منطقة الخليج والحرب النووية محمد خليفة العالم محكوم بحتميات القوة والعوامل الأساسية المسوقة بالتقدم التكنولوجي والتأثيرات الأخرى كالجغرافيا والمادية التاريخية القائلة بتبعية البناء الفوقي للمجتمع لبناه التحتية، وصراع الأضداد بوصفه محركاً للتاريخ، وأن العامل الاقتصادي لكل دولة يوفر لها أهم الدعائم في الارتقاء والهيمنة وممارسة وجودها توحيداً وسيطرة واستعماراً، وإن لكل حقبة تاريخية منظورها. ولعل واقع الولاياتالمتحدةالأمريكية يتحرك على أحداث الماضي بعد أن أخذت خارطة العلاقات في الخليج خاصة ترتج بصوت التحذير الأمريكي المنذر لكافة الأمم بأنها تقبض على لحظة التفوق، وأنه لن تكون ثمة دولة يمكن أن تسيطر على خارطة مصالحها الحيوية، وأن الماضي مرتبط بالحاضر ارتباطاً عضوياً حين انتصرت الولاياتالمتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي السابق على دول المحور (ألمانيا، وإيطاليا، واليابان) في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. حينها ظهر عالم جديد فيه قطبان عالميان متنافران هما، القطب الشيوعي الذي كان يمثله الاتحاد السوفييتي، والقطب الرأسمالي الذي كانت ولا تزال تمثله الولاياتالمتحدة. وتحوّل التحالف المؤقت بين هذين القطبين خلال تلك الحرب إلى عداوة شديدة كانت ساحتها العالم أجمع. فكل منهما كان يحاول كسب المزيد من الشعوب والدول إلى جانبه لكي ينتصر على خصمه، وكان الجانبان قد اتفقا حتى قبل انتهاء الحرب العالمية على تقاسم مناطق النفوذ بينهما في مؤتمر يالطا الذي عقد في فبراير/ شباط عام ،1945 وجمع كلاً من الزعيم السوفييتي ستالين، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وحليفه البريطاني تشرشل. وفي هذا المؤتمر تم تقسيم قارة أوروبا بين القطبين، فأصبحت أوروبا الشرقية من نصيب الاتحاد السوفييتي وأصبحت أوروبا الغربية تحت الهيمنة الأمريكية، وأصبحت قارة أمريكا الجنوبية، حديقة خلفية للولايات المتحدة. وأما قارتا آسيا وإفريقيا، فأصبحتا مناطق نفوذ بين الدولتين، فالدولة الأقدر منهما على فرض وجودها يكون لها الحق في المكان الذي سيطرت عليه. وكانت منطقة الخليج العربي وسواحل الجزيرة العربية حتى عدن تحت الاستعمار البريطاني. وعندما انهارت الامبراطورية البريطانية خلال تلك الحرب، سارعت الولاياتالمتحدة إلى إثبات وجودها في منطقة الخليج خاصة، لأنها كانت واعدة بإنتاج النفط. وكانت التقارير الاستراتيجية ترد إلى القادة السوفييت حول الأهمية المستقبلية لهذه المنطقة. ولهذا عمل هؤلاء على مزاحمة الوجود الأمريكي فيها بما يتناسب والأهداف السوفييتية. ففي عام ،1953 ظهرت في مناطق جنوب اليمن وعدن مقاومة مسلحة مدعومة من السوفييت جعلت هدفها طرد المستعمر البريطاني من تلك المناطق، وظلت هذه المقاومة مستمرة حتى اضطر الإنجليز إلى الجلاء عن جنوب اليمن عام ،1967 فأقيمت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية التي أصبحت عضواً مراقباً في حلف وارسو. وفي اليمن الشمالي، حدثت في عام 1962 ثورة بقيادة عبدالله السلال، وتم القضاء على النظام الملكي، وإقامة نظام جمهوري. ورأت الولاياتالمتحدة وبريطانيا في هذه الثورة خطراً يهدد أمن واستقرار المنطقة، وأدركتا أن للاتحاد السوفييتي يداً فيها، لذلك وقفتا تدعمان أنصار الملكية بهدف إفشال الثورة. فحدثت حرب أهلية كبيرة في اليمن، وكاد الملكيون أن ينتصروا، فبادر الاتحاد السوفييتي إلى دفع حليفته الإقليمية آنذاك، مصر لكي ترسل جيشها لتثبيت أركان الجمهورية. ودخل الجيش المصري اليمن، ورأت الولاياتالمتحدة في ذلك ضربة كبيرة لجهودها في تقويض الوجود السوفييتي في الجزيرة العربية، فقررت ضرب مصر بهدف إجهاض الثورة في اليمن. وفي 5 يونيو/ حزيران ،1967 قامت طائرات عسكرية أمريكية بمهاجمة المطارات العسكرية المصرية، ودمّرت ثلاثمائة وخمس طائرات عسكرية كانت جاثمة عليها، ففقدت مصر ذراعها الطويلة، وأصبح جيشها في سيناء مكشوفاً أمام قصف الطيران الأمريكي مما أوقع هزيمة مُرّة بمصر. والأمر المحزن أن “إسرائيل" ادعت أنها هي التي دمّرت الطيران المصري، وهي التي قصفت تجمعات الجيش المصري. وكان هذا الادعاء بترتيب مع الولاياتالمتحدة لكي لا يتدخّل الاتحاد السوفييتي السابق، ولكي لا تحدث حرب عالمية ثالثة. وقد اضطرت القيادة المصرية بعد تلك الهزيمة إلى سحب الجيش المصري من اليمن، وأقيل الرئيس اليمني عبدالله السلاّل، وتكوّن مجلس رئاسي بقيادة القاضي عبد الرحمن الإرياني. وخبا وهج الثورة في اليمن، وانطفأت شعلة مصر، فاستقرت الهيمنة الأمريكية في المنطقة، ولم يعاود الاتحاد السوفييتي المحاولة لاختراق الستار الحديدي الأمريكي حول تلك المنطقة. ومع ظهور إيران كقوة إقليمية طامحة، في هذه الأيام، عاد التهديد للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، لكن الولاياتالمتحدة التي تستشعر الخطر الإيراني، تعمل حالياً على محاصرة إيران دولياً ومنعها من التحوّل إلى قوة كبرى. فالتاريخ، كما يقولون، لا يأخذ معناه ودلالته الموضوعية إلاّ حينما يَنْسِجُ علاقة منسجمة بين الماضي والمستقبل. وإذا فشلت الجهود الأمريكية الرامية إلى محاصرة إيران، فإن الحرب ستقع لا محالة بسبب هذه الطاقة الشيطانية (الأسلحة النووية) التي حذّر منها العلاّمة ألبرت أينشتاين حين قال: “إن أكبر خطأ اقترفته في حياتي كان توقيعي على تلك الرسالة التي بعثت بها إلى الرئيس روزفلت أطلعه على إمكانية صنع القنبلة الذرية". والطيّار الذي ألقى القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما، ما كاد يشاهد هول حجم القنبلة حتى صاح مرعوباً: “يا إلهي ما الذي فعلته، فهذا السلاح سوف يدمّر عناصر الطبيعة ويهدد بالفناء الإنسان ومنجزاته الحضارية". عن صحيفة الخليج الاماراتية 30/12/2007