الدراماتيكا الباكستانية! ممدوح طه الجريمة الإرهابية المدانة التى هزت باكستان وخلطت الأوراق السياسية، وقلبت المعادلات والتوازنات التقليدية ووضعت نظامه الحاكم على أبواب المجهول باغتيال الزعيمة السياسية الباكستانية «بنازير بوتو»، قبيل موعد الانتخابات العامة التي راهنت على الفوز فيها.
بما أحدثته من صدمة وفراغ سياسي وأحداث عنف تنذر بالفوضى وبإعادة حالة الطواريء وبفشل إجراء الانتخابات، أثرت بشدة على المحيط الإقليمي لباكستان خصوصا أفغانستان واللاعبين الدوليين فيه خاصة أميركا وبريطانيا اللتان خسرتا بغياب بوتو مراهناتهما على حكومة ديمقراطية وحليفة في الحرب ضد القوى الإسلامية في المنطقة في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
باكستان الإسلامية لم تخل يوما منذ تأسيسها كوطن قومي للمسلمين الهنود كرد فعل لأحداث العنف الطائفية التي سبقت إعلان الاستقلال عن الاستعمار البريطاني وفيما بدا خلاص لهم من اضطهاد غيرهم من الطوائف الدينية الأخرى عام 1947 من الأحداث الدراماتيكية السياسية والمأساوية الإنسانية، بسبب توالى التدخلات و الأفعال الخارجية والداخلية وردود الأفعال السياسية والعرقية الاجتماعية المناهضة لها داخل الساحة الباكستانية.
سواء بسياسة الأحلاف الإقليمية التي حاولت أميركا وبريطانيا فرضها على المنطقة من خلال حكومات موالية لها على عكس إرادة شعوبها في إطار الحرب على الشيوعية إبان الحرب الباردة بين المعسكرين، وأهمها حلف السنتو الذي كان يعرف بحلف بغداد وخرجت منه بغداد عام 1958فى إطار الرفض الشعبي في البلاد العربية، والذي ضم في عضويته باكستان وتركيا وإيران وأميركا وبريطانيا، و أثار شعورا شعبيا عاما برفض الأحلاف العسكرية بين الدول الإسلامية والدول الغربية..
أو عن طريق مسلسل الانقلابات العسكرية الباكستانية بدءا بانقلاب الجنرال أيوب خان ومرورا بالجنرال يحيى خان والجنرال ضياء الحق وانتهاء بالجنرال برويز مشرف، التي قطعت المسيرة الديمقراطية الباكستانية التي استقلت بمؤسساتها البرلمانية، وقلصت عمرها، حتى أن الحكم العسكري ساد باكستان لأكثر من ثلاثة عقود بينما لم تحكمها حكومات مدنية ديمقراطية سوى أقل من ثلاثة عقود جرت عليها الانقلابات العسكرية، ولفت النظر أن أميركا الديمقراطية كانت الحليف والداعم الرئيسي للدكتاتورية العسكرتارية مثلما هو حادث الآن !
فيما لم تبدأ باكستان مسيرتها الديمقراطية إلا بأول انتخابات حقيقية جرت عام 1970 بعد الضغوط الشعبية والحزبية المطالبة بالديمقراطية، بين حزب الشعب الباكستاني الذى أسسه الزعيم السياسي الباكستاني ذو الفقار علي بوتو، وبين حزب رابطة الشعب الذي أسسه الزعيم السياسي البنغالي الشيخ مجيب الرحمن.
والتى انتهت بمأساة حيث فاز حزب مجيب الرحمن بالغالبية في باكستانالشرقية فيما فاز حزب ذو الفقار بوتو في باكستانالغربية، لكنهما اختلفا على صياغة الدستور مما أشعل الصراع بينهما والذي تدخلت فيه الهند لصالح مجيب مما أدى إلى انفصال باكستانالشرقية.
ومنذ ذلك الوقت مازالت الأحداث المأساوية الدراماتيكية في باكستان الإسلامية تواصل سيرها بما هو أسرع من الديمقراطية، فما أن بدأ ذو الفقار بوتو مسيرته التي حددها بالمباديء الخمسة لحزب الشعب «الإسلام ديننا و الشعب عنواننا والديمقراطية سياستنا والاشتراكية اقتصادنا والعدالة طريقنا».
ولأن الاشتراكية تحاربها الولاياتالمتحدة وبالرغم من رفعها للديمقراطية شعارا بديلا لها فلقد دعمت انقلاب الجنرال ضياء الحق على حكومة بوتو المنتخبة الذي واجه الإعدام شنقا رغم المناشدات العربية والإسلامية والدولية لاتهامه من قبل الانقلاب بالعلمانية والفساد وصلته بانفصال باكستانالشرقية.
وتوالت الأحداث المأساوية بمقتل الجنرال ضياء الحق في حادث غامض لتحطم طائرته العسكرية لتحاول باكستان العودة للديمقراطية وتفوز ابنته الشابة بنازير بوتو التي تبنت مباديء والدها الراحل الاشتراكية الديمقراطية في الانتخابات العامة لتكون أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في دولة إسلامية، ثم خسرت الانتخابات التالية لصالح الزعيم السياسي الإسلامي نواز شريف رئيس حزب الرابطة الإسلامية الذي تبادلت معه الحكم والاتهامات مرتين.
وبعد الانقلاب الأخير للجنرال برويز مشرف على الحكومة الديمقراطية المنتخبة برئاسة نواز شريف، عاد الزعيمان السياسيان المدنيان للتحالف لإعادة الحياة الديمقراطية لباكستان ضد حكم الجنرال برويز مشرف، ولكن.. وقع ماوقع بمأساة دراماتيكية جديدة غيبت بوتو عن الحياة السياسية.. فماذا بعد هذا الغياب؟ عن صحيفة البيان الاماراتية 31/12/2007