادة تاريخ الإنسانية إلي الوراء.. إلي عصور البربرية وقانون الغابة. ..
فكل ما قاله توني بلير في شهادته يتناقض مع القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة والأساس الذي قامت عليه محاكمات نورمبورج، فالرجل يعتبر أن مجرد امتلاك العراق للوسائل و"المعرفة" - أي ما نسميه ال Know - How يمكن أن يكون سبباً لشن حرب ضده!!
ومعني ذلك أن كل دولة بلغت مستوي من القدرة العلمية والتكنولوجية يجب أن تصبح هدفاً لصواريخ بريطانيا وأمريكا وتعرض نفسها لخطر الإبادة !
ولما كان توني بلير قد تولي بمزاعمه وأكاذيبه التأسيس بمنطق يعطي للدول الكبري الحق في شن حروب عدوانية بهدف تغيير انظمة الحكم في أي مكان وفي اي وقت تراه من منظورها مناسبا أو ضروريا، وفي حالات " الاشتباه "، فإن الرجل يدعو، هذه المرة إلي تكرار ما حدث في العراق.. عن طريق شن حرب ضد إيران.
يقول ان القادة الحاليين " قد يلجأون إلي نفس الحل " الحرب لنزع أسلحة إيران »لأننا نواجه نفس المشكلة معها اليوم« ، فهي من " القضايا المماثلة " للعراق!
لقد أدمن الرجل شن الحروب العدوانية، ولا أمل في شفائه! توني بلير غير نادم علي دوره كمجرم حرب ولا يعتذر، بل علي العكس، فإنه مستعد لكي " يفعلها ثانية "، علي حد تعبيره، ولو كان الامر بيده.. فإن ايران ستكون الخطوة القادمة!
*** البريطانيون علي حق عندما يحورون اسمه ليصبح »ب لاير«، باللغة الانجليزية، أي »بلير الكذاب«.. فالرجل لا يكف عن الكذب، انه يدعي ان الحرب ضد العراق كانت حتمية بعد اعتداءات 11 سبتمبر.. ولكن صحيفة »الاندبندنت« البريطانية نشرت وثيقة في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي تكشف انه كانت هناك خطة سرية أعدتها حكومة توني بلير لتغيير نظام الحكم في العراق قبل اعتداءات 11 سبتمبر..
وتتضمن الوثيقة وعودا من الحكومة البريطانية للعناصر الانقلابية داخل العراق بإعادة جدولة الديون عن طريق نادي باريس، وبتقديم معونة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصفقات من الاتحاد الأوروبي، وقيام شركات اوروبية بالاستثمار في حقول النفط، وإعداد برنامج شامل لاعادة تدريب »المهنيين العراقيين« عقب نجاح الانقلاب. وفي مذكرة، أعدها السير جون سويرز، مستشار توني بلير للسياسة الخارجية، تحت عنوان »تغيير النظام«، اشارة صريحة إلي ضرورة الاطاحة بالحكم في العراق. أما تاريخ هذه المذكرة فهو مارس 2001، أي قبل ستة أشهر من اعتداءات 11 سبتمبر.
*** أما الفضيحة المتعلقة بالقادة العرب، فإن توني بلير يقول في شهادته ان " غالبية القادة العرب " كانوا مرتاحين للتخلص من صدام حسين. ولو كان التخلص من صدام حسين سيتم علي أيدي شعبه، فلا توجد مشكلة وليس لأحد ان يعترض، فهي مسألة تخص الشعب العراقي أما ان يتم هذا "التخلص" علي أيدي قوات احتلال أجنبية تقوم بغزو العراق وتدميره وقتل شعبه والإجهاز علي كل مؤسساته، ونهب ثرواته، فهذه مسألة أخري تضع هؤلاء القادة في معسكر العدو.
ويبدو أن هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلي إيضاحات، وان هناك أسرارا تنتظر الكشف عنها حتي تعرف الشعوب العربية كل الحقائق عن الأدوار التي يلعبها حكام يتآمرون في الظلام.
ولحين الكشف عن هذه الأسرار، فإن استمرار قيام توني بلير بعمله كممثل »مبعوث للرباعية الدولية حول الشرق الأوسط.. لم يعد مقبولا. فليس من المعقول ان يمارس مجرم حرب متعطش للدماء.. دور " رسول السلام ".
وليس من الممكن ان يكون رجل معاد للعرب إلي هذا الحد.. ويشارك في قتل اكثر من مليون عراقي ويكره امتلاك اي عربي " أو إيراني" لقدرة علمية وتكنولوجية كراهية الموت.. وسيطا للسلام !!