ما الذي تغيّر في أوضاع العراق نصوح المجالي أهم ما طرأ على أحوال العراق مؤخراً، أن قوات الاحتلال تعتبر أنها حققت اختراقاً مهماً، على الصعيد الأمني والشعبي، في غرب ووسط العراق، مما أشعر الإدارة الأميركية بالثقة، بأنها لم تعد مضطرة للخروج السريع من العراق، وأن نجاحها النسبي هذا، يرتب عليها ترتيب أولوياتها وأوضاعها، للبقاء أطول مدة ممكنة في قواعد ثابتة في العراق، ويجادل مؤيدو الحرب في العراق، ما جدوى الانسحاب من العراق والاستراتيجية الجديدة في العراق، تؤتي ثمارها، فالنجاح النسبي في العراق يجعل الأولوية، ليس للانسحاب السريع، ولكن لتعزيز التواجد الأميركي في الشرق الأوسط بدءاً من أفغانستان، والعراق؛ والبحار المحيطة بالمنطقة. التطور الآخر المهم في العراق، أنه بات هناك انفصام واضح بين تنظيم القاعدة وقوى المقاومة العراقية الوطنية، فالقاعدة التي صبغت أعمال المقاومة، بالقتل العشوائي، والتطرف الطائفي، والعنف المنفلت، وقدمت نفسها كواجهة للمقاومة في وسط وغرب العراق بخاصة، مستغلة عزوف قوى المقاومة عن طرح برنامج سياسي واضح أو قيادة محددة في هذه المرحلة، وجدت نفسها في مواجهة الشارع العراقي الذي عانى من استباحتها للدماء العراقية واغراقها في الفتنة المذهبية والتكفير الذي يجيز القتل. فانقسام السُنّة في العراق؛ بين سُنّة أكراد لهم برنامج كردي، قائم على الانفصال ما أمكن عن الدولة العراقية، وجبهة وفاق تمثل تجمعاً للشخصيات السياسية والدينية تبحث عن دور لها في التركيبة السياسية الحالية، وقوى عشائرية تتطلع لأن تكون قوة ميليشيا موازية للقوى الأخرى، فيما لو تعاونت مع الاحتلال، يزيد من تعقيد الموقف السني ومن فرص اختراق جبهة السُنّة. العقدة الرئيسية في العراق، أن الاحتلال، والنادي السياسي الحاكم في العراق، يتمسكون بالدستور العراقي الحالي الذي يشجع التقسيم الطائفي، ويدعو إلى تقسيم العراق وتقاسم ثرواته على أسس طائفية لأن ذلك يثبت النهج الطائفي في العراق. كما أن القوى المقاومة، لم تطرح حتى الآن قيادة موحدة ولا بد برنامجاً سياسياً واضحاً، فالبعثيون يناضلون لاستعادة وضعهم السابق في الدولة، والقوى المقاومة الأخرى، موزعة بين قوى عشائرية نجح الاحتلال في اختراقها، او قوى دينية لها برنامجها الخاص، أو قوى سياسية بعضها شارك في العملية السياسية لكنه يبحث عن طريقة لتحسين فرصه فيها. فهل تراخت المقاومة العراقية، وهل كسب الاحتلال معركته في تطويع أهم معاقل المقاومة الشعبية في وسط وغرب العراق، أم أنها دورة من دورات الاسترخاء واعادة التنظيم والعودة لمقارعة الاحتلال. عبر تاريخ العراق الطويل، كانت ساحة العراق رمالا متحركة، ابتلعت جميع الغزاة واعجزت حكام العراق وانهكتهم والاحتلال الحالي ليس استثناء لقد اتفق الايرانيون والأميركيون على هدم دولة العراق وتقزيم دور العراق، فتحالفوا في الغزو، وترك الاحتلال الساحة العراقية مفتوحة للنفوذ السياسي والديني والاقتصادي الإيراني، فضرب ا لدور والهوية العربية في العراق، كان القاسم المشترك الذي جمع بين مصالح الايرانيين، والأميركيين في العراق، رغم تناقضهم. ورغم تراخي وتيرة المقاومة الا ان دورة العنف ما زالت مستمرة في العراق تحصد أرواح العراقيين، الذين تجاوزت خسائرهم مليون قتيل منذ الاحتلال، وتزيد من خسائر المحتلين وتستنزف طاقاتهم، لكن المقاومة لا تطرح بدائل سياسية واضحة عدى عما تطرحه جهات معارضة تسعى لتحسين اوضاعها وتعظيم دورها في العملية السياسية الحالية، سواء جبهة التوافق، او قوات الصحوة، فالحكومة الجديدة المتوقعة سنقوم على هذا الأساس بدون تغيير جوهري. فلا بد من صيغة، تعيد النظر في الدستور العراقي الحالي، وتؤطر لدولة ديمقراطية تعددية موحدة تقوم على الوفاق بين جميع العراقيين، دولة مسالمة لجوارها العربي، والمسلم ومنفتحة على العالم ذلك هو البعد ا لذي يحرص الاحتلال واعوانه على استبعاده حتى الآن، رغم انه الخيار الوحيد للمّ شمل الشعب العراقي واستعادة دوره ومكانته من جديد. عن صحيفة الرأي الاردنية 12/2/2008