عندما أشرقت شمس العرب ممدوح طه باليوم والساعة والثانية تجتمع القمة الأوروبية كل نصف عام برغم أية مشاكل أو خلافات بين الدول الأوروبية، وباليوم والساعة والثانية كانت تجتمع القمة الأفريقية كل عام برغم أية مشاكل أو خلافات بين الدول الأفريقية، يحضر من يحضر والحرص على الحضور هو الغالب، ويتخلف من يتخلف، والتخلف هو الاستثناء، ذلك أن القمم لا تعقد إلا لحل الخلافات ومعالجة المشكلات وإنهاء الانقسامات.
وليس للاحتفالات والمصافحات وإصدار البيانات المعدة على المستوى الوزاري من قبل الاجتماعات والمناقشات والمشاورات بين الرؤساء، بل إن التقاء الرؤساء معا قبل المؤتمر يتيح تحرك الوساطات لإجراء المصالحات بما يهيئ المناخ للتوافق حول القرارات.
إن الخلافات أدعى للحرص ممن هم على مستوى القمة على عقد القمم وليس المقاطعات والانسحابات من حضور مثل تلك القمم، خصوصا إذا كان الهم العربي واحد والتحدي واحد والعدو واحد والقدرة على المواجهة أو وضع الحلول لما لابد لنا من التصدي له لا يمكن أن تتحقق إلا بصف واحد وهدف واحد.
وأذكر الظروف العربية التي كان يستحيل معها أي لقاء عام 64، حينما شرعت إسرائيل في تحويل مجرى نهر الأردن، والعالم العربي منقسم بين معسكرين، ثوري بقيادة مصر ومحافظ بقيادة السعودية، وكانت مصر في قطيعة مع سوريا، والجزائر في مواجهة مع تونس والمغرب، ولم يكن بين المعسكرين حرب باردة بحملات إعلامية محمومة فقط بل حرب ساخنة سالت فيها دماء أبناء الطرفين على جبال وفى وديان اليمن.
وحينما استشعر الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر بقامته الكبيرة وبحكم مسؤولية الدولة العربية الكبرى خطورة تهديد العدو المشترك لجزء من الوطن العربي الواحد، وبالتحديد للأردن وفلسطين وسوريا، ورغم الحرب الساخنة مع الأردن التي وقفت إلى جانب السعودية في مواجهة الجيش المصري لمحاصرة الثورة التحررية اليمنية في ذلك الوقت ورغم المواجهة بين مصر وسوريا بعد الانفصال، لم يتخل الرجل الكبير عن مسئوليته الكبرى.
فسارع دون تردد «من أجل فلسطين» إلى الدعوة لعقد القمة العربية في القاهرة تحت مظلة الجامعة العربية، وبينما شكلت هذه الدعوة مفاجأة استراتيجية للعدو الصهيوني الذي رأى في حالة الانقسام العربي بل والمواجهة العربية - العربية الساخنة فرصة تكتيكية لتنفيذ مخططاته التوسعية الاستراتيجية بما يهدد الأمن القومي العربي، الذي كانت إسرائيل هي الخطر الأكبر عليه، ولا تزال هي المصدر الرئيسي لتهديده، وقعت هذه المفاجأة المصرية غير المتوقعة كالدش البارد على نار الخلافات العربية.
وانقلب الوضع العربي إيجابيا رأسا على عقب، من انقسام وخصام ومواجهات بالسلاح إلى ردود ايجابية فورية ومتوالية ترحيبا بالدعوة المصرية، ولأن القيادات العربية كانت على مستوى المسؤولية القومية رغم التباينات السياسية، وقضية فلسطين كانت لا تزال هي قضية العرب الأولى، ومصر برغم الخلاف كان لها من الرصيد التاريخي والقومي والوزن الإقليمي والدولي ما يجعل لدعوتها نفس الوزن، فلقد استجاب الجميع ولم يتخلف رئيس واحد.
ولم يضع قائد عربي واحد شرط واحد للمشاركة، وعند اللقاء وقف جمال عبد الناصر في مطار القاهرة الدولي فوق كل الخلافات يستقبل بأخوة وتسامح أشقاءه ملوك ورؤساء الدول العربية، المحافظة والثورية، والملكية والجمهورية، المحسوبة على المحور السوفييتي أو على المحور الأميركي.. وفوجئ العالم الذي كان يراهن على غروب شمس العرب بمشهد لم يتوقعه .
فضلا عن أنه لم يكن أبدا يتمناه. وحينما التقى عبد الناصر مع الملك السعودي الراحل سعود بن عبد العزيز، لتأكيد أن اللقاء الأخوي العربي هو القاعدة وأن الشقاق بين الأشقاء هو الاستثناء، وأن ما يوحد العرب أكبر وأكثر مما يفرقهم، كانت كل العيون العالمية والعربية ترقب المشهد الأكثر تأثيرا بين المتحاربين بالسلاح وهما يتعانقان، واغرورقت عينا الملك سعود بالدموع مرددا بيت الشعر العربي.. وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا.
لتبدأ الشمس العربية في الشروق من جديد على قمة القمم ! عن صحيفة البيان الاماراتية 19/2/2008