إننا في أمس الحاجة إلى التخلص من ذرات الغبار التي تعلو فوق صفحة حياتنا لكي تصبح حياتنا صافية، "وليكن الصدق في الأقوال والأفعال والمشاعر، هو النبراس الهادي إلى حياة زوجية موفقة يسودها الحب, وترفرف عليها السعادة.
ولكي نحقق ذلك علينا أن نعمل كل ما في وسعنا، ونتقبل الأمور بصدر رحب، ومعرفة دقيقة...ونتجاوب مع شريك حياتنا في إطار من الصدق والصراحة" .
فالصراحة التي نرجوها أن تتحقق هنا، هي الصراحة التي تبني الثقة بين الزوجين وتساعد على استقرار الحياة الزوجية، وليست الصراحة التي تهدم وتقوض عرى الحياة الزوجية, "فليس كل ما يُعرف من الحق يُقال".
وإليكم هذه القصة:
(أخرج ابن جرير عن أبي غرزة رضي الله عنه أنه أخذ بيد ابن الأرقم رضي الله عنه فأدخله على امرأته فقال: أتبغضينني؟ قالت: نعم.
قال ابن الأرقم: ما حملك على ما فعلت؟ قالت: كثرت علي مقالة الناس (وذلك لكثرة زواجه وتطليقه النساء). فأتى ابن الأرقم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره, فأرسل إلى أبي غرزة فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: كثرت علي مقالة الناس.
فأرسل عمر إلى امرأته فجاءته ومعها عمته منكرة فقالت: إن سألك فقولي استحلفني فكرهت أن أكذب. فقال عمر: ما حملك على ما قلت؟ قالت: إنه استحلفني فكرهت أن أكذب.
فقال عمر: بلى فلتكذب إحداكن ولتجمل (أي تقول القول الجميل) فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام) .
وعمر رضي الله عنه لم يفتِ بمخالفة السنة ففي الحديث ما يُباح من الكذب: (المرأة تحدث زوجها والرجل يحدث زوجته). إن البيوت تحتاج إلى المجاملة أحيانًا كثيرة، حتى وإن كان كل من الزوجين يحب الآخر.
لأن الحب يمر بأوقات فتور، وإن ما يزكيه الكلام الطيب والمجاملة والمديح والثناء على المحبوب) كتاب[الخلافات الزوجية, حلول عملية, عادل فتحي عبد الله، ص25].
ومثلها قصة الرجل الذي جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في طلاق امرأته (فقال له عمر: لا تفعل, فقال: ولكني لا أحبها, فقال له عمر: ويحك وهل لا تبنى البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟).
ويقصد بذلك أن البيوت إذا عز عليها أن تبنى على الحب فهي خليقة أن تبقى على ركنين آخرين مهمين أحدها: الرعاية التي تبث التراحم في جوانبها, ويتكافل بها أهل البيت في معرفة ما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات.
وثانيها: التذمم والتحرج من أن يصبح الرجل مصدرًا لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقاء الأولاد، وما يأتي من وراء ذلك من نكد العيش, وعدم استقرار الأسرة.
وقد أفضى بعضكم إلى بعض:
ألا يستشعر الزوجان قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، للحفاظ على أعمدة البيت قائمة؟ وهل يكون هذا التلابس بينكما بانغلاق كل منكما عن الآخر، واستخدام أردية الكذب الشائكة؟
ألا تستشعر التعبير عن أهمية الإخلاص القائم على المصارحة والصدق في قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}، وهل هنا لفظة تعبر عن التداخل الشديد بين الزوجين مثل لفظة: الإفضاء؟
يقول سيد قطب رحمه الله: (ويدع الفعل (أفضى) بلا مفعول محدد، يدع اللفظ مطلقًا، يشع كل معانيه، ويلقى كل ظلاله، ويسكب كل إيحاءاته، ولا يقف عند حدود الجسد وإفضاءاته.
بل يشمل العواطف والمشاعر, والوجدانات والتصورات، والأسرار والهموم، والتجاوب يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان.
وفي كل لمسة جسم إفضاء, وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء، وفي كل تفكر في حاضر أو مستقبل إفضاء، وفي كل شوق إلى خلف إفضاء، وفي كل التقاء في وليد إفضاء.
كل هذا الحشد من التصورات والظلال والمشاعر والعواطف يرسمه ذلك التعبير الموحي العجيب، {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}، فيتضاءل إلى جواره ذلك المعنى المادي الصغير, ويخجل الرجل أن يطلب بعض ما دفع، وهو يستعرض في خياله وفي وجدانه ذلك الحشد من صور الماضي، وذكريات العشرة في لحظة الفراق الأسيف.
ثم يضم إلى ذلك الحشد من الصور والذكريات والمشاعر عاملًا آخر من لون آخر, {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} وماذا بعد هذا الكلام؟
1. كن لباسًا مخلصًا لزوجتك كما تحب أن تكون هي لباسًا مخلصًا لك.
2. افضِ إلى زوجتك بما في قلبك وحياتك كما تحب أن تفضي هي إليك, وإلا كانت قسمة ضيزى غير عادلة.
3. لبناء جدار الثقة بين الزوجين عليهما بالإخلاص والمصارحة التي تبني حياتهما الزوجية.
4. لا للصراحة التي تهدم العلاقة بين الزوجين، ولكنها صراحة مع تجمل.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يا أرحم الراحمين برحمتك نستغيث