المسؤولية الإقليمية المصرية ممدوح طه قدر مصر بحكم واقعها وموقعها أن تؤدي دورها وتتحمل مسؤوليتها التاريخية طوعيا أو جبريا والتزاما أو إلزاماً، حيث ليس بمقدورها أن تغادر جغرافيتها ولا أن تفك ارتباطها بتاريخها، ولا تستطيع أن تعزل نفسها كما لا يستطيع أحد أن يعزلها عن مسؤوليتها.
وهي بدورها الرئيسي الذي يفرضه وزنها الإقليمي والاستراتيجي وبوقائع تاريخها وبضرورات حاضرها ومستقبلها، تجد نفسها في قلب أحداث أمتها العربية والإسلامية متأثرة به ومؤثرة فيه، فعروبة مصر أو إسلامها ليس مسألة تكتيكية أو سياسية يمكن تغييرها أو استبدالها لأنها قدر ووجود وحياة.
وبحكم واقعها باعتبارها شقيقة كبرى للأمة العربية، ودولة إقليمية كبرى في الأمة الإسلامية، وبموقعها في قلب هذه المنطقة بل في قلب العالم، وباتصال جغرافيتها بالبر والبحر بجغرافية منطقتها، وارتباط تاريخها بتاريخ أمتها، ارتبط أمنها بأمن منطقتها، وارتبط مصيرها بمصير أمتها،
ومن هنا خاضت حروبها وقدم شعبها العربي عشرات الآلاف من شهدائها، دفاعا عن أمنها وأمن أمتها، وانتصارا لقضاياها وقضايا أمتها، لأن أمن أمتها هو أمن لها ولأن أمنها هو أمن لأمتها وأحدهما ليس بديلا عن الآخر،
بل ان ارتباط أمنها بالشام سواء سوريا أو لبنان أو فلسطين تأثراً وتأثيراً لم يشكك فيه أحد من المؤرخين أو المفكرين الاستراتيجيين، كما لا يمكن لأحد من المؤرخين أو الاستراتيجيين المحدثين التشكيك في حقيقته،
بدليل أن أعظم معاركها التاريخية المنتصرة الكبرى في عهد الدولة الأيوبية كانت «حطين» في فلسطين بقيادة الناصر» صلاح الدين» ضد الغزاة الصليبيين، وفي عهد الدولة المملوكية كانت «عين جالوت» بقيادة قاهر التتار «سيف الدين» ضد الغزاة التتاريين.
ومن هنا كانت قوة مصر دائما هي قوة للعرب والمسلمين، وضعف مصر أو غيابها أحيانا إضعاف للعرب والمسلمين. من هنا كانت عبر فترات تاريخها المختلفة عاصمة للعرب والمسلمين، وفى حاضرها ما تزال هي الوجهة الأولى للعرب والمسلمين عند الأزمات،
وقد لعبت عاصمتها العريقة منذ بناها «المعز لدين الله «مؤسس الدولة الفاطمية عام 969م، وحتى العام أبرز الأدوار في رسم تشكيل ملامح التاريخ الحديث لأمتها، أيا كان الحاكم فيها، وبحكم هذا الدور وهذه المسؤولية كانت مقرا لجامعتها العربية «بيت العرب»، ومقرا لأبرز مناراتها العلمية الإسلامية «الأزهر الشريف».
وعلى مدى الأسابيع والأيام الماضية حين زادت مخاطر التفجر في الأزمة اللبنانية والفلسطينية بما لها من تأثير على الوضع العربي، بادرت مصر والسعودية بدعوة وزراء الخارجية العرب إلى عقد اجتماع طارئ في العاصمة المصرية،
لمناقشة الأزمة والخروج برؤية حل توافقية عربية لاستعادة الوحدة الوطنية في لبنان، مع الدعوة لحوار توافقي فلسطيني، ووعد بالتحرك لاحقا سعيا لدور عربي لاستعادة الوحدة الوطنية في فلسطين.
وحينما اصطدم تطبيق الرؤية العربية برفض فريق السلطة اللبنانية الحوار مع المعارضة اللبنانية، وخروج تفاسير البعض لنصوص المبادرة العربية عن قواعد اللغة العربية، كانت القاهرة مرة أخرى هي مقر اللقاء التالي لوزراء الخارجية لتقديم تفسير واضح حتى وإن بقي هذا التفسير الجديد محل نقاش.
وعندما تأخر التحرك الجدي العربي لرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة وعن فتح المعابر المغلقة، وعن معالجة الانقسام الوطني الفلسطيني بين مثلث الشرعية الوطنية، وهي السلطة الفلسطينية المنتخبة برئاسة عباس، والحكومة الفلسطينية المنتخبة برئاسة حماس، والمجلس التشريعي الفلسطيني برئيسه الأسير ونصف أعضائه المعتقلين لدى العدو الصهيوني انفجرت الأوضاع في غزة واخترق مئات آلاف الفلسطينيين للحدود المصرية الفلسطينية لأسباب إنسانية،
فكانت مصر شعبا وقيادة أول من تفهموا أسبابهم وأول من رحبوا بأشقائهم مبادرين إلى العمل على تأمين احتياجاتهم، ومقدمين ما هو إنساني على ما هو سياسي، وما هو أخوي على ما هو سيادي وما هو عربي على ما هو دولي. ثم دعا الرئيس المصري حسني مبارك الرئيس الفلسطيني عباس وقيادة حماس للحوار في القاهرة برعاية مصرية سعيا لفتح المعبر واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.. ولكن !.. غداً لقاء. عن صحيفة البيان الاماراتية 4/2/2008