لو يعود حزب الله إلى بيته! احمد جابر دخل حزب الله «البيت اللبناني» متسلحاً بخصائص «منزله»، واستظل عباءة البيت لسنوات، فلم يستشعر فرقاً، بين الظل المكتسب، والظل الموروث... حدث أن الظلين تعايشا، فادعى كل منهما، أنه الآخر، لسنوات أيضاً. كان للدخول بيئته المحلية، التي اتخذت لها المقاومة المسلحة عنواناً، وكان له أيضاً ظروفه الإقليمية، التي رعت العنوان ودعمته، وأوصلته إلى «نهاياته السعيدة»... على امتداد تلك الفترة القتالية، صار خطاب «المنزل» الخاص بحزب الله، ذات خطاب البيت اللبناني، على صعيد سياسي وإعلامي، وطغى كلام الوحدة المتحلقة حول «المركز المنزلي» على المضامين الخلافية التي تشكل متن ذلك الكلام ومرتكزاته. إذاً، باسم الوحدة الوطنية، جرى طي أنواع التوافق اللبناني التي قبلت ببيان إعلان هذه الوحدة، مما يستدعي القول الآن، وبالاحتكام إلى يوميات السجالات السياسية الراهنة، أن ما حصل في الماضي كان «توحيداً قسرياً» انطوى على منوعات من القبول المتذمر، والصمت المستنكر، والرضى المهزوم، مثلما حفل بمنوعات من الترحيب المستبشر والدعم الواثق والمؤازرة الحماسية... مباشرة رفع «غطاء البيت»، بدأت بعيد إنجاز تحرير الأرض اللبنانية المحتلة في العام ,2000 كان ذلك بخفر وبمداورة، وبتحفظ... لكن سرعان ما اتخذ الأمر منحى «الكشف الكامل»، إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان، رفيق الحريري. آذن الاغتيال، بافتتاح مسار مغادرة حزب الله لبيته اللبناني، ليعود إلى منزله الطائفي الخاص، حيث الحصانة اللازمة، والأمن المطلوب، اجتماعياً وسياسياً. الانتقال من «البيت» إلى «المنزل»، لدى الحديث عن حزب الله، هدفه الأول الرد على السؤال الاتهامي الذي يتداوله بعض من الطيف السياسي اللبناني، الطائفي، بصيغة: هل حزب الله «قوة داخلية»؟ أم هو «مجرد ملحق» بأطراف خارجية؟ الرد على سؤال «تآمري» كهذا، أي بمعنى الانتساب إلى «نظرية المؤامرة» سهل، أما معاينة تفاصيله فصعبة، لأن الأمر يتطلب خوضاً متأنياً في بنية التشكيلة اللبنانية، مثلما يتطلب صبراً وحكمة ودراية في عرض مسارها التاريخي... لكن على سبيل التأسيس للقول اللاحق، يمكن تسجيل الملاحظة الاستباقية الآتية: إن حزب الله «داخلي» بمقدار ما تتمتع به الأطراف اللبنانية من «داخلية»، وهو «خارجي» بالتناسب مع ما تحتفظ به مكونات الصيغة الأهلية من «خارجية». هذا الحكم العام على استنسابات «المجموع الأهلي» اللبناني، لعلاقاته ومحاوره وتحالفاته، لا يتوه عن التدقيق في مخاطر كل استنساب أهلي خاص، وقربه أو بعده، عن انتظام الحياة الوطنية العامة... لكنه، أي الحكم، لا يبرئ طرفاً لبنانياً من ممارسة لعبة التأرجح بين «الداخل والخارج»... مما ينال، بشكل عام أيضاً، من مقولات السيادة، والاستقلالية والديموقراطية والقومية والعروبة... لدى كل فرقاء السجال الطوائفي الحالي، ويحيل السامع والمتابع إلى التفتيش عن جملة المصالح الضيقة التي تحكم الأداء «الجمعي»، للكتل الأهلية المتفرقة. ترافق عودة حزب الله إلى منزله، حساسية داخلية عالية، مصدرها، على صعيد ذاتي البنية العسكرية للحزب، التي تتمتع «بفيتو» خاص على الانتظام اللبناني العام، وعمق التحالفات مع الخارج الإقليمي، وحيوية بيئته الأهلية، أي صعود الشيعية السياسية، وحراكها، بما يفوق حالات الحراك التي تعتمل في صفوف «الطائفيات السياسية» الأخرى... وبما يكاد يتجاوز على قدرة الاحتمال، لدى الصيغة اللبنانية الموروثة!! أما مصدر الحساسية الداخلية، الموضوعي، فنابع من الانهيارات المتوالية للبنية اللبنانية، وعجزها عن إعادة تجديد «تسويتها التاريخية»، من خلال «خطاب مصالح» جديد، عابر للجغرافيا الوطنية العامة. في سياق هذا «الخطاب المصلحي» الجديد، لم يستطع الانتصار على العدو الإسرائيلي، أن يشكل رافعة للوضع اللبناني، المقيم على انقسام، بل إن الظفر إياه، تحوّل إلى مادة احتقان إضافية، عندما انتظم الافتراق حول معانيه، وعندما أصر «حزب الله»، وبنيته الأهلية، على ترجمة مفاعيل «النجاح الوطني»، وفقاً لرؤية «متمركزة على الذات الفئوية». قد تكون عودة «الشيعية» ومعها حزب الله إلى «مسكنها اللبناني»، مرتبطة باستعادة سعيها الذي كان لها، نحو الدولة ومؤسساتها، مع الاحتفاظ بكل الطعون والتحفظات الواجبة واللازمة والحقيقية... حول كل مصطلح «الدولة» الذي يحيل في الوضع اللبناني، القائم والموروث، إلى إشكالات، أكثر مما يعطف على حلول. هذا السعي، لا يسقط بداهة، الأخذ على محمل الجد كل وقائع الصعود الاجتماعي، الذي أصاب بنية الشيعية السياسية، لكنه يضع جانباً، سلفاً لسبب واقعي لبناني، كل مطالب الغلبة، واشتراطات التحكم، ورغبات التفرد... التي تؤدي سيادتها، إلى فرط عقد «الاجتماعي اللبناني». هل تستطيع «الشيعية» ذلك؟ أي هل تقدر على إعادة كتابة «لبنانيتها» وتجديد صيغة ارتباط هذه اللبنانية بمداها «العربي»، وبعمقها «الأيديولوجي» الخارجي؟ يفترض ذلك شروطاً ذاتية لدى «الشيعية السياسية»، أغلبها غير متوافر حتى الآن... ويفترض الأمر كذلك، شروطاً موضوعية مساعدة لدى «الطائفيات السياسية» الأخرى، التي لا تنزل الآن، «أبراج سعادتها»! لذلك... فالبحث طويل! عن صحيفة السفير اللبنانية 29/12/2007