عكا وأخواتها: أزمة مفتوحة! د. سليمان البدور في النصف الأول من حزيران عام (1996م)، أتيحت لي فرصة التجوُّل في مدينتي يافا وعكا، كان ما شاهدته محزناً وشديد الغرابة، فبيوت يافا القريبة من الساحة الرئيسية مغلقة الأبواب مقشورة الدهان ومتهالكة الجدران بسبب التقادم، أما الأحياء المكتظة بالعرب في الداخل فتعاني من الازدحام والقذارة والشوارع الضيقة المليئة بالتصدعات والحفر الصغيرة، وفي عكا كان الفرق بين العرب واليهود ظاهراً للعيان ومستوى الخدمات المتدني في البلدة القديمة الملاصقة لمسجد الجزار مثيراً للأسى والاستغراب، وقد ظننت آنذاك أن السكان العرب لا يهتمون بنظافة أحيائهم ولا يسعون لتحديثها أو يضغطون على السلطات المحلية لمنحها عناية أكثر. لكن الثوابت الأساسية في السياسة الإسرائيلية إزاء السكان العرب، تكشفت في مؤتمر أنابوليس عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أن إسرائيل ستكون دولة يهودية ، وكان أول ما تبادر للذهن من إعلان أولمرت هذا، هو قطع الطريق أمام حق العودة للاجئين الفلسطينيين، البالغ عددهم (75ر3) مليون لاجئ، لكن الإعلان كان يرمي إلى أبعد من ذلك، كان يعني السكان العرب في إسرائيل، إذ أن عددهم يبلغ (6ر3) مليون مقابل (75ر5) مليون من اليهود وهذه نسبة عالية جداً تقترب من (25%) من مجموع السكان، مما يشكل خطراً ديمغرافياً يلغي الصبغة اليهودية للدولة ويهدد وجودها فيما لو أخذت هذه النسبة من السكان حقوقها الديمقراطية، وأرادت إسرائيل أن تكون دولة ملتزمة بالقيم والمبادئ الإنسانية دولة بعيدة عن التشبث الأعمى بالقيم القومية أو الدينية كما يقول الدكتور إيلان بابه الأستاذ الجامعي وأحد المؤرخين الجدد في إسرائيل. اعتمدت إسرائيل منذ قيامها على استبدال السكان العرب بمهاجرين يهود وكانت وسيلتها في ذلك مهاجمة القرى العربية وقتل سكانها دون تمييز لإشاعة الذعر في القرى الأخرى التي هجرها أهلها خوفاً على حياتهم وحياة نسائهم وأطفالهم، وقد نجحت هذه السياسة الإجرامية والهمجية إلى حد بعيد لكنها فشلت في بعض المدن والقرى أمام التشبث الأسطوري بالأرض والبقاء في المنازل، وعلى صعيد آخر لجأت إسرائيل إلى استغلال التخبط السياسي العربي والانقسامات الحادة بين الأنظمة السياسية فضلاً عن عدم استيعاب هذه الأنظمة للحقائق الناشئة عن الاختلال في موازين القوى الدولية عندما رفضت التقسيم الذي أقرته الأممالمتحدة عام (1949م)، وقد قادت حالة التشرذم العربي والرفض المصحوب بالشعارات العاطفية البعيدة عن الواقع. إلى هزيمة حزيران الكارثية التي أدت إلى احتلال البقية الباقية من أرض فلسطين ونزوح الآلاف من أهل الضفة والقطاع، وبالرغم من كل ذلك فقد فشلت الصهيونية وحلفاؤها في تحقيق أمرين جوهريين، أولهما توطين اللاجئين الفلسطينيين في المَهَاجِر وإسقاط وطنهم من الذاكرة بإذابتهم رغم المغريات والوسائل التي تم إتباعها لهذه الغاية، والأمر الآخر تمثل في العجز الإسرائيلي عن تهجير ما اصطلح على تسميته بعرب 48 وإرغامهم على ترك مدنهم وقراهم، فبقوا مزروعين فيها رغم الإهمال والتهميش والتمييز العنصري الذي واجهوه خلال الستين عاماً التي مرَّت على قيام الدولة العبرية. وفي ظروف التحوُّل الملموس في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية وعدالتها، وظهور قوى وتيارات إقليمية متطرفة تتغذى على هذا الصراع، فقد وجد الإسرائيليون وحلفاؤهم الأمريكيون أن لا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بحل الدولتين، فلسطينية لعرب الداخل فقط وإسرائيلية خالية من العرب، وقد بدأوا بتنفيذ خطة ممنهجه تبدأ بإشعال نار المواجهات بين العرب واليهود في المدن المختلطة مثل عكا ويافا والناصرة وتنتهي بإقناع أطراف العملية السلمية باستحالة استيعاب أي فلسطينيين داخل الحدود النهائية للدولة العبرية وفرض ترحيلهم إلى أراضي الدولة الفلسطينية المرتقبة في إطار التسوية الشاملة، فهل تنجح الخطة الإسرائيلية الجديدة؟!، نعتقد أنها محاولة يائسة مصيرها الفشل!. عن صحيفة الرأي الاردنية 22/10/2008