كما تخلط جدتي – رحمها الله - الحنطة بالماء وتظل تجاهد في عجنها وإجهادها حتى تستسلم في نهاية المطاف وتقبل التطويع والخبيز، في صراع بدائي بين المادة وإرادة الإنسان، كذلك تفعل ميديا الإدارات الأمريكية مع عقول العرب "الرُحل" عن كل ما هو منطقي وعقلاني.
من منا لم يرى هذه البجعة البيضاء بلون بشرة بوش والإدارة الأمريكية، وهي تتلوي في بقعة الزيت التي قالوا أنها من بنات أفكار صدام لتلويث الخليج، في الصورة بدت البجعة المسكينة -التي لا يتواجد جنسها إلا في روسيا - تصارع للبقاء على قيد الحياة، وذلك في بداية التحضير للحرب الصليبية الثالثة التي بشر بها - زالف اللسان- جورج بوش الابن.
تصدرت صورة البجعة المسكينة الميديا الغربية والآلة الإعلامية بقيادة الملياردير الصهيوني الأمريكي روبرت ماردوخ المساهم الأكبر في وكالة رويتر للأنباء يعاونه مكتب نشر الأكاذيب في البيت الأبيض- هيئة فيدرالية رسمية- ومنها انتقلت إلى العقلية العربية التي لا تهتم بمعايير الجودة ولا مصداقية المنشأ، وذرفت الدموع على البجعة وليس على أطفال العراق الذين أنهكهم الحصار وقتلهم المرض وشيعت توابيتهم بالآلاف كل يوم، وطالب الجميع بمن فيهم العرب بشن حرب أممية مقدسة والثأر للبجعة وأخواتها!!
تبين بعدها أن القديسة بجعة – فقيدة الشفقة العربية - كانت روسية النسب وأن البقعة البترولية كانت في منطقة سيبريا الروسية وصدام منها براء، تماماً كما كانت بقعة كلينتون على قميص مونيكا في أروقة البيت الأبيض ولم يقل احد أنها تمت في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا.
وكقطيع من الحمير المستكينة أكلنا البرسيم وشربنا الميديا القذرة، ووقفنا نشاهد شاشات الميديا الغربية العملاقة مغيبي العقل مسلوبي الإرادة وهي تحقن عقولنا بالخوف من قوة العراق النووية وخطورته على الأمن والسلم العالميين، وكأن إسرائيل الشقيقة وصواريخها الحميمة وترسانتها الرحيمة ومفاعلاتها الآمنة قد سخرها الله لنشر دينه ولنصرة نبيه ولردع وحوش العرب على كوكب زحل!!
قال لي أحدهم أن أكاديميا عربياً كان يعمل في إحدى جامعات دولة بترولية خليجية ومعه زميل أمريكي في ذات القسم العلمي، وتبين للأكاديمي العربي أن صديقه الأمريكي على درجة وظيفية تميزه في الراتب الشهري وتتعدى آلاف الدولارات، فلما تحدثا في ذلك – وكان العربي على درجة علمية بحثية مشهود بها دولياً - قال الأكاديمي الأمريكي لزميله العربي: "عندنا في الغرب مثل يقول إن وجدت حماراً ولم تركبه صرت أكثر منه حميرية "..!
هكذا هو الوعي والعقل العربي بعد هزيمته النفسية أمام الميديا الغربية التي اعتلت ظهره بكل بساطة، وجعلته يقدس كل ما يلفظه الغرب، بل إن شئت فقل يقدس كل ما يتبوله الغرب ويتغوطه ويقيئه من مؤسساته التي احترفت التزوير والكذب دون بصيرة أو مراجعة أو وعي مؤسسي رسمي أو حتى شعبي جمعي.
ولن نذهب بعيداً عن الجزء الخفي في الأزمة المالية العالمية والسطو على ترليونات الدولارات من أموال "المستحمرين" العرب – ومنهم حكام وقادة وملوك وحكومات دول - تحت حماية نظام نصب أمريكي اسمه (Chapter-11)، وهو نظام يحمى الشركات الأمريكية التي افتعلت النصب من الدائنين والمقرضين والملاك، حيث يحمى النظام الشركة ماليًّا أمام الجهات القضائية.
ويرجح بعض المحللين افتعال الأزمة داخل الاقتصاد الأمريكي الذي يعانى من عجز متواصل قصد الاستحواذ على ترليونات المستثمرين، وهو يمثل أحد الحلول ليتخلص به الاقتصاد الأمريكي من ديونه المتراكمة، والتي لا يوجد لها غطاء نقدي مماثل من العملة الخضراء.
ويصف اقتصاديون – للأسف أمريكيون- سياسات التصفير ب"الخبث القذر"، العامل على إسقاط الديون الأمريكية بشكل يستجدى الشفقة و يدعو للاحتواء، إذ تعتبر هذه الأموال الطائلة حملًا ثقيلًا على الاقتصاد الأمريكي، ولا يتحمل مخاطر سحبها أو تقلصها، لذلك يعتمد الرأسماليون على خطة محكمة شعارها "السرقة" و"التضحية" بكم هائل من بنوكها وإعلان إفلاسها، وبالتالي لا يستطيع المستثمر الأجنبي سحب أمواله من السوق الأمريكية التي تعتبر ديون "معدومة" لأن نظام (Chapter-11) يحمى هذه المؤسسات من "المستحمرين" العرب.
هل تتذكرون يا قراء ميديا القبض على الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، وهل تتذكرون وجوه هؤلاء المارينز الذين لا يقهرون على طريقة السيد "أرنولد شوازينجر" الممثل الأمريكي المشهور- صار حاكماً لإحدى الولاياتالأمريكية - وهم يمسكون بتلابيب صدام ويسحبونه وهو يرتعد كما الفأر، من فوهة جحر أو قبو كان مختبئاً فيه ويخفي فتحته بقطع من الورق المقوى.!!
تخيل سيدي القارئ رجل عاش طيلة حياته عسكرياً يعتد بزيه العسكري، فضلاً عن تعرضه لعدد من محاولات الاغتيال التي نجا منها بقدر الله ثم بحنكته وعقليته يختبئ كما الجرذ في قبو(!!) ، وهو الذي قاد المقاومة – رغم تحفظنا علي نظامه- في الشهور الأولي للعدوان العربي-الأمريكي الإستحماري.
المفاجأة أن الإتحاد الصحفي الدولي (يو بي آي) نشر في 8 مارس 2005 بيانا صحفيا صغيرا تحت عنوان " نسخة عامة عن قصة أسر صدام" اشتمل على اقتباسات من جندي مارينز سابق أسمه نديم رابح، وهو من أصول لبنانية قال فيها : "أنا كنت من بين ال 20 رجل المكونين للوحدة، ضمنهم ثمانية من أصول عربية، الذين بحثوا عن صدام لمدة ثلاثة أيام في منطقة الدور القريبة من تكريت، ووجدناه في بيت بسيط في قرية صغيرة وليس في الحفرة التي أعلن عنها،
أسرناه بعد مقاومة عنيفة خلالها قتل جندي بحرية من أصل سوداني".
ولأن الكذب كما هو الكذب ليس له قدمين روى رابح كيف أن صدام أطلق النار بشراسة عليهم من بندقية من نافذة غرفة تقع في الطابق الثاني، بعدها صرخ جنود البحرية عليه باللغة العربية، "أنك يجب أن تستسلم. ليس هناك من فائدة في المقاومة".
لاحقا – والكلام لرابح- لفق فريق إنتاج عسكري فلم أسر صدام في حفرة، والتي في الحقيقة كانت فتحة لبئر مهجور..!!
رواية جندي البحرية السابق تتفق مع التصريح الذي أعطاه صدام حسين لمحاميه في اجتماعهم الوحيد قبل محاكمته وإعدامه أمام الحمير العربية، حيث أخبر صدام بأنه أسر في بيت صديق وأنه خدر وعذب لمدة يومين.
كل مواقع الأخبار ومحطات التلفزة العربية أخذت صور اعتقال صدام التي وزعت عليهم من قبل جيش الاحتلال الأمريكي مرددين تصريحات جيش الاحتلال بطريقة ببغاوية، دون تروي أو بحث تماماً كما حدث مع صورة البجعة المسكينة .
عزيزي القارئ لا تكتئب فلسنا وحدنا المستحمرين فوق هذا الكوكب ، فبعد غزو واحتلال بنما عام 1989، سمحت الولاياتالمتحدة للصحافة دخول مكتب الرئيس المطاح به مانويل نورييجا، الذي سوقته الميديا الأمريكية على انه منحرف جنسياً، وكان في المكتب –لزوم الطبخة- أمام الصحفيين عشرات الصور لأطفال صغار تم جلبهم –بحسب الميديا- ل"فرفشة" الزعيم ، ولم يخلوا الموضوع من بصمة على منوال الحرب على الإرهاب فوضعت صورة هتلر على أحد حوائط مكتب الزعيم، بالإضافة لملابس داخلية "حمراء" ومجلات خلاعية لزوم الشئ!!
وبعد هذه الواقعة بشهور قليلة، سرح من الخدمة العسكرية الأمريكية جندي البحرية الذي كان أول من دخل مكتب نورييجا، تكلم الجندي في النهاية مع مراسل صحفي وقال له بأنه كان أول من دخل المكتب على الإطلاق بعد أن اختطفت الولاياتالمتحدة الرئيس البنمي السابق وكل ما كان داخل المكتب هو منضدة، هاتف، كرسي وآلة كاتبة!!
هذا السيناريو تم طبخه وإعداده قبل اعتقال الرئيس البنمي السابق بحوالي 16 سنة وبالتحديد في عام 1973، حيث اغتيل الرئيس التشيلي سلفادور الليندي، وسمح للصحافة حينها دخول مكتبه، وسجل الصحفيون ما شاهدوه.. زوجا من الملابس الداخلية الحمراء..صور لأولاد صغار.. صورة لهتلر ومجلات خلاعية.
ثمة صورة انتشرت تعيد ما حدث لبجعتنا المسكينة التي بدأنا بها المقال ، الصورة لمجموعة من الجنود الأمريكان واقفين بجانب بناية عراقية وعليها كانت صورة انفجار مركز التجارة العالمي، مما يجعل العقل يطمئن أن العراقيين إما مشاركين في الحدث أو احد رعاته أو على الأقل يكرهون الأمريكان وتلك ميديا عظيمة لا تقل خطورة عن قصة الأسلحة النووية الكاذبة.
دون أحد الكتاب الأمريكيين ( Jeff Archer) تعليقه عليها قائلاً: لاحظت أن الجنود كانوا واقفين على قاعدة طريق لملعب البيسبول..لم يكن لساحات ملاعب البيسبول وجودا في العراق..بعدها، نظرت إلى الأشجار ورأيت أنها كانت خصوصا نوع من أنواع الأشجار الموجودة في المناطق الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة والتي لم أرى وجودا لها في أي صور العراق!!
ثم قال (Jeff Archer) ضارباً كفا بكف : الصورة كانت مزيفة، لكن الميديا منها كانت قد عملت عملها..حتى أجهزة الإعلام الرسمية التقطتها وعرضتها..كتبت إلى بضعة وكالات التي استعملتها ووزعتها، لكنني لم أستلم أي جواب.. كانوا منحرجون!