محمد عصمت سيف الدولة يقولون اهمسوا أو اصمتوا فأمريكا والكيان الصهيوني لهما آذان، وإياكم أن تتحدثوا الآن عن كامب ديفيد أو تذكروا المعاهدة من أصله فليس هذا وقته.
دعونا ننتهي من هذه المرحلة على خير، وبعدها فليكن لكل حادثٍ حديث، لا نريد استعداء أمريكا والصهاينة والغرب الآن على ثورتنا.
ولا نرغب في إعطاء ذرائع للصهاينة للانقضاض على سيناء الآن، خاصةً ونحن نعلم جيدًا أنها منزوعة السلاح في ثلثي مساحتها، ومثلما يقول المثل الشعبي: "تمسكن إلى أن تتمكن".
ويقولون إن الشباب ثار من أجل الحرية والكرامة، وباقي الشعب ثار من أجل لقمة العيش، ولم يثر أحد من أجل فلسطين أو ضد أمريكا والصهاينة
لم نسمع أي هتافاتٍ طوال أيام الثورة تخص هذه القضايا؛ أي أنها ثورة داخلية 100%، فلا تفسدوها علينا الآن، وبعد تحقيق الديمقراطية بإذن الله يستطيع مَن يشاء أن يقول ما يريده فإن أقنع الناس فعلى بركة الله، وإن لم يفعل فعليه أن يتقبل رأي الأغلبية.. هذه هي سنة الديمقراطية".
انتهت الوصية، وهي وصية صامتة، ولكنها منتشرة بين كثير من الأطراف، وكأنها سر الثورة الخاص بها.
حسنًا، في الوصية منطق قوي وحصافة وحذر مطلوب وكتمان محبب في الأحوال والظروف العادية.
ولكنه رغم ذلك يظل كلامًا غير صحيح وغير مبدئي وقد يكون غير مجدٍ.. لماذا؟
1- لأن الشعوب عادةً لا تُخفي مبادئها المشروعة، ولا تخجل منها، ولا تتحفظ في طرحها، كما أن الثوار يختلفون عن الساسة، فالساسة صناعتهم هي التكتيك والمناورة والمرونة والتفاوض والتقدم والتنازل أما الثوار فيجاهدون، فإما النصر أو الشهادة، وهم لا يساومون أبدًا على معتقداتهم.
قد يتكتمون على الخطط والإستراتيجيات، ولكن الموقف المبدئي يجب أن يُعلن منذ اللحظات الأولى، والموقف المبدئي في مسألة كامب ديفيد هو أن الشعب يريد:
- أن يتحرر من القيود المفروضة على مصر بموجب هذه المعاهدة.
- وأن يسترد كامل سيادته العسكرية على سيناء؛ ليحميها من التهديد الصهيوني المستمر بإعادة احتلالها مرةً أخرى.
- وأن يتحرر من العلاقات الإلزامية مع الكيان الصهيوني، ومن التبعية للولايات المتحدة. هذه واحدة..
2- والثانية أن من حق الشباب الثائر أن يعلم أصل الحكاية، من حقه أن يعلم أنه حُرِمَ من السياسة لثلاثين عامًا بأوامر من الأمريكان والصهاينة، وأنه تم تغييبه عمدًا، لكي لا يكون طرفًا في هذا الصراع.
وهو التغييب الذي انعكس على ثورة يناير في التركيز على شعار الحرية والعدالة فقط، دون تطرق للاستقلال والتحرر من الهيمنة الأمريكية.
على الرغم من أن النظام الذي نطالب بإسقاطه، هو صناعة أمريكية صرفة، بدأت منذ السبعينيات؛ لتجريد مصر من المقدرة على مواجهة الكيان الصهيوني مرةً أخرى.
كما أن الآن هو الوقت المناسب لنتفاعل مع أبنائنا، ونحكي لهم أصل الحكاية، فإن لم نفعل، فسنكون من المضلِلين، كما أن كثيرًا منهم لا يعلمون أن سيادتنا في سيناء منقوصة، ولو علموا فلن يقبلوا هذا الوضع.
كما أنه قد يترتب على صمتنا أن يثبت ويترسخ لدى الأجيال القادمة أنه لا توجد مشكلة بيننا وبين الصهاينة والأمريكان، فيستمر الحال على ذات المنوال.
3- ثم إنه من غير اللائق ولا المقبول أن يملأ الأمريكان والصهاينة الدنيا بتصريحاتهم المستمرة عن ضرورة التزام أي رئيسٍ أو برلمان مصري قادم بمعاهدة السلام
ونقوم نحن في المقابل بالتزام الصمت وكأنه أمرٌ لا يعنينا، أو كأننا نوافق على حقهم في تحديد وصياغة سياستنا الخارجية.
4- ثم دعونا نتعظ من تجارب الآخرين.. ماذا حدث حين امتنع المفاوض الفلسطيني عن طرح موقفه المبدئي، واكتفى بالمطالبة بفلسطين 1967م فقط إلى أن تتغير الظروف؟ ماذا ترتب على ذلك؟
ترتب أولاً أنه لم يحصل على شيء ألبتة.
وترتب ثانيًا أن أحدًا لا يجرؤ الآن على المطالبة بكل فلسطين، بعد أن استقرَّ لدى الرأي العام العالمي أنها أرض "إسرائيل" بعد أن تنازلت عنها منظمة التحرير الفلسطينية؛ مما سيتطلب عقودًا طويلةً لإعادة الاعتبار لمبدأ أن كل فلسطين هي أرض عربية.
5- ثم أن أعداءنا ليسوا سذج، فهم يعلمون خرائطنا السياسية والفكرية والعقائدية الحقيقية، فصمتنا لن يخدع أحدًا.
6- بالإضافة إلى أن حجة "إن إلغاء المعاهدة يعني الحرب"، هي حجة زائفة وغير حقيقية، وهي فزاعة سخيفة كان هدفها ترهيب الشعب المصري من التمرد والخروج من الحظيرة الأمريكية؛ فبإمكاننا أن نلغي ألف معاهدة دون أن نُعلن الحرب على أحد.
وعندنا قصة الحرب الباردة بين العدوين اللدودين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي، التي لم تُطلَق فيها رصاصة واحدة.
7- بالإضافة إلى أننا لم نبادر أبدًا بالحرب، إلا في 1973م لتحرير أرضنا المحتلة، وعندما اعتدوا علينا في 1967م، لم يفعلوا ذلك لأننا بادرنا بالعدوان، ولكن فعلوه لمنع مصر من التحول إلى قوة سياسية واقتصادية.
إنه العداء الصهيوني العميق لمصر، الذي لن يتغير، حتى لو رفعنا جميعًا الرايات البيضاء وأهديناهم الورود كل صباح.
8- ثم دعونا نستفيد من قوة الدفع الثوري الهائلة القائمة الآن، ولنبدأ بمطالب محددة مشروعة ومتوافقة مع كل المواثيق الدولية مثل:
- المطالبة عبر الوسائل الدبلوماسية بإعادة النظر في معاهدة السلام، وخاصةً تلك المتعلقة بالترتيبات الأمنية في سيناء.
- إلغاء اتفاقيات تصدير الغاز والكويز وأخواتها.
- الانسحاب من أية ترتيبات تشارك في فرض الحصار على فلسطين
- فتح معبر رفح ومعاملته كمعبر السلوم.
9- إن معنا الآن قوةً الناس، قوة الشعب بأكمله، وهو الوقت الأكثر مناسبةً في حياتنا لطرح كل ما نريده، ولن يجرؤ أحد أن يتهم شعبًا بأكمله بالتطرف، كما أننا دخلنا الآن في مرحلة الحوار حول البرامج الانتخابية البرلمانية والرئاسية، من أجل المستقبل الأفضل لمصر، وليس من المعقول أو المقبول أن تخلو من تناول أهم وأخطر مسألة تهدد أمننا، وأقصد بها فزاعة سيناء.
10- وهذا لا يعني أن نطالب بإلغاء كامب ديفيد فورًا، فهناك عشرات الخطوات والمقدمات الضرورية والمحسوبة التي يجب أن ننجزها أولاً، ولكن يتوجب الإعلان عن موقفنا المبدئي منها، من أجل فضح وشرح خفاياها ومآسيها لكل مَن لا يعلمها من شعبنا الثائر الكريم.