حرية التعبير والبعد السياسي المهمش أنس زاهد يقول وزير الداخلية الألماني إنه يؤيد إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية التي سخرت من شخص رسول الإسلام ، لأنه يؤيد حرية التعبير ، ولا يريد لهذه الحرية أن تتأثر أو تتعطل أو تتوقف . كلام جميل في ظاهره ، لكن هل هناك حرية مطلقة للتعبير في أي مكان بالعالم وهل تدخل الإساءة إلى الرموز الدينية ، ضمن هذه الحرية وبشكل أكثر وضوحا : هل يمكن أن يكتب أحد ما في الغرب مشككا في الأرقام الرسمية لضحايا الهولوكوست . أقول هل يمكن أن يشكك في الأرقام ، ولا أقول هل يمكن أن يشكك في الوقائع نفسها الجواب معروف لكل من عاش في الغرب ، ولكل من لديه أدنى اطلاع على سياسات مؤسسات الحكم الغربية . ولعل قضية المخرج والممثل الأسترالي ميل جيبسن التي أثارت ضجة كبيرة بسبب ألفاظ نابية تفوه بها ضد اليهود وهو مخمور ، توضح أمورا كثيرة . كما أن مئات الآلاف من رسائل التهديد والاحتجاج التي وصلت إلى الممثل الأسطوري الراحل مارلون براندو ، عندما قام بمهاجمة ما اسماه اللوبي اليهودي في هوليوود ، توضح هي الأخرى أمورا كثيرة .?لقد تعرض فيلم ( آلام المسيح ) للمخرج الأسترالي ميل جيبسن ، لموجة حادة من الانتقادات بحجة أنه يحرض لمعاداة السامية . مع أن سيناريو الفيلم كان مأخوذا بشكل شبه كامل من الإنجيل نفسه . وعندما حاول جيبسن أن يسجل إحدى الوقائع المذكورة حرفيا في الإنجيل والتي تفيد بأن جموع اليهود قالوا لبيلاطس قنصل روما في فلسطين : (( دمه علينا وعلى أبنائنا )) .. أي دم المسيح .. أجبر جيبسن قانونيا على حذف الترجمة الإنجليزية للعبارة المذكورة ، والاكتفاء بإيرادها باللغة الآرامية التي اعتمدها الفيلم . هذا بالطبع يثبت زيف أسطورة حرية التعبير التي يتشدق بها الأوروبيون كلما أثيرت قضية الرسوم الكاريكاتورية . لكن هذا لا يعني أن الموقف الأوروبي المنحاز ناتج عن دوافع دينية ، وإنما ناتج عن دوافع سياسية هي نفس الدوافع التي جعلت الغرب يقف وراء إنشاء دولة يهودية عنصرية في قلب العالم العربي ، ومن ثم دعمها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا . وهنا يجب ألا ننسى الصفة السياسية الرسمية التي يتمتع بها وزير داخلية ألمانيا الذي حرض الصحافة الأوروبية على إعادة نشر هذه الرسوم . قضية الرسوم الكاريكاتورية لها بعد سياسي واضح ، ورغم ذلك فإنه لم يصدر من العالمين العربي والإسلامي أي رد فعل سياسي واضح تجاه هذه القضية . عن صحيفة المدينة السعودية 4/3/2008