على الرئيس الأميركي الجديد دعم المحادثات السورية الإسرائيلية ترودي روبين سوف يرث الرئيس الأميركي المقبل تركة ثقيلة من مشاكل الشرق الاوسط. غير ان هناك فرصة لتغير التحرك السلبي هناك عن طريق دعم مسار سلام الشرق الاوسط الواعد الذي لم يدعمه ابدا فريق بوش. اشير في ذلك الى المحادثات غير المباشرة بين اسرائيل وسوريا التي تتوسط فيها تركيا منذ مطلع عام 2007. وفي ذلك يقول مارتين انديك مدير سياسة الشرق الاوسط في معهد بروكينجز" سوريا هي حلقة الوصل لنفوذ ايران في قلب الشرق الاوسط. ويمكن لسلام اسرائيلي سوري ان ينتج اعادة انحياز استراتيجي في المنطقة." مع ذلك فان المحادثات لا يمكنها ان تمضي قدما إذا تراجعت الولاياتالمتحدة عن دعمها( او حتى حاولت تقويضها), كما هو حال سجل فريق بوش. في زيارة لتركيا الاسبوع الماضي تحدثت بشكل مسهب عن المسار الاسرائيلي- السوري مع مسئولين كبار وخبراء استراتيجيين والذين ينتظرون بشغف بالغ رؤية ما اذا كان الرئيس الاميركي سوف ينخرط في النهاية في هذه المحادثات. منذ سنوات كانت سياسة الادارة الاميركية تهدف الى عزل سوريا، التي تحالفت مع طهران وسمحت لايران بنقل اسلحة عبر الاراضي السورية الى مقاتلي حزب الله في لبنان. غير ان الظروف في المنطقة تغيرت بشكل مذهل بحلول 2006 و2007 لدرجة جعلت من المحتمل بشكل كبير ان يتم جذب سوريا بعيدا عن ايران عن طريق الدبلوماسية بدلا من التهديدات. يذكر خبراء اتراك ان سوريا كانت قادرة على الاحتفاظ بعلاقة استراتيجية مع ايران في نفس الوقت الذي كانت تستطيع ان تحتفظ فيه بوضعها في العالم العربي. لكن في فترة ما بعد صدام حسين فان تعاظم نفوذ ايران في العراق ولبنان وغزة اثار قلق عدد من الزعامات العربية. وهذه التوترات جعلت تحالف سوريا الوثيق مع طهران معرض للخطر بشكل كبير. واعتقدت تركيا ان سوريا كانت تسعى الى وسيلة لتقليص علاقاتها مع ايران. في هذه الاثناء، توصل مسئولون اسرائيليون الى رؤية ان التهديد الامني الاساسي لهم يأتي من ايران. وجعلهم ذلك راغبين في النظر في اعادة مرتفعات الجولان الى سوريا بغية ابعاد دمشق عن طهران. انطلقت المحادثات بعد زيارة في فبراير 2007 قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت لتركيا. وتم عقد اربع جولات من المحادثات غير المباشرة وتم تأجيل الجولة الخامسة ريثما يتم تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة بعد استقالة اولمرت. غير انه حتى الاشهر الاخيرة الماضية كانت ادارة بوش تعارض المحادثات. ومحاولة الدفع الاخيرة من قبل وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس يبدو انها ضئيلة جدا ومتأخرة جدا عن إحداث اي تغيير. واوضح السوريون ان دعم اميركي قوي للعملية امر ضروري من اجل احراز تقدم في المحادثات. ليس لدى المسئولين الاتراك اي اوهام بان العملية ستكون سهلة. فالمحادثات الاسرائيلية السورية السابقة، خلال ادارة بيل كلينتون فشلت بعدما كانت قد بلغت ذروتها. ويناضل حزب كاديما الحاكم من اجل تشكيل حكومة جديدة والرأي العام الاسرائيلي رافض للتخلي عن الجولان. وليس هناك احد على يقين بما يريده بشكل حقيقي الرئيس السوري بشار الاسد. مع ذلك فان سلام اسرائيلي سوري جدير بالسعي والدعم لانه يمكن ان يغير الصورة الاستراتيجية في المنطقة. حيث لن تعد ايران فيما بعد قادرة على نقل اسلحة الى حزب الله عبر سوريا وسوف يكون على حزب الله ان يعيد التفكير في سياساته حيال اسرائيل. ويمكن نقض زيادة القوة الاقليمية لايران فيما بعد صدام. وهذا بدوره يمكن ان يقوض حماس ويساعد على تسهيل المحادثات الاسرائيلية-الفلسطينية. كما يمكن للتقدم على الجبهة الاسرائيلية-السورية ان يتناغم مع اهتمام اسرائيل الاخير باحياء المبادرة السعودية النائمة بسلام شامل بين اسرائيل والعالم العربي. في نفس الوقت فان الادارة الجديدة يمكن ان تتواصل مع ايران بعد ان يكون قد تغير سلوكها للافضل. بالطبع فان هذه الآمال يمكن ان يثبت انها أوهام. غير ان المسئولين الاكراد اوضحوا ان التغير يحدث بالفعل. ففي الاسبوع الماضي اعترفت سوريا رسميا بلبنان لاول مرة ومن ثم تكون قد تخلت عن حلمها التاريخي بسوريا الكبرى. هل يمكن للولايات المتحدة ان تقوى على الابتعاد عن هذه العملية اطول من ذلك؟ تحدث المرشح الرئاسي الجمهوري جون ماكين قليلا عن القضية السورية غير ان صديقه الحميم جوي ليبرمان كان سلبيا بشكل علني بشان المحادثات مع سوريا. ومن المحتمل ان يدعم المرشح الديمقراطي باراك اوباما العملية التي بدأتها تركيا. قال لي دينيس روس مفاوض الشرق الاوسط في ادارتي كلينتون وجورج بوش ومستشار حملة اوباما"في الوقت الذي تتوسط فيه تركيا بين سوريا واسرائيل، تقف الولاياتالمتحدة موقف المتفرج. وإلا ان يرى الاطراف في المنطقة فعالية الولاياتالمتحدة يمكن ان يتراجعوا. وهذا يجعل من المهم العمل على كل عناصر عملية السلام، وليس العمل على انجاز بعض الاشياء. وهي اختبار الاسد." وهذه نصيحة يجب ان يأخذ بها الرئيس المقبل. صحيفة " الوطن " العمانية 25/10/2008