دائما ما نقرأ في التاريخ عن عظمة مصر وحضارتها الممتدة على مر العصور من الحضارة الفرعونية إلى القبطية إلى الإسلامية، وعن مدى تأثير تلك الحضارات ليس فقط على ما يقع حول محيطها من بلاد بل أيضا على العالم بأسره.
وكثيرا ما قيل لها العديد من كلمات الغزل التي قد لا تفيها حقها بالرغم من كثرتها منذ قديم الأزل، منذ أن وصفها هيرودوت بأنها هبة النيل .
حتى جاء بعده الشعراء جميعهم ليتفننوا في مغازلتها بأبدع الكلمات التي نطرب بها ويقشعر بدننا حين سماعها وربما تذرف دموعنا إذا حضرتنا تلك الأشعار ونحن بعيدون عن أرضها.
ولكن لماذا مصر بالنسبة إلينا أحب وأجمل الأشياء ولما نحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء؟! ... ربما لأنها بلدنا الحبيب التي ترعرعنا على أرضها وشربنا من نيلها وغير ذلك من الكلمات التي اعتدنا قولها.
لكنني أرى أن عشق مصر يجري في دمائنا وهو حب مختلف عن حب أي شعب لوطنه، فنحن نفتخر بكوننا مصريين وأحفادا للفراعنة أصحاب أعظم وأقدم حضارة على مر العصور، وقد يرى الكثيرون أن حب أي شعب لوطنه واعتزازه به شيء طبيعي فلم كل ذلك المدح في مصر تحديدا.
هنا يأتي الرد ببساطة، إنه فعلا من الطبيعي أن يعتز كل شعب ببلاده لكن من غير الطبيعي أن تعتز كل الشعوب ببلد واحد وتجمع عليه وتقتدي به بحيث يصبح هذا البلد ملهم لدول العالم صغيرها وكبيرها، من شرقها إلى غربها، إنها مصر أم الدنيا وهي بالفعل كذلك .
فما يكاد يجرى حدث ما في مصر حتى يهتم به العالم أجمع، كما حدث في ثورة 25 يناير التي التفت حولها الشعوب والقادة وأصحاب الرأي .
الشعوب التي ناصرت المصريين ولو بالدعاء لهم وتشجيعهم، والقادة الذين اهتموا بالحدث لما تعنيه مصر بالنسبة إليهم من الناحية الإستراتيجية ، وأصحاب الرأي الذين وصفوها بالثورة الراقية المبرزة لأصالة الشعب المصري وتحضره.
وبعد أن نجحت تلك الثورة ما لبث أن استعار الغرب روحها النقية الشفافة، لتنتقل برقيها وبريقها إلى إسبانيا إحدى الدول الأوروبية المتحضرة.
فلم لا نفتخر ببلدنا ونحن نشاهد الشعب الإسباني يرفع علمنا في وطنه، أليست كتابة نفس العبارات الثورية باللغة العربية أكبر دليل على اتخاذ مصر كقدوة بالنسبة إليهم .
أليس رفع اللافتات التي كتب عليها اسم ميدان التحرير، بل وتغيير اسم أكبر ميدان بالعاصمة مدريد من ميدان "بويرتا ديل سول" إلى ميدان "التحرير" مدعاة للاعتزاز بمصرنا الحبيبة.
لم لا نفتخر بكوننا مصريين وقد كرر الأسبان مشهد التظاهرات المصرية عند تكوينهم للجان شعبية تنظيمية تتولى مسئوليات عدة كتوفير الطعام وتنظيف الميدان وإنشاء مركز للإسعافات يرعى المتظاهرين صحيا .
وفى صورة عطائية مشرفة قد لا نجدها إلا في مصر نجد المتبرعون بالأكياس المخصصة للنوم وكل ما يحتاجه المتظاهرون في الميدان.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تؤثر فيها مصر على الدول الأخرى ، وهذا ما عهده التاريخ ، فعلى اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء كما قال العملاق صلاح جاهين، حيث أثرت ثورة 23 يوليو على الوطن العربي بأكمله فكانت قائدة لحركات التحرر والاستقلال بالدول العربية .
بالإضافة إلى كونها ملهمة لشعوب العالم الثالث سواء بأفريقيا أو بأمريكا اللاتينية، ومحرضةً لشعوبه على الثورة ضد الاستعمار المغتصب لأراضيها.
كما تعدى تأثير ثورة 23 يوليو كونه تأثيرا إقليميا حين تشكلت حركة عدم الانحياز بين مصر ويوغوسلافيا والهند ليصبح دورها ملموسا ومؤثرا على المستوى العالمي .
هكذا يحق لمصر أن تكون أم الدنيا كما يحق للمصري أن يرفع رأسه فخرا واعتزازا بمصريته ويقولها عالية "أنا مصري".