مجدداً عادت العلاقات الكويتية العراقية لمرحلة من التوتر, على الأقل برلمانياً وإعلامياً, فقد تصاعدت الحروب الكلامية والتصريحات بين المسؤولين والإعلاميين بين البلدين, بعد مطالبة الكويت بإبقاء العراق تحت البند السابع للأمم المتحدة,.
وقد قوبل ذلك بمطالبة النواب العراقيون من جانبهم دولة الكويت بدفع تعويضات بسبب ماوصفوه ب"تقديمها تسهيلات للقوات الأمريكية تسببت في غزو العراق واحتلاله وتدمير بناه التحتية", بل وصل الأمر إلى مطالبة بعض العراقيين الكويت بتعويضات عن الحرب العراقية الإيرانية.
فقد أعلن النائب عن القائمة العراقية عزت الشابندر عن تشكيل هيئة برلمانية، مهمتها الطلب من الكويت دفع تعويض للعراق عن جميع الخسائر التى لحقت به جراء حرب صدام ضد ايران باعتبارها شريكا اساسيا ومحرضا على هذه الحرب".
وفى المقابل طالب بعض الكويتيين بسحب سفيرهم من العراق احتجاجا على المطالب العراقية, مشيرين إلى أن من اجتاح الكويت لم يكن صدام وحده بل تبعه مليون عراقي نهبوا" يابس الكويت قبل أخضرها". وتأتى التصريحات الصدامية تلك مع اقتراب اجتماع مجلس الامن الدولي الذي سيبحث رفع العقوبات المفروضة على العراق بسبب غزو الكويت.
وينص البند السابع لمجلس الأمن الدولي على ضرورة أن يدفع العراق 39 مليار دولار للكويت كتعويضات على غزوه لها عام 1990 إضافة لتعويضات لجهات أخرى وتجميد اصوله في الخارج، وذلك باستقطاع 5% من عائداته النفطية، ورغم الظروف العصيبة التى شهدها ويشهدها العراق استطاع أن يدفع أكثر من 13.3 مليار دولار من تلك التعويضات حتى الآن .
المثير والغريب فى الأمر أن تشهد تلك القضية خلافات بين النخب الإعلامية في البلدين, فضلاً عن البرلمانيين, ومما دفع بالنائب عدنان المطوع إلي الدعوة للتهدئة والحوار المتبادل بين الطرفين, مشيراً إلى أن هناك أصوات تنادي بغير الحوار.
فما هو رد الفعل المتنظر من الجانبين "غير الحوار" ؟!
وعلى الرغم من الطفرة الكبيرة التى شهدتها العلاقات الكويتية العراقية فى الأعوام الاخيرة, خاصة بعد سقوط النظام الصدامى عام 2003م, إلا أن العديد من الملفات لا تزال عالقة بين البلدين, أهمها الديون الكويتية, ورسم الحدود بين البلدين, خاصة حقول النفط المشتركة على حدود البلدين, والملاحظ أن العوامل الاقتصادية هى ما تحدد طبيعة العلاقة بين البلدين.
فعندما غزا صدام حسين الكويت عام 1990برر فعلته النكراء تلك بتعمد الكويت تخفيض أسعار النفط وضخ كميات أكبر من حصتها من النفط من الحقول النفطية المشتركة بينهما, فضلاً عن أثارته لقضية الحدود وقضية حقل الرميلة الجنوبي, ولكن السبب الرئيسى لإقدام الرئيس العراقى على غزو الكويت هو الوضع الاقتصادى السيء الذى وصل إليه الاقتصاد العراقى, ومن ثم أثر فى أوضاع الشعب العراقي, وخوفه من حدوث تمرد شعبى من تردى الأوضاع المعيشية للشعب العراقى, والتى نتجت عن الحرب العراقية الإيرانية.
وبعد مرور عقدين من غزو العراق, وانتهاء النظام الصدامى, عاد الاقتصاد ليلعب لعبتة مرة أخرى بين العراق والكويت فمنذ أيام اتهم العراق عمال الشركات الكويتية بعبور الحدود العراقية, تصاحبهم معدات وأبراج لاستخراج النفط الخام من داخل العراق في منطقة نفطية تقع إلى الشمال من منطقة صفوان الحدودية, وهوما نفاه وزير النفط الكويتى الشيخ أحمد عبدالله الصباح !.
كما أن المتتبع لتصريحات الخارجية الأمريكية, الخاصة بالأزمة, يرى أن هناك أغراض "خبيثة" وراء تلك التصريحات, فقد قالت السفيرة الأميركية لدى الكويت ديبرا جونز في تصريح مثير إن 'الولاياتالمتحدة تدعم الجهود التي تبذلها الدبلوماسية العراقية للخروج من تبعات الفصل السابع", فالملاحظ أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد من مثل هذا التصريح التخلى عن دورها فى إعمار العراق, خاصة مع الأزمة المالية التى يمر بها الاقتصاد الأمريكى.
يبقى التساؤل عن سبب التشدد الكويتى تجاه اسقاط الديون والتعويضات التى يدفعها العراق, ألم يكن من الأولى أن تقوم الحكومة الكويتية بطلب الغاء مثل هذ التعويضات من تلقاء نفسها, خاصة فى ظل ما يعيشة الشعب العراقى الشقيق من تردى فى مستوى المعيشة, خاصة فى الضروريات منها, وصل فى كثير من الأحيان إلى مرحلة المجاعة ؟
ألم يكن من الأولى أن تقوم الحكومة الكويتية بإلغاء ديونها على العراق أسوة ببعض الدول العربية كالإمارات, بل وكثير من الدول الأجنبية كالصين التي ألغت سبعة مليارات دولار من ديونها على العراق, كما خفضتا فرنسا وروسيا ديونهما على العراق؟!
أم أن الكويت الشقيق يريد أن يعيد إلى أذهان أمتنا العربية فاجعة عام 1990, عندما غزا النظام الصدامى الكويت, ولكن بطريقة عكسية, فلا فرق بين ما فعله صدام عام 90 , وإصرار الحكومة الكويتية على إبقاء العراق تحت البند السابع للأمم المتحدة, فى ظل ما يشهده الشعب العراقى, من فقر مدقع نتج عن الاحتلال الأمريكي لبلاده, وما تبعه من دمار في بنيته التحتية.
فالحكومة الكويتية برفضها إلغاء التعويضات تساعد فى مجاعه الشعب العراقى الشقيق, بدلاً من مساعدته فى توفير الخدمات المعيشية الأساسية, وبناء المستشفيات, والمدارس, وتوفير الدواء لأطفال العراق الأبرياء !, فلا فرق بين أثار الهجمة التتارية الصدامية على شعبنا الكويتى العظيم, ومنع الحكومة الكويتية الغاء التعويضات, فالنيجة في كلاهما استمرار الدمار والخراب.
يبقى رجاء للحكومة الكويتية, والتى دائماً ما تمد يدها لمساعدة أشقائها العرب, بل وغير العرب, فى أن تعيد النظر فى شأن التعويضات العراقية, حتى يمكن أن يستفيد منها الشعب العراقى الشقيق, كما يحدونا الأمل بأن يقوم كبار المسئولين في البلدين بزيادة التبادل الدبلوماسى بين البلدين الشقيقين, ومناقشة القضايا العالقة بينهما فى جو من الود والإخاء, فهل نشهد ذلك فى القريب العاجل ؟!