نجاد في العراق ياسر الزعاترة ربما كانت لزيارة الرئيس الإيراني نجاد للعراق صلة ما بالصراع الداخلي على مشارف الانتخابات ، لكن الدلالات الأخرى لا تقل أهمية بحال. من المفيد القول ابتداء إن الاحتلال الأمريكي الذي خلّص إيران من خصمها اللدود في أفغانستان (حركة طالبان) ، هو ذاته الذي خلّصها من عدوها الألد صدام حسين ، لكن الأقدار كانت أكثر كرماً هنا ، إذ وضع الأمريكان العراق تحت سطوة إيران من خلال مجموعات شيعية تابعة. حدث ذلك من دون أن تدفع إيران ثمناً يذكر ، اللهم سوى الفتات الذي كان يقيم أود المجموعات إياها قبل أن تثري من نهب أموال العراق ، كما هو حال المجلس الأعلى وشظايا حزب الدعوة ، إلى جانب عدد من الرموز الآخرين الذي جاءوا على ظهر الدبابة الأمريكية. من العبث القول إن ذلك تم بتفاهم الطرفين ، لأن ما حمل بوش على احتلال العراق ، أعني الهواجس الصهيونية ونوايا إعادة تشكيل المنطقة لحسابها ، لم يكن يستثني إيران التي كان الأصل هو حشرها بين القوات الأمريكية في أفغانستان ونظيرتها في العراق ، إلى جانب الأساطيل التي تجوب مياه الخليج والقواعد التي تستريح في صحرائه. وكل ذلك من أجل شطب مشروعها النووي ، وعلى أمل إنهاء نظامها "المتطرف". جاء الأمريكان إلى العراق فكانت الرعونة عنوان سلوكهم ، وما أن اتخذوا قرار حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية حتى وضعوا البلد في يد مليشيات الشيعة التي تدرب بعضها في إيران ، وما زال هناك من عناصرها من يتلقون الرواتب والأوامر منها. جاءت المقاومة السنية لتدفع الأمريكان نحو مزيد من التحالف القوى الشيعية التي اختارت التعاون معهم منذ البداية ، مع العلم أن وضع العرب السنة كان أسوأ بدونها ، وفي المحصلة كان النفوذ الإيراني يزداد اتساعاً. وعندما حاول الأمريكان قلب المعادلة لم يفلحوا ، بينما نجحوا إلى حد كبير في شق صفوف العرب السنة من أجل ضرب القاعدة والتخلص من هاجس الخسائر اليومية. وبالطبع بعد أن جرى إقناع فريق كبير منهم بأن إيران أكثر خطراً من الولاياتالمتحدة. الآن يجد الأمريكان أنفسهم أمام حقيقة نفوذ إيران الواسع في العراق من جهة ، وأمام إصرارها على المضي في برنامجها النووي من جهة أخرى. وفيما يعتقد البعض أن ثمة تفاهم أمريكي إيراني على توزيع الأدوار في المنطقة ، إلا أن واقع الحال يقول إن خيارات واشنطن تبدو محدودة تبعاً لتأثير ملفات الخارج على الوضع الداخلي ، وصعوبة تمرير الحرب على إيران بعد تقرير الاستخبارات وفي ظل الفشل في العراق. كل ذلك لا يعني أن زيارة نجاد للعراق قد تمت رغم أنف الأمريكان ، بقدر ما جاءت ضمن السياق الذي يريدون ممثلاً في تأكيد نظرية أن مشروعهم هو الخطر الحقيقي على العرب ، إضافة إلى دفعهم نحو مزيد من دعم العملية السياسية القائمة بدل دعم مسار العنف بمختلف أشكاله. هكذا ستجد بعض قوى العرب السنة ، ومعها بعض العواصم العربية في الزيارة مزيداً من التأكيد على مخاطر المشروع الإيراني ومن ثم النكوص عن مشروع المقاومة ، مقابل الارتماء في حضن الاحتلال ، مع العلم أن واشنطن في ظل المعادلة الحالية تبدو أعجز من أن تحابي السنة على حساب الشيعة ، تبعاً لقدرة الشيعة على التمرد على وجودها سلمياً وعسكرياً في آن ، ومن السخف الاعتقاد بأن الشيعة سيفرطون بمكاسبهم التاريخية بسهولة. هكذا تبدو زيارة نجاد خدمة لمشروع الاحتلال واستفزازاً للمحيط العربي ، حتى لو بدت شكلاً من أشكال استعراض القوة في مواجهة واشنطن. بقي القول إنه لولا عجز النظام الرسمي العربي لقلنا إن التفاهم مع إيران بشأن العراق من منطلق القوة هو الرد ، لكن ذلك لن يكون من دون التمرد على الإملاءات الأمريكية ، لأن إفشال المشروع الأمريكي والمشروع الطائفي لا يمكن إلا أن يسيرا جنباً إلى جنب ، وإلا فسيكون العرب كالمستجير من الرمضاء بالنار. عن صحيفة الدستور الاردنية 4/3/2008