هل نحتاج لاختبار آخر لإسرائيل؟! شادي جابر كان الرئيس الأمريكي جورج بوش واضحاً عندما تحدث عن دولة إسرائيل وأمنها وهويتها اليهودية في زيارته الأخيرة للشرق الأوسط. إلا أنه لم يكن بذات الوضوح علي الإطلاق عندما تحدث عن الدولة الفلسطينية وحدودها وأمنها. ولعل ذلك يكون طبيعياً بالنظر للسياسات الأمريكية التي تتسم بالازدواجية الوقحة في التعامل مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية عموماً. وما جرائم الإبادة التي بدأت بارتكابها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة منذ ما قبل مغادرة "صديق العرب" المنطقة إلا دليلاً إضافياً علي هذا التواطؤ البوشي الواضح. ربما أرادت إسرائيل استغلال زيارة حليفها رئيس الدولة الأقوي في العالم لإيصال رسالتها إلي الفلسطينيين والعرب.. ذلك أن القنابل والصواريخ ما زالت تتساقط علي الفلسطينيين في غزة كالأمطار، وكأن الحصار والتجويع والعقوبات الجماعية غير كافية لإيصال مثل هذه الرسائل الإسرائيلية الوحشية!. لعلها تريد أن تقول للفلسطينيين والعرب من ورائهم إنني أمتلك زمام المبادرة وقادرة ليس فقط علي حصاركم وتجويعكم بل علي قصفكم وقتلكم وتدمير بيوتكم ومصالحكم وأحيائكم.. وها هو سيد البيت الأبيض يدعم سياساتي ويباركها... فأروني ماذا أنتم فاعلون؟. الآن وقد وصلت الرسالة.. وهي ليست الأولي لا في شكلها ولا مضمونها، وتلقفها العرب كسابقاتها من الرسائل المكتوبة بحبر أحمر قاتم لم يكن سوي دم فلسطيني مسفوك بالقنابل والصواريخ الأمريكية الصنع. ها هي دعوة الرئيس الأمريكي إلي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في العام 1967، تقابل عربياً بالترحاب، أما إسرائيلياً فبالقصف والعدوان وارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين. المفارقة أن الرئيس بوش دعا العرب مجدداً إلي مد يدهم إلي إسرائيل.. وكأن الرجل لا يدري أن العرب مدوا يدهم لها منذ أمد طويل وما زالوا يمدونها رغم كل ما جري ويجري.. وربما كان يدري ولكنه يريد منهم أن يأخذوها بالأحضان!. أما إسرائيل فكانت وما زالت في كل مرة تدعي إلي السلام مقابل إعادة الحقوق لأصحابها، تشن حرب إبادة علي أصحاب هذه الحقوق فترتكب جريمة هنا ومجزرة هناك حتي بات ذلك جزءاً من الأعراف والتقاليد الإسرائيلية التي اعتاد عليها الفلسطينيون والعرب. فهل يصب ذلك في مصلحة السلام؟!. وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قال قبل أيام إن بلاده لم يعد بإمكانها أن تفعل المزيد حيال إسرائيل لتسهيل التوصل إلي تسوية سلمية بينها وبين الفلسطينيين. متسائلاً "لا أعلم ماذا يمكننا أن نفعل أكثر للإسرائيليين"؟!. لقد كان الفيصل محقاً.. إذ إن العرب فعلوا حقاً كل ما عليهم حيال إسرائيل.. لكن ردها كان دوماً بالتهرب من استحقاقات ومتطلبات السلام والالتفاف علي المبادرات السلمية الجادة. فضلاً عن تصعيد عدوانها علي الفلسطينيين.. وهذا يثير تساؤلاً قديماً جديداً مفاده هل تريد إسرائيل سلاماً.. وأي سلام هذا الذي تريده مع جرائم الإبادة والمجازر التي ترتكبها؟!. إن الصورة واضحة تماماً.. إسرائيل لم تكن يوماً علي قناعة ولا علي استعداد للانخراط في مفاوضات سلام حقيقية تؤدي إلي سلام فعلي مع الفلسطينيين والعرب. ربما لأن ذلك يتطلب "تنازلات مؤلمة" كما يردّد الإسرائيليون دائماً. واقع الحال والاختبارات والتجارب المريرة مع إسرائيل تؤكد أنها لا تريد سلاماً حقيقياً لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب، اللهم إلا إذا قبل العرب بالتطبيع معها بموازاة استمرارها في احتلال أراضيهم وابتلاعها حقوقهم وتهديدها الدائم لحدودهم ولأمنهم. وفي ظل غياب أي استعداد من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية للضغط الفعلي علي إسرائيل من أجل إلزامها بمتطلبات السلام الحقيقي ودفعها للاستجابة لقرارات الشرعية الدولية، فإن تصريحات الرئيس بوش عن توقيع اتفاق سلام قبل نهاية العام الجاري تبقي مجرد تكهنات، وعلي أقل تقدير توقعات لم تستوفِ الشروط الموضوعية لتحقيقها، هذا في حال كان سيد البيت الأبيض صادقاً وهو ليس كذلك. السطر الأخير: لا ندري هذه المرة إن كانت توقعات السيد بوش بتوقيع اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين جاءت عن طريق "الوحي".. أم إنها مجرد مناورات سياسية يراد بها المتاجرة بالقضية الفلسطينية لغايات أخري لا تبتعد عن المشاريع الأمريكية الشيطانية في الشرق الأوسط.. وما خفي أعظم. عن صحيفة الراية القطرية 22/1/2008