حسابات روسية مستقبلية د. هايل ودعان الدعجة ما كان لروسيا وريثة التركة السوفيتية ان تخرج من محنتها وتنهض من سباتها وكبوتها وتستعيد جزءا من مكانتها الدولية، لولا الهفوات والاخطاء القاتلة التي ارتكبتها الادارة الاميركية الحالية في معرض محاولاتها الاستعلائية لفرض سطوتها وهيمنتها العالمية، ترجمة لتفردها وتربعها على قمة النظام الدولي القائم بعد خروجها منتصرة في الحرب الباردة. وذلك عندما اسهمت السياسات الاميركية المتعجرفة في بث الروح من جديد في مصادر الطاقة ذات القيمة الحيوية والاستراتيجية في تحديد معالم النظام الدولي ومفاعيله. اذ تمكنت روسيا التي تمتلك الكثير من هذه المصادر وتحديدا النفط والغاز من تذكير دول العالم بحضورها الفاعل على مسرح الاحداث الدولية. ويكفي هنا ان نشير الى السيطرة الروسية وتحكمها باحتياجات دول اوروبا الصناعية من الطاقة، بدليل حالة الارباك التي سادت الحسابات الاوروبية في تعاطيها مع (المفاجآت) الروسية الاخيرة (حرب القوقاز) امتثالا لتوجيهات الحليف الاميركي الغارق في مستنقعات الشرق الاوسط في كل من العراق وافغانستان. بصورة جعلت دول اوروبا تأخذ باعتبارها مصالحها النفطية في تحديد موقفها من الملف الروسي الجورجي الشائك. ما يفسر عدم توصل دول الاتحاد الاوروبي السبع والعشرين في الاجتماع الذي عقد في بروكسل الشهر الماضي الى اجماع بخصوص العقوبات على روسيا كدليل على وجود خلافات داخل الاتحاد بشأن ما اذا كان ينبغي معاقبة روسيا اكبر مورد للطاقة الى دول اوروبا. مع ملاحظة ان حاجة اوروبا الى الطاقة الروسية تفوق حاجة روسيا الى اوروبا. دون ان نغفل الاشارات والرسائل الروسية التي انطوى عليها هذا الملف، والتي لا تخلو من تحدي من يهمه الامر في المعسكر الغربي الذي تمادى كثيرا على حرمة روسيا وأمنها الإقليمي بفعل سياساته الرامية الى احداث اختراقات وثغرات في الفضاء السوفيتي السابق الذي يشكل مظلة أمنية اقليمية لروسيا. لذلك اخذت روسيا تفكر مليا في استغلال مصادرها من الطاقة وتحويلها الى مصادر قوة ونفوذ من أجل تبديد المخاوف والاخطار والتهديدات الغربية التي تستهدفها في اقليمها وفضائها، خاصة في ظل النوايا الاميركية التي تسعى الى تضييق الخناق عليها وتجريدها من عناصر قوتها بحيث لا تعود تفكر بلعب أي دور على المسرح الدولي. من هنا يمكننا ان نقرأ محاولة روسيا الرامية الى انشاء نظام الردع النووي عام 2020، والذي يشمل نظاما للدفاع الفضائي وغواصات نووية جديدة اضافة الى ضخ مبالغ كبيرة في القطاع العسكري لتفعيل قوتها العسكرية، مستغلة امتلاكها لموارد نقدية هائلة بعد الاسعار المرتفعة والجنونية التي شملت صادراتها من النفط والغاز، وذلك ردا على انشاء منظومة الدرع الصاروخية الاميركية في شرق اوروبا ومحاولات حلف شمال الاطلسي (الناتو) التوسع شرقا باتجاه جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. كذلك فقد اطلقت حرب القوقاز الاخيرة مرحلة جديدة من التنافس بين روسيا والولايات المتحدة الاميركية صعدت من مظاهر المواجهة بينهما وبشكل غير مسبوق منذ تفكك الاتحاد السوفيتي. حيث اشتملت هذه المواجهة من الجانب الروسي اضافة الى التنافس السياسي والعسكري على التنافس في المجالات العلمية والصناعات المرتبطة بالتقنية الفائقة الدقة وخطط توسيع غزو الفضاء واقتحام باطن الارض وغيرها من مظاهر المنافسة، ما يمثل سيناريوهات وحسابات روسية مستقبلية لمواجهة اي تحديات او اخطار غربية محتملة. فقد سبق لفلاديمير بوتين رئيس الوزراء الروسي ان قال.. انه سيخصص مبالغ طائلة جدا لاغراض تطوير التقنيات العالية في البلاد للانفاق على تطوير البنى التحتية العلمية وتطوير عمليات البحث العلمي في السنوات القليلة القادمة في اشارة الى حرص روسيا على عدم فقدان قدرتها على الردع النووي وشل حركة ذراعها الصاروخية على نحو يخل بموازين القوى بشكل من شأنه تعريض أمنها الاستراتيجي للخطر. عن صحيفة الرأي الاردنية 20/10/2008