نزاع البدو السنة و الهزارا الشيعة : جدلية المراتع أم صدام العرقيات؟
* فضل القاهر
النزاع المستمر بين البدو كوتشي و الهزارا الشيعة لفت الأنظار من جديد إلى المشاكل العرقية التي تعرقل عملية بناء الوطن في أفغانستان. وهذا النزاع لا يكون حول المراتع فقط, بل ترجع جذوره إلى صدام العرقيات في البلاد منذ أكثر من قرن. عند ما حاول مؤسس أفغانستان المعاصر الأمير عبد الرحمن خان الاحتواء المحكم على كل البلد في 1888, واجه جهوده مقاومة من الهزارا الذين كانوا يسكنون المناطق المركزية و الهضاب في ولايات باميان, اروزغان, و غزنة. من 1888 إلى 1893, شن الهزارا ثلاث انتفاضات فاشلة والتي قتل فيها عددا كبيرا, ما يقدره البعض بنصف عرقية الهزارا. و الأمير بدوره شدد على الهزارا بطرق شتى. أرسل الحكام المتشددين إلى مناطقهم و أجبرهم على اعتناق مذهب السنة, و اخذ منهم عبيدا و اماءا. و من هنالك, نشأ فكرة العصبية ضد البشتون في الهزارا لأنهم نسبوا اعتداء عبد الرحمن الملك المستبد إلى كل عرقيته. و تواصل التمييز ضد الهزارا في الحكومات القادمة بشكل عشوائي, حيث كان بعض الأمراء يسيرون على نفس منهج الأمير عبد الرحمن و بعضهم خففوا الأوضاع على الهزارا كثيرا. ففي العقدين الأولين للقرن 19, واصل الملك نادر شاه الاعتداءات ضد الهزارا فقتل عدد منهم و اخذ منهم سبايا. و جاء اغتيال نادر شاه بيد متعلم من الهزارا, قتله بالرصاص خلال عرض احتفالي كنتيجة ظلمه على الهزارا. و في العصور الحديثة, كان الهزارا الشيعة احد الأطراف المتدخلة في الحرب الأهلية التي أخذت طابع الطائفية بعد انتصار المجاهدين و فتحهم كابول في أوائل عقد تسعينات القرن الماضي. فكان رجال زعيم المجاهدين القوي عبد الرب رسول سياف يقتلون و بصحبة و تشجيع العرب السلفيين معهم الشيعة الهزارا في غرب كابول. فكان قتال غربي كابول بين السنة البشتون بقيادة سياف و الهزارا بقيادة عبد العلي مزاري و محقق افتك اقتتال دمر العاصمة. واحتدم النعرات الطائفية في تلك الفترة إلى أن كان المسلحين الهزارا يغتصبون نساء البشتون و الطاجيك من السنة و الآخران يفعلان نفس الاعتداء ضد الأول. و وصل محاولات استئصال الآخر إلى أن الهزارا كانوا يضعون في الخضار و الفواكه الطازجة سما و كانوا يبيعونها على البشتون ليموت. هذا في كابول, و غزني و بعض المناطق الأخرى. وبعدئذ, عند ما جاءت حركة طالبان السنية الحنفية المتشددة, و سيطرت على مناطق الهزارا في باميان و غزني و اروزكان, لم يدخروا جهودهم لقتلهم و خصوصا بعد أن ثار السكان المحليون الهزارا في باميان و مزار شريف ضد طالبان و اغتالوهم بكيد. وقتل طالبان الزعيم الرئيسي المتعصب للهزارا عبد العلي مزاري و احتفل الناس بمقتله. فتعززت تفكير التعصب العرقي في كل من البشتون و الهزارا طوال القرن الماضي. و تجلت آثار هذه الخلافات المبنية على التعصب الخفي في قلوب الهزارا في الأعوام الحديثة في مناطق يسكن فيه كلا العرقيين و يشتركون الأرض و الماء و المراتع. فبعد أن كانت نزاعات الأرض و المراتع في وقت حكومة المجاهدين و طالبان لم تتعد من صبغتها المحلية, اليوم ترفع الهزارا عبر زعمائهم نعرات المظلومية ضد البدو السنة من العرقية البشتونية لينتهزوا بالفرص المتاحة لديهم حيث تقع زعماء الهزارا في ارفع المناصب الحكومية, كنائب للرئيس و وزراء و حاكمين للولايات. واستدل الكوتشي البدو في نزاعات حديثة إنهم لم يعتدوا على الإطلاق على أراضي للهزارا, و إنما كانوا يرعون ماشيتهم في المراتع التي كانوا يستفيدون منها برضاء السكان المحليين الهزارا طيلة العقود الماضية. و زعماء البدو استعرضوا وثائق رسمية منحتهم الحكومات منذ عهد الأمير عبد الرحمن حان والتي تثبت ملكيتهم للأراضي و المراتع في ولايتي باميان و ورداك حيث الهزارا يطالبون بطرد الهزارا أصلا و لا يعترفون بحق لهم في أرضهم و مياههم و مراتعهم. و من عادة البدو أنهم يتنقلون طوال السنة, ففي الصيف الحار يقيمون خيمهم في مناطق باردة و خصبة في الهضاب المركزية, و في الشتاء ينتقلون إلى المناطق الشرقية الحارة و يرعون ماشيتهم هناك. و لا احد ينازع مع البدو حول الأراضي الحرة و المراتع الخصبة. و للسكان المحليين في كل المناطق التي يسكنها البشتون و الطاجيك صداقات جيدة مع البدو الرحل, رغم بعض مجادلات عشوائية. و من عادة البدو أيضا أنهم طائفة قاسية و عصيبة, خصوصا في شئون الحرب. فعندما حاول الهزارا بطرد البدو من مناطقهم في باميان و ميدان ورداك و نازعوا معهم, كان رد الكوتشي طبعا ردا عصيبا. و منذ العام الماضي, قتل أكثر من 60 شخص من كلا الطرفين في نزاعات مسلحة بين العرقيين. و الهزارا الذين يتمتعون بنفوذ كبير في الحكومة و المجتمع الدولي الذي يصمم كبائر الشئون في كابول لم يكفوا عن استخدام أية وسيلة في توجيه فعلتهم ضد البدو. الهزارا يديرون صحفا عديدة و مؤثرة في كابول بلغتي الانكليزية و الفارسية بالإضافة إلى بعض المواقع النشيطة على الانترنت. فحمل الإعلام الشيعي الهزاري بكل شدة حملتهم ضد البدو الذين لا يملكون وسيلة بسيطة لإسماع كلمتهم للآخرين. فجاءت التهم من الهزارا أن البدو الذين هاجموهم في ورداك و باميان لهم صلات بتنظيم القاعدة و طالبان. و دعم زعماء الهزارا المتشددين المتعصبين جاليتهم الشيعية في هذه الحملات الغاشمة. فاضرب محمد محقق المعروف بضرب المسامير في رؤوس غرمائه البشتونيين عن الطعام لأسبوع محتجا ضد الحكومة بأنها لا تسعى لحل نزاع الهزارا مع البدو و أن الرئيس كرزاي يدعم البدو فيما سماه اعتداءا على الهزارا. كما احتج نائب كرزاي الشيعي محمد كريم خليلي بعدم حضوره إلى اجتماعات رسمية للحكومة و مجلس الوزراء. و نظم محقق الذي يريد أن يرشح نفسه لانتخابات رئاسية القادمة في 2009 مسيرة كبيرة في كابول, والتي ضم آلافا من الهزارا الشبان المتحمسين بهويتهم الهزارية ليحتجوا ضد الحكومة لما سموه تلكؤها في حل القضية و وقوفها مع البدو ضد الهزارا في نزاع دائر بمنطقتي بهسود و داي مرداد بولاية ورداك. وأيضا تجمع مئات آخرين من الهزارا في ولايتي باميان و بلخ لينضموا إلى نفس الاحتجاج. فهذه المظاهرات هي أولا محاولة منظمة من قبل الزعماء الشيعة, و في رأسهم محمد محقق و هو نائب برلماني, لتجمع الهزارا حوله لكي يصوتوا لصالحه في الانتخابات الرئاسية القادمة. وجدير بالذكر أن الشيعة الهزارا تشهد صحوة بالغة بالانتماء لعرقيتهم و مذهبهم و قد يستفيدون بالتكافل مع الآخر بينهم من كل فرصة لترقية و تعليم أبناءهم ليديروا مستقبل البلد, لأنهم يزعمون أنهم أكثر العرقيات اضطهادا طوال التاريخ و انه قد آن لهم أن يفوقوا على كل العرقيات الأخرى.